[ ص: 13 ] القول في البيان عن
nindex.php?page=treesubj&link=31781_20758_20760الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب وألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم
قال
أبو جعفر : إن سألنا سائل فقال : إنك ذكرت أنه غير جائز أن يخاطب الله تعالى ذكره أحدا من خلقه إلا بما يفهمه ، وأن يرسل إليه رسالة إلا باللسان الذي يفقهه . . . . .
1 - فما أنت قائل فيما حدثكم به
nindex.php?page=showalam&ids=16949محمد بن حميد الرازي ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15738حكام بن سلم ، قال : حدثنا
عنبسة ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي الأحوص عن
أبي موسى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=28يؤتكم كفلين من رحمته ) [ سورة الحديد : 28 ] ، قال : الكفلان : ضعفان من الأجر ، بلسان
الحبشة .
2 - وفيما حدثكم به
ابن حميد ، قال : حدثنا
حكام ، عن
عنبسة ، عن
أبي إسحاق ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=6إن ناشئة الليل ) [ سورة المزمل : 6 ] قال : بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل قالوا : نشأ .
3 - وفيما حدثكم به
ابن حميد قال : حدثنا
حكام ، قال : حدثنا
عنبسة ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي ميسرة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10يا جبال أوبي معه ) قال : سبحي ، بلسان الحبشة ؟
قال
أبو جعفر : وكل ما قلنا في هذا الكتاب "حدثكم " فقد حدثونا به .
[ ص: 14 ]
4 - وفيما حدثكم به
محمد بن خالد بن خداش الأزدي ، قال : حدثنا
سلم بن قتيبة ، قال : حدثنا
حماد بن سلمة عن
علي بن زيد ، عن
يوسف بن مهران ، عن
ابن عباس رضي الله عنهما أنه سأل عن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=51فرت من قسورة ) [ سورة المدثر : 51 ] قال : هو بالعربية الأسد ، وبالفارسية شار ، وبالنبطية أريا ، وبالحبشية قسورة .
5 - وفيما حدثكم به
ابن حميد قال : حدثنا
يعقوب القمي ، عن
جعفر بن أبي المغيرة ، عن
سعيد بن جبير قال : قالت
قريش : لولا أنزل هذا القرآن أعجميا وعربيا ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) [ سورة فصلت : 44 ] فأنزل الله بعد هذه الآية في القرآن بكل لسان فيه . (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=82حجارة من سجيل ) [ سورة هود : 82 ، وسورة الحجر : 74 ] قال : فارسية أعربت سنك وكل .
6 - وفيما حدثكم به
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، قال : حدثنا
عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا
إسرائيل ، عن
أبي إسحاق ، عن
أبي ميسرة ، قال : في القرآن من كل لسان .
وفيما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول بذكرها الكتاب ، مما يدل على أن فيه من غير لسان
العرب ؟
قيل له : إن الذي قالوه من ذلك غير خارج من معنى ما قلنا - من أجل أنهم لم يقولوا : هذه الأحرف وما أشبهها لم تكن للعرب كلاما ، ولا كان ذاك
[ ص: 15 ] لها منطقا قبل نزول القرآن ، ولا كانت بها
العرب عارفة قبل مجيء الفرقان - فيكون ذلك قولا لقولنا خلافا . وإنما قال بعضهم : حرف كذا بلسان الحبشة معناه كذا ، وحرف كذا بلسان العجم معناه كذا . ولم نستنكر أن يكون من الكلام ما يتفق فيه ألفاظ جميع أجناس الأمم المختلفة الألسن بمعنى واحد ، فكيف بجنسين منها ؟ كما وجدنا اتفاق كثير منه فيما قد علمناه من الألسن المختلفة ، وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس ، وغير ذلك - مما يتعب إحصاؤه ويمل تعداده ، كرهنا إطالة الكتاب بذكره - مما اتفقت فيه الفارسية والعربية باللفظ والمعنى . ولعل ذلك كذلك في سائر الألسن التي نجهل منطقها ولا نعرف كلامها .
