القول في تأويل قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ( 5 ) قوله تعالى : ( فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ( 6 ) وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ( 7 ) )
يقول تعالى ذكره : قال نوح لما بلغ قومه رسالة ربه ، وأنذرهم ما أمره به أن ينذرهموه فعصوه ، وردوا عليه ما أتاهم به من عنده ( رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ) إلى توحيدك وعبادتك ، وحذرتهم بأسك وسطوتك ، ( فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ) يقول : فلم يزدهم دعائي إياهم إلى ما دعوتهم إليه من الحق الذي أرسلتني به لهم ( إلا فرارا ) يقول : إلا إدبارا عنه وهربا منه وإعراضا عنه .
وقد حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ) قال : بلغنا أنهم كانوا يذهب الرجل بابنه إلى نوح ، فيقول لابنه : احذر هذا لا يغوينك ، فأراني قد ذهب بي أبي إليه وأنا مثلك ، فحذرني كما حذرتك .
وقوله : ( وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم ) يقول جل وعز : وإني كلما دعوتهم إلى الإقرار بوحدانيتك ، والعمل بطاعتك ، والبراءة من عبادة كل ما سواك ، لتغفر لهم إذا هم فعلوا ذلك جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا دعائي إياهم إلى ذلك ( واستغشوا ثيابهم ) يقول : وتغشوا في ثيابهم ، وتغطوا بها لئلا يسمعوا دعائي .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( جعلوا أصابعهم في آذانهم ) لئلا يسمعوا كلام نوح عليه السلام .
وقوله : ( وأصروا ) يقول : وثبتوا على ما هم عليه من الكفر وأقاموا عليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 632 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وأصروا ) قال : الإصرار إقامتهم على الشر والكفر .
وقوله : ( واستكبروا استكبارا ) يقول : وتكبروا فتعاظموا عن الإذعان للحق ، وقبول ما دعوتهم إليه من النصيحة .