[ ص: 86 ] [ ص: 87 ] تفسير سورة هل أتى على إلانسان
بسم الله الرحمن الرحيم
القول في
nindex.php?page=treesubj&link=29047_32405_31808_29485تأويل قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ( 2 ) ) .
يعني جل ثناؤه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى على الإنسان ) قد أتى على الإنسان ، وهل في هذا الموضع خبر لا جحد ، وذلك كقول القائل لآخر يقرره : هل أكرمتك ؟ وقد أكرمه; أو هل زرتك ؟ وقد زاره ، وقد تكون جحدا في غير هذا الموضع ، وذلك كقول القائل لآخر : هل يفعل مثل هذا أحد ؟ بمعنى : أنه لا يفعل ذلك أحد . والإنسان الذي قال جل ثناؤه في هذا الموضع : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى على الإنسان حين من الدهر ) : هو
آدم صلى الله عليه وسلم كذلك .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى على الإنسان )
آدم أتى عليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) إنما خلق الإنسان هاهنا حديثا ، ما يعلم من خليقة الله كانت بعد الإنسان .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) قال : كان
آدم صلى الله عليه وسلم آخر ما خلق من الخلق .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى على الإنسان حين من الدهر ) قال :
آدم .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1حين من الدهر ) اختلف أهل التأويل في قدر هذا الحين الذي ذكره الله في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هو أربعون سنة ، وقالوا : مكثت طينة
آدم مصورة لا تنفخ
[ ص: 88 ] فيها الروح أربعين عاما ، فذلك قدر الحين الذي ذكره الله في هذا الموضع ، قالوا : ولذلك قيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) لأنه أتى عليه وهو جسم مصور لم تنفخ فيه الروح أربعون عاما ، فكان شيئا ، غير أنه لم يكن شيئا مذكورا ، قالوا : ومعنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1لم يكن شيئا مذكورا ) لم يكن شيئا له نباهة ولا رفعة ، ولا شرف ، إنما كان طينا لازبا وحمأ مسنونا .
وقال آخرون : لا حد للحين في هذا الموضع; وقد يدخل هذا القول من أن الله أخبر أنه أتى على الإنسان حين من الدهر ، وغير مفهوم في الكلام أن يقال : أتى على الإنسان حين قبل أن يوجد ، وقبل أن يكون شيئا ، واذا أريد ذلك قيل : أتى حين قبل أن يخلق ، ولم يقل أتى عليه . وأما الدهر في هذا الموضع ، فلا حد له يوقف عليه .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ) يقول تعالى ذكره : إنا خلقنا ذرية
آدم من نطفة ، يعني : من ماء الرجل وماء المرأة ، والنطفة : كل ماء قليل في وعاء كان ذلك ركية أو قربة ، أو غير ذلك ، كما قال
عبد الله بن رواحة :
هل أنت إلا نطفة في شنه
وقوله : ( أمشاج ) يعني : أخلاط ، واحدها : مشج ومشيج ، مثل خدن وخدين; ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=15876رؤبة بن العجاج :
يطرحن كل معجل نشاج لم يكس جلدا في دم أمشاج
[ ص: 89 ]
يقال منه : مشجت هذا بهذا : إذا خلطته به ، وهو ممشوج به ومشيج : أي مخلوط به ، كما قال
أبو ذؤيب :
كأن الريش والفوقين منه خلال النصل سيط به مشيج
واختلف أهل التأويل في معنى الأمشاج الذي عني بها في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب nindex.php?page=showalam&ids=14381وأبو هشام الرفاعي قالا ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
ابن الأصبهاني ، عن
عكرمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2أمشاج نبتليه ) قال : ماء الرجل وماء المرأة يمشج أحدهما بالآخر .
حدثنا
أبو هشام ، قال : ثنا
ابن يمان ، عن
سفيان ، عن
ابن الأصبهاني ، عن
عكرمة قال : ماء الرجل وماء المرأة يختلطان .
قال : ثنا
أبو أسامة ، قال : ثنا
زكريا ، عن
عطية ، عن
ابن عباس ، قال : ماء المرأة وماء الرجل يمشجان .
قال : ثنا
عبيد الله ، قال : أخبرنا
إسرائيل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عمن حدثه ، عن
ابن عباس ، قال : ماء المرأة وماء الرجل يختلطان .
قال : ثنا
عبد الله ، قال : أخبرنا
أبو جعفر ، عن
الربيع بن أنس ، قال : إذا اجتمع ماء الرجل وماء المرأة فهو أمشاج .
قال : ثنا
أبو أسامة ، قال : ثنا
المبارك ، عن
الحسن ، قال : مشج ماء المرأة مع ماء الرجل .
[ ص: 90 ]
قال : ثنا
عبيد الله ، قال : أخبرنا
عثمان بن الأسود ، عن
مجاهد ، قال : خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة ، وقد قال الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ) .
قال : ثنا
عبيد الله ، قال : أخبرنا
إسرائيل ، عن
أبي يحيى ، عن
مجاهد ، قال : خلق من تارات ماء الرجل وماء المرأة .
وقال آخرون : إنما عني بذلك : إنا خلقنا الإنسان من نطفة ألوان ينتقل إليها ، يكون نطفة ، ثم يصير علقة ، ثم مضغة ، ثم عظما ، ثم كسي لحما .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه ) الأمشاج : خلق من ألوان ، خلق من تراب ، ثم من ماء الفرج والرحم ، وهي النطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظما ، ثم أنشأه خلقا آخر فهو ذلك .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى ، قال : ثنا
محمد بن جعفر ، قال : ثنا
شعبة ، عن
سماك ، عن
عكرمة ، في هذه الآية ( أمشاج ) قال : نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم عظما .
حدثنا
الرفاعي ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17282وهب بن جرير ويعقوب الحضرمي ، عن
شعبة ، عن
سماك ، عن
عكرمة ، قال : نطفة ، ثم علقة .
حدثنا
بشر ، قال : ثنا
يزيد ، قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ) أطوار الخلق ، طورا نطفة ، وطورا علقة ، وطورا مضغة ، وطورا عظاما ، ثم كسى الله العظام لحما ، ثم أنشأه خلقا آخر ، أنبت له الشعر .
حدثنا
ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا
ابن ثور ، عن
معمر ، عن
قتادة ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2أمشاج نبتليه ) قال : الأمشاج : اختلط الماء والدم ، ثم كان علقة ، ثم كان مضغة .
وقال آخرون : عني بذلك اختلاف ألوان النطفة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
علي قال : ثنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2أمشاج نبتليه ) يقول : مختلفة الألوان .
حدثنا
أبو هشام ، قال : ثنا
يحيى بن يمان ، قال : ثنا
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قال : ألوان النطفة .
[ ص: 91 ]
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن ، قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قال : أي الماءين سبق أشبه عليه أعمامه وأخواله .
قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2أمشاج نبتليه ) قال : ألوان النطفة; نطفة الرجل بيضاء وحمراء ، ونطفة المرأة حمراء وخضراء .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، مثله .
وقال آخرون : بل هي العروق التي تكون في النطفة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
أبو كريب وأبو هشام ، قالا ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، قال : ثنا
المسعودي ، عن
عبد الله بن المخارق ، عن أبيه ، عن
عبد الله ، قال : أمشاجها : عروقها .
حدثنا
أبو هشام ، قال : ثنا
يحيى بن يمان ، قال : ثنا
أسامة بن زيد ، عن أبيه ، قال : هي العروق التي تكون في النطفة .
وأشبه هذه الأقوال بالصواب قول من قال : معنى ذلك (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2من نطفة أمشاج ) نطفة الرجل ونطفة المرأة ، لأن الله وصف النطفة بأنها أمشاج ، وهي إذا انتقلت فصارت علقة ، فقد استحالت عن معنى النطفة فكيف تكون نطفة أمشاجا وهي علقة ؟ وأما الذين قالوا : إن نطفة الرجل بيضاء وحمراء ، فإن المعروف من نطفة الرجل أنها سحراء على لون واحد ، وهي بيضاء تضرب إلى الحمرة ، وإذا كانت لونا واحدا لم تكن ألوانا مختلفة ، وأحسب أن الذين قالوا : هي العروق التي في النطفة قصدوا هذا المعنى .
وقد حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق ، عن
عطاء بن أبي رباح ، عن
ابن عباس ، قال : إنما خلق الإنسان من الشيء القليل من النطفة . ألا ترى أن الولد إذا أسكت ترى له مثل الرير ؟ وإنما خلق ابن آدم من مثل ذلك من النطفة أمشاج نبتليه .
وقوله : ( نبتليه ) نختبره . وكان بعض أهل العربية يقول : المعنى : جعلناه سميعا بصيرا لنبتليه ، فهي مقدمة معناها التأخير ، إنما المعنى خلقناه وجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه ، ولا وجه عندي لما قال يصح ، وذلك أن الابتلاء إنما هو بصحة الآلات وسلامة العقل من الآفات ، وإن عدم السمع والبصر ، وأما إخباره إيانا أنه جعل لنا أسماعا وأبصارا
[ ص: 92 ] في هذه الآية ، فتذكير منه لنا بنعمه ، وتنبيه على موضع الشكر; فأما الابتلاء فبالخلق مع صحة الفطرة ، وسلامة العقل من الآفة ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2فجعلناه سميعا بصيرا ) يقول تعالى ذكره : فجعلناه ذا سمع يسمع به ، وذا بصر يبصر به ، إنعاما من الله على عباده بذلك ، ورأفة منه لهم ، وحجة له عليهم .
[ ص: 86 ] [ ص: 87 ] تَفْسِيرُ سُورَةِ هَلْ أَتَى عَلَى إِلَّانْسَانِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29047_32405_31808_29485تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ( 1 )
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ( 2 ) ) .
يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ) قَدْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ، وَهَلْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَبَرٌ لَا جَحْدٌ ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِآخَرَ يُقَرِّرُهُ : هَلْ أَكْرَمْتُكَ ؟ وَقَدْ أَكْرَمَهُ; أَوْ هَلْ زُرْتُكَ ؟ وَقَدْ زَارَهُ ، وَقَدْ تَكُونُ جَحْدًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِآخَرَ : هَلْ يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا أَحَدٌ ؟ بِمَعْنَى : أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدٌ . وَالْإِنْسَانُ الَّذِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) : هُوَ
آدَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ .
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ )
آدَمَ أَتَى عَلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ) إِنَّمَا خَلْقُ الْإِنْسَانِ هَاهُنَا حَدِيثًا ، مَا يُعْلَمُ مِنْ خَلِيقَةِ اللَّهِ كَانَتْ بَعْدَ الْإِنْسَانِ .
حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ) قَالَ : كَانَ
آدَمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَرَ مَا خُلِقَ مِنَ الْخَلْقِ .
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
مَهْرَانُ ، عَنْ
سُفْيَانَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) قَالَ :
آدَمُ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ) اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَدْرِ هَذَا الْحِينِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ أَرْبَعُونَ سَنَةً ، وَقَالُوا : مَكَثَتْ طِينَةُ
آدَمَ مُصَوَّرَةً لَا تُنْفَخُ
[ ص: 88 ] فِيهَا الرُّوحُ أَرْبَعِينَ عَامًا ، فَذَلِكَ قَدْرُ الْحِينِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، قَالُوا : وَلِذَلِكَ قِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ) لِأَنَّهُ أَتَى عَلَيْهِ وَهُوَ جِسْمٌ مُصَوَّرٌ لَمْ تُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ أَرْبَعُونَ عَامًا ، فَكَانَ شَيْئًا ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ، قَالُوا : وَمَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=1لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ) لَمْ يَكُنْ شَيْئًا لَهُ نَبَاهَةٌ وَلَا رِفْعَةٌ ، وَلَا شَرَفٌ ، إِنَّمَا كَانَ طِينًا لَازِبًا وَحَمَأً مَسْنُونًا .
وَقَالَ آخَرُونَ : لَا حَدَّ لِلْحِينِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ; وَقَدْ يَدْخُلُ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ ، وَغَيْرُ مَفْهُومٍ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ : أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ ، وَقَبْلَ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا ، وَاذَا أُرِيدَ ذَلِكَ قِيلَ : أَتَى حِينٌ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ ، وَلَمْ يُقَلْ أَتَى عَلَيْهِ . وَأَمَّا الدَّهْرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، فَلَا حَدَّ لَهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِنَّا خَلَقَنَا ذَرِّيَّةَ
آدَمَ مِنْ نُطْفَةٍ ، يَعْنِي : مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ ، وَالنُّطْفَةُ : كُلُّ مَاءٍ قَلِيلٍ فِي وِعَاءٍ كَانَ ذَلِكَ رِكْيَةً أَوْ قِرْبَةً ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، كَمَا قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ :
هَلْ أَنْتِ إِلَّا نُطْفَةٌ فِي شَنَّهْ
وَقَوْلُهُ : ( أَمْشَاجٍ ) يَعْنِي : أَخْلَاطٍ ، وَاحِدُهَا : مِشْجٌ وَمَشِيجٌ ، مِثْلَ خِدْنٍ وَخَدِينٍ; وَمِنْهُ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15876رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ :
يَطْرَحْنَ كُلَّ مُعْجَّلٍ نَشَّاجِ لَمْ يُكْسَ جِلْدًا فِي دَمٍ أمْشَاجِ
[ ص: 89 ]
يُقَالُ مِنْهُ : مَشَجْتُ هَذَا بِهَذَا : إِذَا خَلَطْتُهُ بِهِ ، وَهُوَ مَمْشُوجٌ بِهِ وَمَشِيجٌ : أَيْ مَخْلُوطٌ بِهِ ، كَمَا قَالَ
أَبُو ذُؤَيْبٍ :
كَأَنَّ الرِّيشَ والْفُوقَيْنِ مِنْهُ خِلَالَ النَّصْلِ سِيطَ بِهِ مَشِيجُ
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْأَمْشَاجِ الَّذِي عُنِيَ بِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ اخْتِلَاطُ مَاءِ الرَّجُلِ بِمَاءِ الْمَرْأَةِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ nindex.php?page=showalam&ids=14381وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَا ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ ) قَالَ : مَاءُ الرَّجُلِ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ يُمْشَجُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ .
حَدَّثَنَا
أَبُو هِشَامٍ ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ يَمَانٍ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنِ
ابْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ قَالَ : مَاءُ الرَّجُلِ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ يَخْتَلِطَانِ .
قَالَ : ثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : ثَنَا
زَكَرِيَّا ، عَنْ
عَطِيَّةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ يُمْشَجَانِ .
قَالَ : ثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
إِسْرَائِيلُ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ يَخْتَلِطَانِ .
قَالَ : ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
أَبُو جَعْفَرٍ ، عَنِ
الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، قَالَ : إِذَا اجْتَمَعَ مَاءُ الرَّجُلِ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ أَمْشَاجٌ .
قَالَ : ثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ ، قَالَ : ثَنَا
الْمُبَارَكُ ، عَنِ
الْحَسَنِ ، قَالَ : مُشِجَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَعَ مَاءِ الرَّجُلِ .
[ ص: 90 ]
قَالَ : ثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، قَالَ : خَلَقَ اللَّهُ الْوَلَدَ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ) .
قَالَ : ثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
إِسْرَائِيلُ ، عَنْ
أَبِي يَحْيَى ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، قَالَ : خُلِقَ مِنْ تَارَاتِ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ : إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَلْوَانٍ يَنْتَقِلُ إِلَيْهَا ، يَكُونُ نُطْفَةً ، ثُمَّ يَصِيرُ عَلَقَةً ، ثُمَّ مُضْغَةً ، ثُمَّ عَظْمًا ، ثُمَّ كُسِيَ لَحْمًا .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، قَالَ : ثَنِي عَمِّي ، قَالَ : ثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ ) الْأَمْشَاجُ : خُلِقَ مِنْ أَلْوَانٍ ، خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ مِنْ مَاءِ الْفَرْجِ وَالرَّحِمِ ، وَهِيَ النُّطْفَةُ ، ثُمَّ عَلَقَةً ، ثُمَّ مُضْغَةً ، ثُمَّ عَظْمًا ، ثُمَّ أَنْشَأَهُ خَلْقًا آخَرَ فَهُوَ ذَلِكَ .
حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابْنُ الْمُثَنَّى ، قَالَ : ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، قَالَ : ثَنَا
شُعْبَةُ ، عَنْ
سِمَاكٍ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ ( أَمْشَاجٍ ) قَالَ : نُطْفَةً ، ثُمَّ عَلَقَةً ، ثُمَّ مُضْغَةً ، ثُمَّ عَظْمًا .
حَدَّثَنَا
الرِّفَاعِيُّ ، قَالَ : ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17282وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَيَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ ، عَنْ
شُعْبَةَ ، عَنْ
سِمَاكٍ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ ، قَالَ : نُطْفَةٌ ، ثُمَّ عَلَقَةٌ .
حَدَّثَنَا
بِشْرٌ ، قَالَ : ثَنَا
يَزِيدُ ، قَالَ : ثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ) أَطْوَارُ الْخَلْقِ ، طَوْرًا نُطْفَةً ، وَطَوْرًا عَلَقَةً ، وَطَوْرًا مُضْغَةً ، وَطَوْرًا عِظَامًا ، ثُمَّ كَسَى اللَّهُ الْعِظَامَ لَحْمًا ، ثُمَّ أَنْشَأَهُ خَلْقًا آخَرَ ، أَنْبَتَ لَهُ الشَّعْرَ .
حَدَّثَنَا
ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ
مَعْمَرٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ ) قَالَ : الْأَمْشَاجُ : اخْتَلَطَ الْمَاءُ وَالدَّمُ ، ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً ، ثُمَّ كَانَ مُضْغَةً .
وَقَالَ آخَرُونَ : عُنِيَ بِذَلِكَ اخْتِلَافُ أَلْوَانِ النُّطْفَةِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنِي
عَلِيٌّ قَالَ : ثَنَا
أَبُو صَالِحٍ ، قَالَ : ثَنِي
مُعَاوِيَةُ ، عَنْ
عَلِيٍّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ ) يَقُولُ : مُخْتَلِفَةُ الْأَلْوَانِ .
حَدَّثَنَا
أَبُو هِشَامٍ ، قَالَ : ثَنَا
يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ ، قَالَ : ثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، قَالَ : أَلْوَانُ النُّطْفَةِ .
[ ص: 91 ]
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا
عِيسَى ، وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحَسَنُ ، قَالَ : ثَنَا
وَرْقَاءُ ، جَمِيعًا عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، قَالَ : أَيُّ الْمَاءَيْنِ سَبَقَ أَشْبَهَ عَلَيْهِ أَعْمَامَهُ وَأَخْوَالَهُ .
قَالَ : ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ ) قَالَ : أَلْوَانُ النُّطْفَةِ; نُطْفَةُ الرَّجُلِ بَيْضَاءُ وَحَمْرَاءُ ، وَنُطْفَةُ الْمَرْأَةِ حَمْرَاءُ وَخَضْرَاءُ .
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
مَهْرَانُ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، مِثْلَهُ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ هِيَ الْعُرُوقُ الَّتِي تَكُونُ فِي النُّطْفَةِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو هِشَامٍ ، قَالَا ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، قَالَ : ثَنَا
الْمَسْعُودِيُّ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخَارِقِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : أَمْشَاجُهَا : عُرُوقُهَا .
حَدَّثَنَا
أَبُو هِشَامٍ ، قَالَ : ثَنَا
يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ ، قَالَ : ثَنَا
أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : هِيَ الْعُرُوقُ الَّتِي تَكُونُ فِي النُّطْفَةِ .
وَأَشْبَهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : مَعْنَى ذَلِكَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ ) نُطْفَةُ الرَّجُلِ وَنُطْفَةُ الْمَرْأَةِ ، لِأَنَّ اللَّهَ وَصَفَ النُّطْفَةَ بِأَنَّهَا أَمْشَاجٌ ، وَهِيَ إِذَا انْتَقَلَتْ فَصَارَتْ عَلَقَةً ، فَقَدِ اسْتَحَالَتْ عَنْ مَعْنَى النُّطْفَةِ فَكَيْفَ تَكُونُ نُطْفَةً أَمْشَاجًا وَهِيَ عَلَقَةٌ ؟ وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ نُطْفَةَ الرَّجُلِ بَيْضَاءُ وَحَمْرَاءُ ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ أَنَّهَا سَحْرَاءُ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ ، وَهِيَ بَيْضَاءُ تَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ ، وَإِذَا كَانَتْ لَوْنًا وَاحِدًا لَمْ تَكُنْ أَلْوَانًا مُخْتَلِفَةً ، وَأَحْسَبُ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا : هِيَ الْعُرُوقُ الَّتِي فِي النُّطْفَةِ قَصَدُوا هَذَا الْمَعْنَى .
وَقَدْ حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
سَلَمَةُ ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ
عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : إِنَّمَا خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنَ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ مِنَ النُّطْفَةِ . أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ إِذَا أُسْكِتَ تَرَى لَهُ مِثْلَ الرَّيْرِ ؟ وَإِنَّمَا خُلِقَ ابْنُ آدَمَ مِنْ مَثَلِ ذَلِكَ مِنَ النُّطْفَةِ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ .
وَقَوْلُهُ : ( نَبْتَلِيهِ ) نَخْتَبِرُهُ . وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ : الْمَعْنَى : جَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا لِنَبْتَلِيَهُ ، فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ مَعْنَاهَا التَّأْخِيرُ ، إِنَّمَا الْمَعْنَى خَلَقْنَاهُ وَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا لِنَبْتَلِيَهُ ، وَلَا وَجْهَ عِنْدِي لِمَا قَالَ يَصِحُّ ، وَذَلِكَ أَنَّ الِابْتِلَاءَ إِنَّمَا هُوَ بِصِحَّةِ الْآلَاتِ وَسَلَامَةِ الْعَقْلِ مِنَ الْآفَاتِ ، وَإِنْ عُدِمَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ ، وَأَمَّا إِخْبَارُهُ إِيَّانَا أَنَّهُ جَعَلَ لَنَا أَسْمَاعًا وَأَبْصَارًا
[ ص: 92 ] فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، فَتَذْكِيرٌ مِنْهُ لَنَا بِنِعَمِهِ ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَوْضِعِ الشُّكْرِ; فَأَمَّا الِابْتِلَاءُ فَبِالْخَلْقِ مَعَ صِحَّةِ الْفِطْرَةِ ، وَسَلَامَةِ الْعَقْلِ مِنَ الْآفَةِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : فَجَعَلْنَاهُ ذَا سَمْعٍ يَسْمَعُ بِهِ ، وَذَا بَصَرٍ يُبَصِرُ بِهِ ، إِنْعَامًا مِنَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ بِذَلِكَ ، وَرَأْفَةً مِنْهُ لَهُمْ ، وَحُجَّةً لَهُ عَلَيْهِمْ .