فلو أن قائلا قال - فيما ذكرنا من الأشياء التي عددنا وأخبرنا اتفاقه في اللفظ والمعنى بالفارسية والعربية ، وما أشبه ذلك مما سكتنا عن ذكره - : ذلك كله فارسي لا عربي ، أو ذلك كله عربي لا فارسي ، أو قال : بعضه عربي وبعضه فارسي ، أو قال : كان مخرج أصله من عند
العرب فوقع إلى العجم فنطقوا به ، أو قال : كان مخرج أصله من عند
الفرس فوقع إلى
العرب فأعربته - كان مستجهلا ، لأن
العرب ليست بأولى أن تكون كان مخرج أصل ذلك منها إلى العجم ، ولا العجم أحق أن تكون كان مخرج أصل ذلك منها إلى
العرب ، إذ كان استعمال ذلك بلفظ واحد ومعنى واحد موجودا في الجنسين .
وإذ كان ذلك موجودا على ما وصفنا في الجنسين ، فليس أحد الجنسين أولى بأن يكون أصل ذلك كان من عنده من الجنس الآخر . والمدعي أن مخرج أصل ذلك إنما كان من أحد الجنسين إلى الآخر ، مدع أمرا لا يوصل إلى حقيقة صحته إلا بخبر يوجب العلم ، ويزيل الشك ، ويقطع العذر صحته .
[ ص: 16 ]
بل الصواب في ذلك عندنا : أن يسمى : عربيا أعجميا ، أو حبشيا عربيا ، إذ كانت الأمتان له مستعملتين - في بيانها ومنطقها - استعمال سائر منطقها وبيانها . فليس غير ذلك من كلام كل أمة منهما ، بأولى أن يكون إليها منسوبا - منه .
فكذلك سبيل كل كلمة واسم اتفقت ألفاظ أجناس أمم فيها وفي معناها ، ووجد ذلك مستعملا في كل جنس منها استعمال سائر منطقهم ، فسبيل إضافته إلى كل جنس منها ، سبيل ما وصفنا - من الدرهم والدينار والدواة والقلم ، التي اتفقت ألسن
الفرس والعرب فيها بالألفاظ الواحدة والمعنى الواحد ، في أنه مستحق إضافته إلى كل جنس من تلك الأجناس - اجتماع واقتران .
وذلك هو معنى من روينا عنه القول في الأحرف التي مضت في صدر هذا الباب ، من نسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان الحبشة ، ونسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان
الفرس ، ونسبة بعضهم بعض ذلك إلى لسان الروم . لأن من نسب شيئا من ذلك إلى ما نسبه إليه ، لم ينف - بنسبته إياه إلى ما نسبه إليه - أن يكون عربيا ، ولا من قال منهم : هو عربي ، نفى ذلك أن يكون مستحقا النسبة إلى من هو من كلامه من سائر أجناس الأمم غيرها . وإنما يكون الإثبات دليلا على النفي ، فيما لا يجوز اجتماعه من المعاني ، كقول القائل : فلان قائم ، فيكون بذلك من قوله دالا على أنه غير قاعد ، ونحو ذلك مما يمتنع اجتماعه لتنافيهما . فأما ما جاز اجتماعه فهو خارج من هذا المعنى . وذلك كقول القائل فلان قائم مكلم فلانا ، فليس في تثبيت القيام له ما دل على نفي كلام آخر ،
[ ص: 17 ] لجواز اجتماع ذلك في حال واحد من شخص واحد . فقائل ذلك صادق إذا كان صاحبه على ما وصفه به .
فكذلك ما قلنا - في الأحرف التي ذكرنا وما أشبهها - غير مستحيل أن يكون عربيا بعضها أعجميا ، وحبشيا بعضها عربيا ، إذ كان موجودا استعمال ذلك في كلتا الأمتين . فناسب ما نسب من ذلك إلى إحدى الأمتين أو كلتيهما محق غير مبطل .
