[ ص: 147 ] [ ص: 148 ] [ ص: 149 ] بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر
أخبرنا
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد : القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28974_28666_28663تأويل قوله ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم الله لا إله إلا هو ( 1 ) )
قال
أبو جعفر : قد أتينا على البيان عن معنى قوله : " الم " فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وكذلك البيان عن قوله : " الله " .
وأما معنى قوله : " لا إله إلا هو " فإنه خبر من الله - جل وعز - أخبر عباده أن الألوهية خاصة به دون ما سواه من الآلهة والأنداد ، وأن العبادة لا تصلح ولا تجوز إلا له لانفراده بالربوبية ، وتوحده بالألوهية ، وأن كل ما دونه فملكه ، وأن كل ما سواه فخلقه ، لا شريك له في سلطانه وملكه احتجاجا منه - تعالى ذكره - عليهم بأن ذلك إذ كان كذلك ، فغير جائزة لهم عبادة غيره ، ولا إشراك أحد معه في سلطانه ، إذ كان كل معبود سواه فملكه ، وكل معظم غيره فخلقه ، وعلى المملوك إفراد الطاعة لمالكه ، وصرف خدمته إلى مولاه ورازقه
[ ص: 150 ] ومعرفا من كان من خلقه - يوم أنزل ذلك إلى نبيه
محمد صلى الله عليه وسلم بتنزيله ذلك إليه ، وإرساله به إليهم على لسانه صلوات الله عليه وسلامه - مقيما على عبادة وثن أو صنم أو شمس أو قمر أو إنسي أو ملك أو غير ذلك من الأشياء التي كانت بنو آدم مقيمة على عبادته وإلاهته ، ومتخذه دون مالكه وخالقه إلها وربا أنه مقيم على ضلالة ، ومنعدل عن المحجة ، وراكب غير السبيل المستقيمة ، بصرفه العبادة إلى غيره ، ولا أحد له الألوهية غيره .
قال
أبو جعفر : وقد ذكر أن هذه السورة ابتدأ الله بتنزيله فاتحتها بالذي ابتدأ به : من
nindex.php?page=treesubj&link=28675_29434نفي " الألوهية " أن تكون لغيره ، ووصفه نفسه بالذي وصفها به في ابتدائها ؛ احتجاجا منه بذلك على
nindex.php?page=treesubj&link=32266_29392طائفة من النصارى قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نجران فحاجوه في عيسى - صلوات الله عليه - وألحدوا في الله . فأنزل الله - عز وجل - في أمرهم وأمر
عيسى من هذه السورة نيفا وثمانين آية من أولها ، احتجاجا عليهم وعلى من كان على مثل مقالتهم لنبيه
محمد - صلى الله عليه وسلم - فأبوا إلا المقام على
[ ص: 151 ] ضلالتهم وكفرهم ، فدعاهم إلى المباهلة ، فأبوا ذلك ، وسألوا قبول الجزية منهم ، فقبلها - صلى الله عليه وسلم - منهم ، وانصرفوا إلى بلادهم .
غير أن الأمر - وإن كان كذلك وإياهم قصد بالحجاج - فإن من كان معناه من سائر الخلق معناهم في الكفر بالله ، واتخاذ ما سوى الله ربا وإلها ومعبودا معمومون بالحجة التي حج الله تبارك وتعالى بها من نزلت هذه الآيات فيه ، ومحجوجون في الفرقان الذي فرق به لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبينهم .
ذكر الرواية عمن ذكرنا قوله في نزول افتتاح هذه السورة أنه نزل في الذين وصفنا صفتهم من
النصارى : -
6543 - حدثنا
محمد بن حميد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13655سلمة بن الفضل قال حدثني
محمد بن إسحاق عن
محمد بن جعفر قال : قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد
نجران : ستون راكبا فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم ، في الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يئول أمرهم : " العاقب " أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم ، والذي لا يصدرون إلا عن رأيه ، واسمه "
عبد المسيح " و " السيد " ثمالهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم ، واسمه "
الأيهم "
وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدراسهم . وكان
أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم ، فكانت ملوك
الروم من أهل النصرانية قد شرفوه ومولوه وأخدموه ، وبنوا له الكنائس ، وبسطوا عليه الكرامات ؛ لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم .
[ ص: 152 ] قال
ابن إسحاق قال
محمد بن جعفر بن الزبير : قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
المدينة فدخلوا عليه في مسجده حين صلى العصر ، عليهم ثياب الحبرات جبب وأردية ، في [ جمال رجال ]
بلحارث بن كعب قال : يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ : ما رأينا بعدهم وفدا مثلهم ! وقد حانت صلاتهم فقاموا يصلون في
مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
دعوهم ، فصلوا إلى المشرق .
