يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإنك يا محمد لعلى أدب عظيم ، وذلك أدب القرآن الذي أدبه الله به ، وهو الإسلام وشرائعه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 529 ]
ذكر من قال ذلك .
حدثني علي قال ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) يقول : دين عظيم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) يقول : إنك على دين عظيم ، وهو الإسلام .
حدثني محمد بن عمرو ، قال . ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال ثنا الحسن . قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( خلق عظيم ) قال : الدين .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : كان خلقه القرآن ، تقول : كما هو في القرآن .
حدثنا بشر ، قال . ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ذكر لنا أن سعيد بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ألست تقرأ القرآن؟ قال : قلت : بلى ، قالت : فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن .
حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس ، قال : ثني أبي ، قال : ثنا المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن سعيد بن هشام ، قال : أتيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، فقلت : أخبريني عن خلق رسول الله ، فقالت : كان خلقه القرآن ، أما تقرأ : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) .
أخبرنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني معاوية بن صالح ، عن أبى الزاهرية ، عن قال : حججت فدخلت على جبير بن نفير عائشة ، فسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن .
حدثنا عبيد بن أسباط ، قال : ثني أبي ، عن عن فضيل بن مرزوق ، عطية ، في قوله : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) قال : أدب القرآن . [ ص: 530 ]
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) قال : على دين عظيم .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : ( لعلى خلق عظيم ) يعني دينه ، وأمره الذي كان عليه ، مما أمره الله به ، ووكله إليه .
وقوله : ( فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون ) يقول تعالى ذكره : فسترى يا محمد ، ويرى مشركو قومك الذين يدعونك مجنونا ( بأيكم المفتون ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( فستبصر ويبصرون ) يقول : ترى ويرون .
وقوله : ( بأيكم المفتون ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : تأويله : بأيكم المجنون ، كأنه وجه معنى الباء في قوله : ( بأيكم ) إلى معنى في . وإذا وجهت الباء إلى معنى "في" كان تأويل الكلام : ويبصرون في أي الفريقين المجنون ، في فريقك يا محمد أو فريقهم ، ويكون المجنون اسما مرفوعا بالباء .
ذكر من قال : معنى ذلك : بأيكم المجنون .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : بأيكم المفتون ، قال : المجنون .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد ( بأيكم المفتون ) قال : بأيكم المجنون .
وقال آخرون : بل تأويل ذلك : بأيكم الجنون; وكأن الذين قالوا هذا القول وجهوا المفتون إلى معنى الفتنة أو المفتون ، كما قيل : ليس له معقول ولا معقود ، أي بمعنى ليس له عقل ولا عقد رأي ، فكذلك وضع المفتون موضع الفتون .
ذكر من قال : المفتون بمعنى المصدر ، وبمعنى الجنون :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني [ ص: 531 ] الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( بأيكم المفتون ) قال : الشيطان .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك ، يقول في قوله : ( بأيكم المفتون ) يعني الجنون .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس يقول : بأيكم الجنون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أيكم [ ص: 532 ] أولى بالشيطان; فالباء على قول هؤلاء زيادة ، دخولها وخروجها سواء ، ومثل هؤلاء ذلك بقول الراجز :
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج نضرب بالسيف ونرجو بالفرج
بمعنى : نرجو الفرج ، فدخول الباء في ذلك عندهم في هذا الموضع وخروجها سواء .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون ) يقول : بأيكم أولى بالشيطان .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( بأيكم المفتون ) قال : أيكم أولى بالشيطان .
واختلف أهل العربية في ذلك نحو اختلاف أهل التأويل ، فقال بعض نحويي البصرة : معنى ذلك : فستبصر ويبصرون أيكم المفتون . وقال بعض نحويي الكوفة : بأيكم المفتون ها هنا ، بمعنى الجنون ، وهو في مذهب الفتون ، كما قالوا : ليس له معقول ولا معقود; قال : وإن شئت جعلت "بأيكم" : "في أيكم" في أي الفريقين المجنون; قال : وهو حينئذ اسم ليس بمصدر .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : معنى ذلك : بأيكم الجنون ، ووجه المفتون إلى الفتون بمعنى المصدر ، لأن ذلك أظهر معاني الكلام ، إذا لم ينو إسقاط الباء ، وجعلنا لدخولها وجها مفهوما .
وقد بينا أنه غير جائز أن يكون في القرآن شيء لا معنى له .
وقوله : ( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ) يقول تعالى ذكره : إن ربك يا محمد هو أعلم بمن ضل عن سبيله ، كضلال كفار قريش عن دين الله ، وطريق الهدى ( وهو أعلم بالمهتدين ) يقول : وهو أعلم بمن اهتدى ، فاتبع الحق ، وأقر به ، كما اهتديت أنت فاتبعت الحق ، وهذا من معاريض الكلام . وإنما معنى الكلام : إن ربك هو أعلم يا محمد بك ، وأنت المهتدي ، وبقومك من كفار قريش وأنهم الضالون عن سبيل الحق .