فإن ظن ذو غباء أن اجتماع ذلك في الكلام مستحيل - كما هو مستحيل في أنساب بني آدم - فقد ظن جهلا . وذلك أن أنساب بني آدم محصورة على أحد الطرفين دون الآخر ، لقول الله تعالى ذكره : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ) [ سورة الأحزاب : 5 ] . وليس ذلك كذلك في المنطق والبيان ، لأن المنطق إنما هو منسوب إلى من كان به معروفا استعماله . فلو عرف استعمال بعض الكلام في أجناس من الأمم - جنسين أو أكثر - بلفظ واحد ومعنى واحد ، كان ذلك منسوبا إلى كل جنس من تلك الأجناس ، لا يستحق جنس منها أن يكون به أولى من سائر الأجناس غيره . كما لو أن أرضا بين سهل وجبل ، لها هواء السهل وهواء الجبل ، أو بين بر وبحر ، لها هواء البر وهواء البحر - لم يمتنع ذو عقل صحيح أن يصفها بأنها سهلية جبلية . أو بأنها برية بحرية ، إذ لم تكن نسبتها إلى إحدى صفتيها نافية حقها من النسبة إلى الأخرى . ولو أفرد لها مفرد إحدى صفتيها ولم يسلبها صفتها الأخرى ، كان صادقا محقا .
وكذلك القول في الأحرف التي تقدم ذكرناها في أول هذا الباب .
وهذا المعنى الذي قلناه في ذلك ، هو معنى قول من قال : في القرآن من كل لسان - عندنا بمعنى ، والله أعلم : أن فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ
العرب ولفظ غيرها من الأمم التي تنطق به ، نظير ما وصفنا من القول فيما مضى .
[ ص: 18 ]
وذلك أنه غير جائز أن يتوهم على ذي فطرة صحيحة ، مقر بكتاب الله ، ممن قد قرأ القرآن وعرف حدود الله - أن يعتقد أن بعض القرآن فارسي لا عربي ، وبعضه نبطي لا عربي ، وبعضه رومي لا عربي ، وبعضه حبشي لا عربي ، بعدما أخبر الله تعالى ذكره عنه أنه جعله قرآنا عربيا . لأن ذلك إن كان كذلك ، فليس قول القائل : القرآن حبشي أو فارسي ، ولا نسبة من نسبه إلى بعض ألسن الأمم التي بعضه بلسانه دون
العرب - بأولى بالتطويل من قول القائل : هو عربي . ولا قول القائل : هو عربي بأولى بالصحة والصواب من
[ ص: 19 ] قول ناسبه إلى بعض الأجناس التي ذكرنا . إذ كان الذي بلسان غير
العرب من سائر ألسن أجناس الأمم فيه ، نظير الذي فيه من لسان
العرب .
وإذا كان ذلك كذلك ، فبين إذا خطأ من زعم أن القائل من السلف : في القرآن من كل لسان ، إنما عني بقيله ذلك ، أن فيه من البيان ما ليس بعربي ، ولا جائز نسبته إلى لسان
العرب .
ويقال لمن أبى ما قلنا - ممن زعم أن الأحرف التي قدمنا ذكرها في أول الباب وما أشبهها ، إنما هي كلام أجناس من الأمم سوى
العرب ، وقعت إلى
العرب فعربته - : ما برهانك على صحة ما قلت في ذلك ، من الوجه الذي يجب التسليم له ، فقد علمت من خالفك في ذلك ، فقال فيه خلاف قولك ؟ وما الفرق بينك وبين من عارضك في ذلك فقال : هذه الأحرف ، وما أشبهها من الأحرف غيرها ، أصلها عربي ، غير أنها وقعت إلى سائر أجناس الأمم غيرها فنطقت كل أمة منها ببعض ذلك بألسنتها - من الوجه الذي يجب التسليم له ؟
فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله .
فإن اعتل في ذلك بأقوال السلف التي قد ذكرنا بعضها وما أشبهها ، طولب
[ ص: 20 ] - مطالبتنا من تأول عليهم في ذلك تأويله - بالذي قد تقدم بيانه . وقيل له : ما أنكرت أن يكون من نسب شيئا من ذلك منهم إلى من نسبه من أجناس الأمم سوى
العرب ، إنما نسبه إلى إحدى نسبتيه التي هو لها مستحق ، من غير نفي منه عنه النسبة الأخرى ؟ ثم يقال له : أرأيت من قال لأرض سهلية جبلية : هي سهلية ، ولم ينكر أن تكون جبلية ، أو قال : هي جبلية ، ولم يدفع أن تكون سهلية ، أناف عنها أن تكون لها الصفة الأخرى بقيله ذلك ؟
فإن قال : نعم! كابر عقله . وإن قال : لا قيل له : فما أنكرت أن يكون قول من قال في سجيل : هي فارسية ، وفي القسطاس : هي رومية - نظير ذلك ؟ وسأل الفرق بين ذلك ، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله .
[ ص: 13 ] الْقَوْلُ فِي الْبَيَانِ عَنِ
nindex.php?page=treesubj&link=31781_20758_20760الْأَحْرُفِ الَّتِي اتَّفَقَتْ فِيهَا أَلْفَاظُ الْعَرَبِ وَأَلْفَاظُ غَيْرِهَا مِنْ بَعْضِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : إِنْ سَأَلَنَا سَائِلٌ فَقَالَ : إِنَّكَ ذَكَرْتَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُخَاطِبَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ إِلَّا بِمَا يَفْهَمُهُ ، وَأَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ رِسَالَةً إِلَّا بِاللِّسَانِ الَّذِي يَفْقَهُهُ . . . . .
1 - فَمَا أَنْتَ قَائِلٌ فِيمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16949مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15738حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَنْبَسَةُ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ
أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ
أَبِي مُوسَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=28يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) [ سُورَةُ الْحَدِيدِ : 28 ] ، قَالَ : الْكِفْلَانِ : ضِعْفَانِ مِنَ الْأَجْرِ ، بِلِسَانِ
الْحَبَشَةِ .
2 - وَفِيمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
حَكَّامٌ ، عَنْ
عَنْبَسَةَ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=6إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ ) [ سُورَةُ الْمُزَّمِّلِ : 6 ] قَالَ : بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنَ اللَّيْلِ قَالُوا : نَشَأَ .
3 - وَفِيمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثْنَا
حَكَّامٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَنْبَسَةُ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ
أَبِي مَيْسَرَةَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ ) قَالَ : سَبِّحِي ، بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ ؟
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَكُلُّ مَا قُلْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ "حَدَّثَكُمْ " فَقَدْ حَدَّثُونَا بِهِ .
[ ص: 14 ]
4 - وَفِيمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ
مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ الْأَزْدِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ
يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=51فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ) [ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ : 51 ] قَالَ : هُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ الْأَسَدُ ، وَبِالْفَارِسِيَّةِ شار ، وَبِالنَّبَطِيَّةِ أريا ، وَبِالْحَبَشِيَّةِ قَسْوَرَةٌ .
5 - وَفِيمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثْنَا
يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ ، عَنْ
جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : قَالَتْ
قُرَيْشٌ : لَوْلَا أُنْزِلَ هَذَا الْقُرْآنُ أَعْجَمِيًّا وَعَرَبِيًّا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ) [ سورة فصلت : 44 ] فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْقُرْآنِ بِكُلِّ لِسَانٍ فِيهِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=82حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ) [ سُورَةُ هُودٍ : 82 ، وَسُورَةُ الْحِجْرِ : 74 ] قَالَ : فَارِسِيَّةٌ أُعْرِبَتْ سنك وكل .
6 - وَفِيمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=15573مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيلُ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ
أَبِي مَيْسَرَةَ ، قَالَ : فِي الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ .
وَفِيمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْكِتَابُ ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهِ مِنْ غَيْرِ لِسَانِ
الْعَرَبِ ؟
قِيلَ لَهُ : إِنَّ الَّذِي قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ غَيْرُ خَارِجٍ مِنْ مَعْنَى مَا قُلْنَا - مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا : هَذِهِ الْأَحْرُفُ وَمَا أَشْبَهَهَا لَمْ تَكُنْ لِلْعَرَبِ كَلَامًا ، وَلَا كَانَ ذَاكَ
[ ص: 15 ] لَهَا مَنْطِقًا قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ ، وَلَا كَانَتْ بِهَا
الْعَرَبُ عَارِفَةً قَبْلَ مَجِيءِ الْفُرْقَانِ - فَيَكُونُ ذَلِكَ قَوْلًا لِقَوْلِنَا خِلَافًا . وَإِنَّمَا قَالَ بَعْضُهُمْ : حَرْفُ كَذَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ مَعْنَاهُ كَذَا ، وَحَرْفُ كَذَا بِلِسَانِ الْعَجَمِ مَعْنَاهُ كَذَا . وَلِمَ نَسْتَنْكِرُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْكَلَامِ مَا يَتَّفِقُ فِيهِ أَلْفَاظُ جَمِيعِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأَلْسُنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، فَكَيْفَ بِجِنْسَيْنِ مِنْهَا ؟ كَمَا وَجَدْنَا اتِّفَاقَ كَثِيرٍ مِنْهُ فِيمَا قَدْ عَلِمْنَاهُ مِنَ الْأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَةِ ، وَذَلِكَ كَالدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ وَالدَّوَاةِ وَالْقَلَمِ وَالْقِرْطَاسِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ - مِمَّا يُتْعِبُ إِحْصَاؤُهُ وَيُمِلُّ تَعْدَادُهُ ، كَرِهْنَا إِطَالَةَ الْكِتَابِ بِذِكْرِهِ - مِمَّا اتَّفَقَتْ فِيهِ الْفَارِسِيَّةُ وَالْعَرَبِيَّةُ بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى . وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَلْسُنِ الَّتِي نَجْهَلُ مَنْطِقَهَا وَلَا نَعْرِفُ كَلَامَهَا .
فَلَوْ أَنَّ قَائِلًا قَالَ - فِيمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي عَدَدْنَا وَأَخْبَرْنَا اتِّفَاقَهُ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِالْفَارِسِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا سَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِهِ - : ذَلِكَ كُلُّهُ فَارِسِيٌّ لَا عَرَبِيٌّ ، أَوْ ذَلِكَ كُلُّهُ عَرَبِيٌّ لَا فَارِسِيٌّ ، أَوْ قَالَ : بَعْضُهُ عَرَبِيٌّ وَبَعْضُهُ فَارِسِيٌّ ، أَوْ قَالَ : كَانَ مَخْرَجُ أَصْلِهِ مِنْ عِنْدِ
الْعَرَبِ فَوَقْعَ إِلَى الْعَجَمِ فَنَطَقُوا بِهِ ، أَوْ قَالَ : كَانَ مَخْرَجُ أَصْلِهِ مِنْ عِنْدِ
الْفُرْسِ فَوَقْعَ إِلَى
الْعَرَبِ فَأَعْرَبَتْهُ - كَانَ مُسْتَجْهِلًا ، لِأَنَّ
الْعَرَبَ لَيْسَتْ بِأَوْلَى أَنْ تَكُونَ كَانَ مَخْرَجُ أَصْلِ ذَلِكَ مِنْهَا إِلَى الْعَجَمِ ، وَلَا الْعَجَمُ أَحَقَّ أَنْ تَكُونَ كَانَ مَخْرَجُ أَصْلِ ذَلِكَ مِنْهَا إِلَى
الْعَرَبِ ، إِذْ كَانَ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَمَعْنًى وَاحِدٍ مَوْجُودًا فِي الْجِنْسَيْنِ .
وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الْجِنْسَيْنِ ، فَلَيْسَ أَحَدُ الْجِنْسَيْنِ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ أَصْلُ ذَلِكَ كَانَ مِنْ عِنْدِهِ مِنَ الْجِنْسِ الْآخَرِ . وَالْمُدَّعِي أَنَّ مَخْرَجَ أَصْلِ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ إِلَى الْآخَرِ ، مُدَّعٍ أَمْرًا لَا يُوصَلُ إِلَى حَقِيقَةِ صِحَّتِهِ إِلَّا بِخَبَرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ ، وَيُزِيلُ الشَّكَّ ، وَيَقْطَعُ الْعُذْرَ صِحَّتُهُ .
[ ص: 16 ]
بَلِ الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا : أَنْ يُسَمَّى : عَرَبِيًّا أَعْجَمِيًّا ، أَوْ حَبَشِيًّا عَرَبِيًّا ، إِذْ كَانَتِ الْأُمَّتَانِ لَهُ مُسْتَعْمِلَتَيْنِ - فِي بَيَانِهَا وَمَنْطِقِهَا - اسْتِعْمَالَ سَائِرِ مَنْطِقِهَا وَبَيَانِهَا . فَلَيْسَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ كُلِّ أُمَّةٍ مِنْهُمَا ، بِأَوْلَى أَنْ يَكُونَ إِلَيْهَا مَنْسُوبًا - مِنْهُ .
فَكَذَلِكَ سَبِيلُ كُلِّ كَلِمَةٍ وَاسْمٍ اتَّفَقَتْ أَلْفَاظُ أَجْنَاسِ أُمَمٍ فِيهَا وَفِي مَعْنَاهَا ، وَوُجِدَ ذَلِكَ مُسْتَعْمَلًا فِي كُلِّ جِنْسٍ مِنْهَا اسْتِعْمَالَ سَائِرِ مَنْطِقِهِمْ ، فَسَبِيلُ إِضَافَتِهِ إِلَى كُلِّ جِنْسٍ مِنْهَا ، سَبِيلُ مَا وَصَفْنَا - مِنَ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ وَالدَّوَاةِ وَالْقَلَمِ ، الَّتِي اتَّفَقَتْ أَلْسُنُ
الْفُرْسِ وَالْعَرَبِ فِيهَا بِالْأَلْفَاظِ الْوَاحِدَةِ وَالْمَعْنَى الْوَاحِدِ ، فِي أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ إِضَافَتُهُ إِلَى كُلِّ جِنْسٍ مِنْ تِلْكَ الْأَجْنَاسِ - اجْتِمَاعٌ وَاقْتِرَانٌ .
وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى مَنْ رُوِّينَا عَنْهُ الْقَوْلَ فِي الْأَحْرُفِ الَّتِي مَضَتْ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ ، مِنْ نِسْبَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى لِسَانِ الْحَبَشَةِ ، وَنِسْبَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى لِسَانِ
الْفُرْسِ ، وَنِسْبَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى لِسَانِ الرُّومِ . لِأَنَّ مِنْ نَسَبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَى مَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ ، لَمْ يَنْفِ - بِنِسْبَتِهِ إِيَّاهُ إِلَى مَا نَسَبَهُ إِلَيْهِ - أَنْ يَكُونَ عَرَبِيًّا ، وَلَا مَنْ قَالَ مِنْهُمْ : هُوَ عَرَبِيٌّ ، نَفَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا النِّسْبَةَ إِلَى مَنْ هُوَ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ سَائِرِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ غَيْرِهَا . وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِثْبَاتُ دَلِيلًا عَلَى النَّفْيِ ، فِيمَا لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُ مِنَ الْمَعَانِي ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ : فُلَانٌ قَائِمٌ ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ دَالًّا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ قَاعِدٍ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُ لِتَنَافِيهِمَا . فَأَمَّا مَا جَازَ اجْتِمَاعُهُ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى . وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ فُلَانٌ قَائِمٌ مُكَلِّمٌ فُلَانًا ، فَلَيْسَ فِي تَثْبِيتِ الْقِيَامِ لَهُ مَا دَلَّ عَلَى نَفْيِ كَلَامٍ آخَرَ ،
[ ص: 17 ] لِجَوَازِ اجْتِمَاعِ ذَلِكَ فِي حَالٍ وَاحِدٍ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ . فَقَائِلُ ذَلِكَ صَادِقٌ إِذَا كَانَ صَاحِبُهُ عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ .
فَكَذَلِكَ مَا قُلْنَا - فِي الْأَحْرُفِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَمَا أَشْبَهَهَا - غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ أَنْ يَكُونَ عَرَبِيًّا بَعْضُهَا أَعْجَمِيًّا ، وَحَبَشِيًّا بَعْضُهَا عَرَبِيًّا ، إِذْ كَانَ مَوْجُودًا اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ فِي كِلْتَا الْأُمَّتَيْنِ . فَنَاسِبُ مَا نَسَبَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى إِحْدَى الْأُمَّتَيْنِ أَوْ كِلْتَيْهِمَا مُحِقٌّ غَيْرُ مُبْطِلٍ .
فَإِنَّ ظَنَّ ذُو غَبَاءٍ أَنَّ اجْتِمَاعَ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ مُسْتَحِيلٌ - كَمَا هُوَ مُسْتَحِيلٌ فِي أَنْسَابِ بَنِي آدَمَ - فَقَدْ ظَنَّ جَهْلًا . وَذَلِكَ أَنَّ أَنْسَابَ بَنِي آدَمَ مَحْصُورَةٌ عَلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ) [ سُورَةُ الْأَحْزَابِ : 5 ] . وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْمَنْطِقِ وَالْبَيَانِ ، لِأَنَّ الْمَنْطِقَ إِنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى مَنْ كَانَ بِهِ مَعْرُوفًا اسْتِعْمَالُهُ . فَلَوْ عُرِفَ اسْتِعْمَالُ بَعْضِ الْكَلَامِ فِي أَجْنَاسٍ مِنَ الْأُمَمِ - جِنْسَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ - بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَمَعْنًى وَاحِدٍ ، كَانَ ذَلِكَ مَنْسُوبًا إِلَى كُلِّ جِنْسٍ مِنْ تِلْكَ الْأَجْنَاسِ ، لَا يَسْتَحِقُّ جِنْسٌ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ بِهِ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ الْأَجْنَاسِ غَيْرِهِ . كَمَا لَوْ أَنَّ أَرْضًا بَيْنَ سَهْلٍ وَجَبَلٍ ، لَهَا هَوَاءُ السَّهْلِ وَهَوَاءُ الْجَبَلِ ، أَوْ بَيْنَ بَرٍّ وَبَحْرٍ ، لَهَا هَوَاءُ الْبَرِّ وَهَوَاءُ الْبَحْرِ - لَمْ يَمْتَنِعْ ذُو عَقْلٍ صَحِيحٍ أَنْ يَصِفَهَا بِأَنَّهَا سُهْلِيَّةٌ جَبَلِيَّةٌ . أَوْ بِأَنَّهَا بَرِّيَّةٌ بِحْرِيَّةٌ ، إِذْ لَمْ تَكُنْ نِسْبَتُهَا إِلَى إِحْدَى صِفَتَيْهَا نَافِيَةً حَقَّهَا مِنَ النِّسْبَةِ إِلَى الْأُخْرَى . وَلَوْ أَفْرَدَ لَهَا مُفْرِدٌ إِحْدَى صِفَتَيْهَا وَلَمْ يَسْلُبْهَا صِفَتَهَا الْأُخْرَى ، كَانَ صَادِقًا مُحِقًّا .
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْأَحْرُفِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُنَاهَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ .
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ ، هُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : فِي الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ - عِنْدَنَا بِمَعْنَى ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ : أَنَّ فِيهِ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ اتَّفَقَ فِيهِ لَفْظُ
الْعَرَبِ وَلَفْظُ غَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي تَنْطِقُ بِهِ ، نَظِيرَ مَا وَصَفْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِيمَا مَضَى .
[ ص: 18 ]
وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُتَوَهَّمَ عَلَى ذِي فِطْرَةٍ صَحِيحَةٍ ، مُقِرٍّ بِكِتَابِ اللَّهِ ، مِمَّنْ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَرَفَ حُدُودَ اللَّهِ - أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ فَارِسِيٌّ لَا عَرَبِيٌّ ، وَبَعْضَهُ نَبَطِيٌّ لَا عَرَبِيٌّ ، وَبَعْضَهُ رُومِيٌّ لَا عَرَبِيٌّ ، وَبَعْضَهُ حَبَشِيٌّ لَا عَرَبِيٌّ ، بَعْدَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا . لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ ، فَلَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ : الْقُرْآنُ حَبَشِيٌّ أَوْ فَارِسِيٌّ ، وَلَا نِسْبَةُ مَنْ نَسَبَهُ إِلَى بَعْضِ أَلْسُنِ الْأُمَمِ الَّتِي بَعْضُهُ بِلِسَانِهِ دُونَ
الْعَرَبِ - بِأَوْلَى بِالتَّطْوِيلِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ : هُوَ عَرَبِيٌّ . وَلَا قَوْلُ الْقَائِلِ : هُوَ عَرَبِيٌّ بِأَوْلَى بِالصِّحَّةِ وَالصَّوَابِ مِنْ
[ ص: 19 ] قَوْلِ نَاسِبِهِ إِلَى بَعْضِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي ذَكَرْنَا . إِذْ كَانَ الَّذِي بِلِسَانِ غَيْرِ
الْعَرَبِ مِنْ سَائِرِ أَلْسُنِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ فِيهِ ، نَظِيرَ الَّذِي فِيهِ مِنْ لِسَانِ
الْعَرَبِ .
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، فَبَيِّنٌ إِذًا خَطَأُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقَائِلَ مِنَ السَّلَفِ : فِي الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ ، إِنَّمَا عُنِيَ بِقِيلِهِ ذَلِكَ ، أَنَّ فِيهِ مِنَ الْبَيَانِ مَا لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ ، وَلَا جَائِزٍ نَسْبَتُهُ إِلَى لِسَانِ
الْعَرَبِ .
وَيُقَالُ لِمَنْ أَبَى مَا قُلْنَا - مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّ الْأَحْرُفَ الَّتِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَمَا أَشْبَهَهَا ، إِنَّمَا هِيَ كَلَامُ أَجْنَاسٍ مِنَ الْأُمَمِ سِوَى
الْعَرَبِ ، وَقَعَتْ إِلَى
الْعَرَبِ فَعَرَّبَتْهُ - : مَا بُرْهَانُكَ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْتَ فِي ذَلِكَ ، مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ ، فَقَدْ عَلِمْتَ مَنْ خَالَفَكَ فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ فِيهِ خِلَافَ قَوْلِكَ ؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَنْ عَارَضَكَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : هَذِهِ الْأَحْرُفُ ، وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ الْأَحْرُفِ غَيْرِهَا ، أَصْلُهَا عَرَبِيٌّ ، غَيْرَ أَنَّهَا وَقَعَتْ إِلَى سَائِرِ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ غَيْرِهَا فَنَطَقَتْ كُلُّ أُمَّةٍ مِنْهَا بِبَعْضِ ذَلِكَ بِأَلْسِنَتِهَا - مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ ؟
فَلَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلُهُ .
فَإِنِ اعْتَلَّ فِي ذَلِكَ بِأَقْوَالِ السَّلَفِ الَّتِي قَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا وَمَا أَشْبَهَهَا ، طُولِبَ
[ ص: 20 ] - مُطَالَبَتَنَا مَنْ تَأَوَّلَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلَهُ - بِالَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ . وَقِيلَ لَهُ : مَا أَنْكَرْتَ أَنْ يَكُونَ مَنْ نَسَبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ إِلَى مَنْ نَسَبَهُ مِنْ أَجْنَاسِ الْأُمَمِ سِوَى
الْعَرَبِ ، إِنَّمَا نَسَبَهُ إِلَى إِحْدَى نِسْبَتَيْهِ الَّتِي هُوَ لَهَا مُسْتَحِقٌّ ، مِنْ غَيْرِ نَفْيٍ مِنْهُ عَنْهُ النِّسْبَةَ الْأُخْرَى ؟ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ : أَرَأَيْتَ مَنْ قَالَ لِأَرْضٍ سُهْلِيَّةٍ جَبَلِيَّةٍ : هِيَ سُهْلِيَّةٌ ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَنْ تَكُونَ جَبَلِيَّةً ، أَوْ قَالَ : هِيَ جَبَلِيَّةٌ ، وَلَمْ يَدْفَعْ أَنْ تَكُونَ سُهْلِيَّةً ، أَنَافٍ عَنْهَا أَنْ تَكُونَ لَهَا الصِّفَةُ الْأُخْرَى بِقِيلِهِ ذَلِكَ ؟
فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ! كَابَرَ عَقْلَهُ . وَإِنْ قَالَ : لَا قِيلَ لَهُ : فَمَا أَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي سِجِّيلٍ : هِيَ فَارِسِيَّةٌ ، وَفِي الْقِسْطَاسِ : هِيَ رُومِيَّةٌ - نَظِيرَ ذَلِكَ ؟ وَسَأَلَ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ ، فَلَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِهِمَا قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمَ فِي الْآخَرِ مِثْلُهُ .