قال : وكانت تسمية الأربعة عشر منهم الذين يئول إليهم أمرهم : "
العاقب " وهو " عبد المسيح "
والسيد ، وهو " الأيهم " "
وأبو حارثة بن علقمة " أخو
بكر بن وائل ، وأوس ، والحارث ، وزيد ، وقيس ، ويزيد ، ونبيه ، وخويلد ، وعمرو ، وخالد ، وعبد الله .
ويحنس : في ستين راكبا . فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم
: " أبو حارثة بن علقمة " ، و "
العاقب " عبد المسيح ، و "
الأيهم " السيد ، وهم من
النصرانية على دين الملك مع اختلاف من أمرهم . يقولون : " هو الله " ويقولون : " هو ولد الله " ويقولون : " هو ثالث ثلاثة " وكذلك قول
النصرانية .
فهم يحتجون في قولهم : " هو الله " بأنه كان يحيي الموتى ، ويبرئ الأسقام ، ويخبر بالغيوب ، ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طائرا ، وذلك كله بإذن الله ؛ ليجعله آية للناس .
[ ص: 153 ]
ويحتجون في قولهم : " إنه ولد الله " أنهم يقولون : " لم يكن له أب يعلم ، وقد تكلم في المهد ، شيء لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله " .
ويحتجون في قولهم : " إنه ثالث ثلاثة " بقول الله - عز وجل - : " فعلنا ، وأمرنا ، وخلقنا ، وقضينا " . فيقولون : " لو كان واحدا ما قال : إلا " فعلت ، وأمرت وقضيت ، وخلقت " ولكنه هو
وعيسى ومريم " .
ففي كل ذلك من قولهم قد نزل القرآن ، وذكر الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فيه قولهم .
فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أسلما . قالا : قد أسلمنا . قال : إنكما لم تسلما ، فأسلما . قالا : بلى قد أسلمنا قبلك . قال : كذبتما ، يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله - عز وجل - ولدا ، وعبادتكما الصليب ، وأكلكما الخنزير . قالا : فمن أبوه يا محمد ؟ فصمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهما فلم يجبهما ، فأنزل الله في ذلك من قولهم واختلاف أمرهم كله صدر " سورة آل عمران " إلى بضع وثمانين آية منها . فقال : " nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم " ، فافتتح السورة بتبرئته نفسه تبارك وتعالى مما قالوا ، وتوحيده إياها بالخلق والأمر ، لا شريك له فيه ردا عليهم ما ابتدعوا من الكفر ، وجعلوا معه من الأنداد واحتجاجا عليهم بقولهم في صاحبهم ؛ ليعرفهم بذلك ضلالتهم ، فقال : " الله لا إله إلا هو " أي : ليس معه شريك في أمره .
[ ص: 154 ]
6544 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن
الربيع في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم " قال :
إن النصارى أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخاصموه في عيسى ابن مريم وقالوا له : من أبوه ؟ وقالوا على الله الكذب والبهتان - لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبة ولا ولدا - فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا وهو يشبه أباه ؟ قالوا : بلى . قال : ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت ، وأن عيسى يأتي عليه الفناء ؟ قالوا : بلى . قال : ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه ؟ قالوا : بلى . قال : فهل يملك عيسى من ذلك شيئا ؟ قالوا : لا . قال : أفلستم تعلمون أن nindex.php?page=treesubj&link=28781الله - عز وجل - لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ؟ قالوا : بلى . قال : فهل يعلم عيسى من ذلك شيئا إلا ما علم ؟ قالوا : لا . قال : فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء ، فهل تعلمون ذلك ؟ قالوا : بلى . قال : ألستم تعلمون أن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث ؟ قالوا : بلى . قال : ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ، ثم غذي كما يغذى الصبي ، ثم كان يطعم الطعام ، ويشرب الشراب ويحدث الحدث ؟ قالوا بلى . قال : فكيف يكون هذا كما زعمتم ؟ قال : فعرفوا ، ثم أبوا إلا جحودا ، nindex.php?page=treesubj&link=32266_28861فأنزل الله - عز وجل - : " nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم "
[ ص: 147 ] [ ص: 148 ] [ ص: 149 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَبِّ يَسِّرْ
أَخْبَرَنَا
أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ : الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28974_28666_28663تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ( 1 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : قَدْ أَتَيْنَا عَلَى الْبَيَانِ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ : " الم " فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ . وَكَذَلِكَ الْبَيَانُ عَنْ قَوْلِهِ : " اللَّهُ " .
وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ : " لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " فَإِنَّهُ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ - جَلَّ وَعَزَّ - أَخْبَرَ عِبَادَهُ أَنَّ الْأُلُوهِيَّةَ خَاصَّةٌ بِهِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ ، وَأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَصْلُحُ وَلَا تَجُوزُ إِلَّا لَهُ لِانْفِرَادِهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ ، وَتَوَحُّدِهِ بِالْأُلُوهِيَّةِ ، وَأَنَّ كُلَّ مَا دُونَهُ فَمِلْكُهُ ، وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ فَخَلْقُهُ ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِي سُلْطَانِهِ وَمُلْكِهِ احْتِجَاجًا مِنْهُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - عَلَيْهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ إِذْ كَانَ كَذَلِكَ ، فَغَيْرُ جَائِزَةٍ لَهُمْ عِبَادَةُ غَيْرِهِ ، وَلَا إِشْرَاكُ أَحَدٍ مَعَهُ فِي سُلْطَانِهِ ، إِذْ كَانَ كُلُّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ فَمِلْكُهُ ، وَكُلُّ مُعَظَّمٍ غَيْرُهُ فَخَلْقُهُ ، وَعَلَى الْمَمْلُوكِ إِفْرَادُ الطَّاعَةِ لِمَالِكِهِ ، وَصَرْفُ خِدْمَتِهِ إِلَى مَوْلَاهُ وَرَازِقِهِ
[ ص: 150 ] وَمُعَرِّفًا مَنْ كَانَ مِنْ خَلْقِهِ - يَوْمَ أَنْزَلَ ذَلِكَ إِلَى نَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَنْزِيلِهِ ذَلِكَ إِلَيْهِ ، وَإِرْسَالِهِ بِهِ إِلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ - مُقِيمًا عَلَى عِبَادَةِ وَثَنٍ أَوْ صَنَمٍ أَوْ شَمْسٍ أَوْ قَمَرٍ أَوْ إِنْسِيٍّ أَوْ مَلَكٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانَتْ بَنُو آدَمَ مُقِيمَةً عَلَى عِبَادَتِهِ وَإِلَاهَتِهِ ، وَمُتَّخِذَهُ دُونَ مَالِكِهِ وَخَالِقِهِ إِلَهًا وَرَبًّا أَنَّهُ مُقِيمٌ عَلَى ضَلَالَةٍ ، وَمُنْعَدِلٌ عَنِ الْمَحَجَّةِ ، وَرَاكِبٌ غَيْرَ السَّبِيلِ الْمُسْتَقِيمَةِ ، بِصَرْفِهِ الْعِبَادَةَ إِلَى غَيْرِهِ ، وَلَا أَحَدَ لَهُ الْأُلُوهِيَّةُ غَيْرُهُ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ ابْتَدَأَ اللَّهُ بِتَنْزِيلِهِ فَاتِحَتَهَا بِالَّذِي ابْتَدَأَ بِهِ : مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28675_29434نَفْيِ " الْأُلُوهِيَّةِ " أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِ ، وَوَصْفِهِ نَفْسَهُ بِالَّذِي وَصَفَهَا بِهِ فِي ابْتِدَائِهَا ؛ احْتِجَاجًا مِنْهُ بِذَلِكَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=32266_29392طَائِفَةٍ مِنَ النَّصَارَى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ نَجْرَانَ فَحَاجُّوهُ فِي عِيسَى - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - وَأَلْحَدُوا فِي اللَّهِ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي أَمْرِهِمْ وَأَمْرِ
عِيسَى مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ نَيِّفًا وَثَمَانِينَ آيَةً مِنْ أَوَّلِهَا ، احْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَنْ كَانَ عَلَى مَثَلِ مَقَالَتِهِمْ لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَبَوْا إِلَّا الْمُقَامَ عَلَى
[ ص: 151 ] ضَلَالَتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ ، فَأَبَوْا ذَلِكَ ، وَسَأَلُوا قَبُولَ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ ، فَقَبِلَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ ، وَانْصَرَفُوا إِلَى بِلَادِهِمْ .
غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ - وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَإِيَّاهُمْ قَصَدَ بِالْحِجَاجِ - فَإِنَّ مَنْ كَانَ مَعْنَاهُ مِنْ سَائِرِ الْخَلْقِ مَعَنَاهُمْ فِي الْكُفْرِ بِاللَّهِ ، وَاتِّخَاذِ مَا سِوَى اللَّهِ رَبًّا وَإِلَهًا وَمَعْبُودًا مَعْمُومُونَ بِالْحُجَّةِ الَّتِي حَجَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهَا مَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِيهِ ، وَمَحْجُوجُونَ فِي الْفُرْقَانِ الَّذِي فَرَقَ بِهِ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ .
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ فِي نُزُولِ افْتِتَاحِ هَذِهِ السُّورَةِ أَنَّهُ نَزَلَ فِي الَّذِينَ وَصَفْنَا صِفَتَهُمْ مِنَ
النَّصَارَى : -
6543 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13655سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفْدُ
نَجْرَانَ : سِتُّونَ رَاكِبًا فِيهِمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ ، فِي الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ إِلَيْهِمْ يَئُولُ أَمْرُهُمْ : " الْعَاقِبُ " أَمِيرُ الْقَوْمِ وَذُو رَأْيِهِمْ وَصَاحِبُ مَشُورَتِهِمْ ، وَالَّذِي لَا يُصْدِرُونَ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ ، وَاسْمُهُ "
عَبْدُ الْمَسِيحِ " وَ " السَّيِّدُ " ثِمَالُهُمْ وَصَاحِبُ رَحْلِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ ، وَاسْمُهُ "
الْأَيْهَمُ "
وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ أَخُو بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَسْقُفُّهُمْ وَحَبْرُهُمْ وَإِمَامُهُمْ وَصَاحِبُ مِدْرَاسِهِمْ . وَكَانَ
أَبُو حَارِثَةَ قَدْ شَرُفَ فِيهِمْ وَدَرَسَ كُتُبَهُمْ حَتَّى حَسُنَ عِلْمُهُ فِي دِينِهِمْ ، فَكَانَتْ مُلُوكُ
الرُّومِ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ قَدْ شَرَّفُوهُ وَمَوَّلُوهُ وَأَخْدَمُوهُ ، وَبَنَوْا لَهُ الْكَنَائِسَ ، وَبَسَطُوا عَلَيْهِ الْكَرَامَاتِ ؛ لِمَا يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عِلْمِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِمْ .
[ ص: 152 ] قَالَ
ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ : قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
الْمَدِينَةَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فِي مَسْجِدِهِ حِينَ صَلَّى الْعَصْرَ ، عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الْحِبَرَاتِ جُبَبٌ وَأَرْدِيَةٌ ، فِي [ جِمَالِ رِجَالِ ]
بَلْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ : يَقُولُ بَعْضُ مَنْ رَآهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمئِذٍ : مَا رَأَيْنَا بِعَدَهُمْ وَفْدًا مِثْلَهُمْ ! وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتُهُمْ فَقَامُوا يُصَلُّونَ فِي
مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
دَعُوهُمْ ، فَصَلَّوْا إِلَى الْمَشْرِقِ .
قَالَ : وَكَانَتْ تَسْمِيَةُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يَئُولُ إِلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ : "
الْعَاقِبُ " وَهُوَ " عَبْدُ الْمَسِيحِ "
وَالسَّيِّدُ ، وَهُوَ " الْأَيْهَمُ " "
وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ " أَخُو
بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، وَأَوْسٌ ، وَالْحَارِثُ ، وَزَيْدٌ ، وَقَيْسٌ ، وَيَزِيدُ ، وَنُبَيْهٌ ، وَخُوَيْلِدٌ ، وَعَمْرٌو ، وَخَالِدٌ ، وَعَبْدُ اللَّهِ .
وَيُحَنَّسُ : فِي سِتِّينَ رَاكِبًا . فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ
: " أَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ " ، وَ "
الْعَاقِبُ " عَبْدُ الْمَسِيحِ ، وَ "
الْأَيْهَمُ " السَّيِّدُ ، وَهُمْ مِنَ
النَّصْرَانِيَّةِ عَلَى دِينِ الْمَلِكِ مَعَ اخْتِلَافٍ مِنْ أَمْرِهِمْ . يَقُولُونَ : " هُوَ اللَّهُ " وَيَقُولُونَ : " هُوَ وَلَدُ اللَّهِ " وَيَقُولُونَ : " هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ " وَكَذَلِكَ قَوْلُ
النَّصْرَانِيَّةِ .
فَهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي قَوْلِهِمْ : " هُوَ اللَّهُ " بِأَنَّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى ، وَيُبْرِئُ الْأَسْقَامَ ، وَيُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ ، وَيَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائِرًا ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِإِذْنِ اللَّهِ ؛ لِيَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ .
[ ص: 153 ]
وَيَحْتَجُّونَ فِي قَوْلِهِمْ : " إِنَّهُ وَلَدُ اللَّهِ " أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : " لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ يُعَلِّمُ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي الْمَهْدِ ، شَيْءٌ لَمْ يَصْنَعْهُ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَهُ " .
وَيَحْتَجُّونَ فِي قَوْلِهِمْ : " إِنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ " بِقَوْلِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : " فَعَلْنَا ، وَأَمَرْنَا ، وَخَلَقْنَا ، وَقَضَيْنَا " . فَيَقُولُونَ : " لَوْ كَانَ وَاحِدًا مَا قَالَ : إِلَّا " فَعَلْتُ ، وَأَمَرْتُ وَقَضَيْتُ ، وَخَلَقْتُ " وَلَكِنَّهُ هُوَ
وَعِيسَى وَمَرْيَمُ " .
فَفِي كُلِّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ نَزَلَ الْقُرْآنُ ، وَذَكَرَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ قَوْلَهُمْ .
فَلَّمَا كَلَّمَهُ الْحَبْرَانِ قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَسْلِمَا . قَالَا : قَدْ أَسْلَمْنَا . قَالَ : إِنَّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا ، فَأَسْلِمَا . قَالَا : بَلَى قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَكَ . قَالَ : كَذَبْتُمَا ، يَمْنَعُكُمَا مِنَ الْإِسْلَامِ دُعَاؤُكُمَا لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَلَدًا ، وَعِبَادَتُكُمَا الصَّلِيبَ ، وَأَكْلُكُمَا الْخِنْزِيرَ . قَالَا : فَمَنْ أَبُوهُ يَا مُحَمَّدُ ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُمَا فَلَمْ يُجِبْهُمَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَاخْتِلَافِ أَمْرِهِمْ كُلِّهُ صَدْرَ " سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ " إِلَى بِضْعٍ وَثَمَانِينَ آيَةً مِنْهَا . فَقَالَ : " nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ " ، فَافْتَتَحَ السُّورَةَ بِتَبْرِئَتِهِ نَفْسَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِمَّا قَالُوا ، وَتَوْحِيدِهِ إِيَّاهَا بِالْخَلْقِ وَالْأَمْرِ ، لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ رَدًّا عَلَيْهِمْ مَا ابْتَدَعُوا مِنَ الْكُفْرِ ، وَجَعَلُوا مَعَهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَاحْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِمْ فِي صَاحِبِهِمْ ؛ لِيُعَرِّفَهُمْ بِذَلِكَ ضَلَالَتَهُمْ ، فَقَالَ : " اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " أَيْ : لَيْسَ مَعَهُ شَرِيكٌ فِي أَمْرِهِ .
[ ص: 154 ]
6544 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ " قَالَ :
إِنَّ النَّصَارَى أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَاصَمُوهُ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَقَالُوا لَهُ : مَنْ أَبُوهُ ؟ وَقَالُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَالْبُهْتَانَ - لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا - فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَلَدٌ إِلَّا وَهُوَ يُشْبِهُ أَبَاهُ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَبَّنَا حَيٌّ لَا يَمُوتُ ، وَأَنَّ عِيسَى يَأْتِي عَلَيْهِ الْفَنَاءُ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَبَّنَا قَيِّمٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَكْلَؤُهُ وَيَحْفَظُهُ وَيَرْزُقُهُ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَهَلْ يَمْلِكُ عِيسَى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : أَفَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ nindex.php?page=treesubj&link=28781اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَهَلْ يَعْلَمُ عِيسَى مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا مَا عُلِّمَ ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : فَإِنَّ رَبَّنَا صَوَّرَ عِيسَى فِي الرَّحِمِ كَيْفَ شَاءَ ، فَهَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَبَّنَا لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَلَا يَشْرَبُ الشَّرَابَ وَلَا يُحْدِثُ الْحَدَثَ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كَمَا تَحْمِلُ الْمَرْأَةُ ، ثُمَّ وَضَعَتْهُ كَمَا تَضَعُ الْمَرْأَةُ وَلَدَهَا ، ثُمَّ غُذِّيَ كَمَا يُغَذَّى الصَّبِيُّ ، ثُمَّ كَانَ يَطْعَمُ الطَّعَامَ ، وَيَشْرَبُ الشَّرَابَ وَيُحْدِثُ الْحَدَثَ ؟ قَالُوا بَلَى . قَالَ : فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا كَمَا زَعَمْتُمْ ؟ قَالَ : فَعَرَفُوا ، ثُمَّ أَبَوْا إِلَّا جُحُودًا ، nindex.php?page=treesubj&link=32266_28861فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : " nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ "