اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) فقال بعضهم : عني به : إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا العمل به .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا عن ابن علية ، أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) قال : العمل به ، قال : إن الرجل ليهذ السورة ، ولكن العمل به ثقيل .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) ثقيل والله فرائضه وحدوده .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله : ( ثقيلا ) قال : ثقيل والله فرائضه وحدوده .
وقال آخرون : بل عني بذلك أن القول عينه ثقيل محمله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عن أبيه " هشام بن عروة ، " . [ ص: 682 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها ، فما تستطيع أن تتحرك حتى يسرى عنه
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) قال : هو والله ثقيل مبارك ، القرآن ، كما ثقل في الدنيا ثقل في الموازين يوم القيامة .
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال : إن الله وصفه بأنه قول ثقيل ، فهو كما وصفه به ، ثقيل محمله ، ثقيل العمل بحدوده وفرائضه .
وقوله : ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا ) يعني جل وعز بقوله : ( إن ناشئة الليل ) : إن ساعات الليل ، وكل ساعة من ساعات الليل ناشئة من الليل .
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا قال : أخبرنا ابن علية ، حاتم بن أبي صغيرة ، قال : قلت لعبد الله بن أبي مليكة : ألا تحدثني أي الليل ناشئة ؟ قال : على الثبت سقطت ، سألت عنها ابن عباس ، فزعم أن الليل كله ناشئة ، وسألت عنها ابن الزبير ، فأخبرني مثل ذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، قال : ثنا عنبسة ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( إن ناشئة الليل ) قال : بلسان الحبشة ، إذا قام الرجل من الليل ، قالوا : نشأ .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( إن ناشئة الليل ) نشأ : قام .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا إسرائيل ، عن أبي ميسرة ( إن ناشئة الليل ) قال : نشأ : قام .
قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، قال : إذا قام الرجل من الليل ، فهو ناشئة الليل .
حدثنا قال : ثنا هناد بن السري ، أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : هو الليل كله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( إن ناشئة الليل ) قال : إذا قمت الليل فهو ناشئة .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : كل شيء بعد العشاء [ ص: 683 ] فهو ناشئة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : قيام الليل; قال : وأي ساعة من الليل قام فقد نشأ .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : أي الليل قمت فهو ناشئة .
قال : ثنا مهران ، عن خارجة ، عن أبي يونس حاتم بن أبى صغيرة ، عن قال : سألت ابن أبي مليكة ، ابن عباس وابن الزبير عن ناشئة الليل فقالا : كل الليل ناشئة ، فإذا نشأت قائما فتلك ناشئة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : أي ساعة تهجد فيها متهجد من الليل .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( إن ناشئة الليل ) يعني الليل كله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، أبي عامر الخزاز ، ونافع عن عن ابن أبي مليكة ، ابن عباس في قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : الليل كله .
قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الليل كله إذا قام يصلي فهو ناشئة .
وقال آخرون : بل ذلك ما كان بعد العشاء ، فأما ما كان قبل العشاء فليس بناشئة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا عن ابن علية ، سليمان التيمي ، عن أبي مجلز ، في قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : ما بعد العشاء ناشئة .
قال : ثنا قال : ثنا ابن علية ، أبو رجاء ، في قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : ما بعد العشاء الآخرة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : ناشئة الليل : ما كان بعد العشاء فهو ناشئة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا سليمان ، قال : ثنا أبو هلال ، قال : قال قتادة في [ ص: 684 ] قوله : ( إن ناشئة الليل ) قال : كل شيء بعد العشاء فهو ناشئة .
وقوله : ( هي أشد وطئا ) اختلفت قراء الأمصار في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء مكة والمدينة والكوفة ( أشد وطئا ) بفتح الواو وسكون الطاء . وقرأ ذلك بعض قراء البصرة ومكة والشام "وطاء" بكسر الواو ومد الألف ، على أنه مصدر من قول القائل : واطأ اللسان القلب مواطأة ووطاء .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
ويعني بقوله : ( هي أشد وطئا ) ناشئة الليل أشد ثباتا من النهار وأثبت في القلب ، وذلك أن العمل بالليل أثبت منه بالنهار . وحكي عن العرب : وطئنا الليل وطأ : إذا ساروا فيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال من أهل التأويل من قرأه بفتح الواو وسكون الطاء ، وإن اختلفت عباراتهم في ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : ( هي أشد وطئا ) أي أثبت في الخير ، وأحفظ في الحفظ .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( هي أشد وطئا ) قال : القيام بالليل أشد وطئا ، يقول : أثبت في الخير .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا ) يقول : ناشئة الليل كانت صلاتهم أول الليل ( هي أشد وطئا ) يقول : هو أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من القيام ، وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا ) قال : إن مصلي الليل القائم بالليل ، أشد وطئا : طمأنينة ، أفرغ له قلبا ، وذلك أنه لا يعرض له حوائج ولا شيء .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( هي أشد وطئا ) يقول : قراءة القرآن بالليل أثبت منه بالنهار ، وأشد مواطأة بالليل منه بالنهار . [ ص: 685 ]
وأما الذين قرءوا "وطاء" بكسر الواو ومد الألف ، فقد ذكرت الذي عنوا بقراءتهم ذلك كذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور عن مجاهد ( أشد وطئا ) قال : أن تواطئ قلبك وسمعك وبصرك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا ) قال : تواطئ سمعك وبصرك وقلبك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( أشد وطئا ) قال : مواطأة للقول ، وفراغا للقلب .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا قال : سمعت ابن علية ، ابن أبي نجيح يقول في قوله : ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ) قال : أجدر أن تواطئ لك سمعك ، أن تواطئ لك بصرك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( أشد وطئا ) قال : أجدر أن تواطئ سمعك وقلبك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا ) قال : يواطئ سمعك وبصرك وقلبك بعضه بعضا .
وقوله : ( وأقوم قيلا ) يقول : وأصوب قراءة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يحيى بن داود الواسطي ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، قال : قرأ أنس هذه الآية "إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا" فقال له بعض القوم : يا أبا حمزة إنما هي ( وأقوم قيلا ) قال : أقوم وأصوب وأهيأ واحد .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا عن عبد الحميد الحماني ، الأعمش قال : قرأ أنس ( وأقوم قيلا ) وأصوب قيلا; قيل له : يا أبا حمزة إنما هي ( وأقوم ) قال أنس : أصوب وأقوم وأهيأ واحد . [ ص: 686 ]
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وأقوم قيلا ) يقول : أدنى من أن تفقهوا القرآن .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وأقوم قيلا ) : أحفظ للقراءة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وأقوم قيلا ) قال : أقوم قراءة لفراغه من الدنيا .
قوله : ( إن لك في النهار سبحا طويلا ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن لك يا محمد في النهار فراغا طويلا تتسع به ، وتتقلب فيه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( سبحا طويلا ) فراغا طويلا ، يعني النوم .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، قوله : ( إن لك في النهار سبحا طويلا ) قال : متاعا طويلا .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : ( سبحا طويلا ) قال : فراغا طويلا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إن لك في النهار سبحا طويلا ) قال : لحوائجك ، فافرغ لدينك الليل ، قالوا : وهذا حين كانت صلاة الليل فريضة ، ثم إن الله من على العباد فخففها ووضعها ، وقرأ : ( قم الليل إلا قليلا ) . . . إلى آخر الآية ، ثم قال : ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ) حتى بلغ قوله : ( فاقرءوا ما تيسر منه ) الليل نصفه أو ثلثه ، ثم جاء أمر أوسع وأفسح ، وضع الفريضة عنه وعن أمته ، فقال : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ) . [ ص: 687 ]
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول في قوله : ( إن لك في النهار سبحا طويلا ) فراغا طويلا . وكان يقرأ ذلك بالخاء . يحيى بن يعمر
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح ، عبد المؤمن ، عن غالب الليثي ، عن "من يحيى بن يعمر جذيلة قيس " أنه كان يقرأ "سبخا طويلا" قال : وهو النوم .
قال أبو جعفر : والتسبيخ : توسيع القطن والصوف وتنفيشه ، يقال للمرأة : سبخي قطنك ، أي : نفشيه ووسعيه; ومنه قول الأخطل :
فأرسلوهن يذرين التراب كما يذري سبائخ قطن ندف أوتار
وإنما عني بقوله : ( إن لك في النهار سبحا طويلا ) : إن لك في النهار سعة لقضاء حوائجك وقومك . والسبح والسبخ قريبا المعنى في هذا الموضع .