[ ص: 162 ] [ ص: 163 ] القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28987_29705تأويل قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون ( 1 ) )
يقول تعالى ذكره : أتى أمر الله فقرب منكم أيها الناس ودنا ، فلا تستعجلوا وقوعه .
ثم اختلف أهل التأويل في الأمر الذي أعلم الله عباده مجيئه وقربه منهم ما هو ، وأي شيء هو؟ فقال بعضهم : هو فرائضه وأحكامه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
ابن المبارك ، عن
جويبر ، عن
الضحاك ، في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) قال : الأحكام والحدود والفرائض .
وقال آخرون : بل ذلك وعيد من الله لأهل الشرك به ، أخبرهم أن الساعة قد قربت وأن عذابهم قد حضر أجله فدنا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا
القاسم ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : لما نزلت هذه الآية ، يعني (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض : إن هذا يزعم أن أمر الله أتى ، فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن ، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء ، قالوا : ما نراه نزل شيء فنزلت (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=1اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) فقالوا : إن هذا يزعم مثلها أيضا ، فلما رأوا أنه لا ينزل شيء ، قالوا : ما نراه نزل شيء فنزلت (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=8ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) .
حدثنا
أبو هشام الرفاعي ، قال : ثنا
يحيى بن يمان ، قال : ثنا
سفيان ، عن
إسماعيل ، عن
أبى بكر بن حفص ، قال : لما نزلت (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله ) رفعوا رءوسهم ، فنزلت (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1فلا تستعجلوه ) .
حدثنا
ابن حميد ، قال : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يحيى بن واضح ، قال : ثنا
أبو بكر بن [ ص: 164 ] شعيب ، قال : سمعت
أبا صادق يقرأ (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=99يا عبادي أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) .
وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : هو تهديد من الله أهل الكفر به وبرسوله ، وإعلام منه لهم قرب العذاب منهم والهلاك وذلك أنه عقب ذلك بقوله سبحانه وتعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1عما يشركون ) فدل بذلك على تقريعه المشركين ووعيده لهم . وبعد ، فإنه لم يبلغنا أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم استعجل فرائض قبل أن تفرض عليهم فيقال لهم من أجل ذلك : قد جاءتكم فرائض الله فلا تستعجلوها . وأما مستعجلو العذاب من المشركين ، فقد كانوا كثيرا .
وقوله سبحانه وتعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1عما يشركون ) يقول تعالى تنزيها لله وعلوا له عن الشرك الذي كانت
قريش ومن كان من العرب على مثل ما هم عليه يدين به .
واختلفت القراء في قراءة قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1عما يشركون ) فقرأ ذلك
أهل المدينة وبعض
البصريين والكوفيين (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1عما يشركون ) بالياء على الخبر عن أهل الكفر بالله وتوجيه للخطاب بالاستعجال إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك قرءوا الثانية بالياء . وقرأ ذلك عامة قراء
الكوفة بالتاء على توجيه الخطاب بقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1فلا تستعجلوه ) إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1عما يشركون " إلى المشركين ، والقراءة بالتاء في الحرفين جميعا على وجه الخطاب للمشركين أولى بالصواب لما بينت من التأويل ، أن ذلك إنما هو وعيد من الله للمشركين ، ابتدأ أول الآية بتهديدهم ، وختم آخرها بنكير فعلهم واستعظام كفرهم على وجه الخطاب لهم .
[ ص: 162 ] [ ص: 163 ] الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28987_29705تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ( 1 ) )
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَقَرُبَ مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَدَنَا ، فَلَا تَسْتَعْجِلُوا وُقُوعَهُ .
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْأَمْرِ الَّذِي أَعْلَمَ اللَّهُ عِبَادَهُ مَجِيئَهُ وَقُرْبَهُ مِنْهُمْ مَا هُوَ ، وَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ فَرَائِضُهُ وَأَحْكَامُهُ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ
جُوَيْبِرٍ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ ، فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قَالَ : الْأَحْكَامُ وَالْحُدُودُ وَالْفَرَائِضُ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ ذَلِكَ وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِأَهْلِ الشِّرْكِ بِهِ ، أَخْبَرَهُمْ أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ قَرُبَتْ وَأَنَّ عَذَابَهُمْ قَدْ حَضَرَ أَجْلُهُ فَدَنَا .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، يَعْنِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ) قَالَ رِجَالٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ أَتَى ، فَأَمْسِكُوا عَنْ بَعْضِ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ حَتَّى تَنْظُرُوا مَا هُوَ كَائِنٌ ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ شَيْءٌ ، قَالُوا : مَا نَرَاهُ نَزَلَ شَيْءٌ فَنَزَلَتْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=1اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ) فَقَالُوا : إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ مِثْلَهَا أَيْضًا ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ شَيْءٌ ، قَالُوا : مَا نَرَاهُ نَزَلَ شَيْءٌ فَنَزَلَتْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=8وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) .
حَدَّثَنَا
أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ ، قَالَ : ثَنَا
يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ ، قَالَ : ثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ
أَبَى بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ) رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ ، فَنَزَلَتْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ) .
حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=11953يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ ، قَالَ : ثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ [ ص: 164 ] شُعَيْبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ
أَبَا صَادِقٍ يَقْرَأُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=99يَا عِبَادِي أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ) .
وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ ، قَوْلُ مَنْ قَالَ : هُوَ تَهْدِيدٌ مِنَ اللَّهِ أَهْلَ الْكَفْرِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ لَهُمْ قُرْبَ الْعَذَابِ مِنْهُمْ وَالْهَلَاكِ وَذَلِكَ أَنَّهُ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1عَمَّا يُشْرِكُونَ ) فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى تَقْرِيعِهِ الْمُشْرِكِينَ وَوَعِيدِهِ لَهُمْ . وَبَعْدُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْجَلَ فَرَائِضَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ فَيُقَالُ لَهُمْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ : قَدْ جَاءَتْكُمْ فَرَائِضُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهَا . وَأَمَّا مُسْتَعْجِلُو الْعَذَابِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَقَدْ كَانُوا كَثِيرًا .
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1عَمَّا يُشْرِكُونَ ) يَقُولُ تَعَالَى تَنْزِيهًا لِلَّهِ وَعُلُوًّا لَهُ عَنِ الشِّرْكِ الَّذِي كَانَتْ
قُرَيْشُ وَمَنْ كَانَ مِنَ الْعَرَبِ عَلَى مِثْلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ يَدِينُ بِهِ .
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1عَمَّا يُشْرِكُونَ ) فَقَرَأَ ذَلِكَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ
الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1عَمَّا يُشْرِكُونَ ) بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ عَنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَتَوْجِيهٍ لِلْخِطَابِ بِالِاسْتِعْجَالِ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَذَلِكَ قَرَءُوا الثَّانِيَةَ بِالْيَاءِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ
الْكُوفَةِ بِالتَّاءِ عَلَى تَوْجِيهِ الْخِطَابِ بِقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ) إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1عَمَّا يُشْرِكُونَ " إِلَى الْمُشْرِكِينَ ، وَالْقِرَاءَةُ بِالتَّاءِ فِي الْحَرْفَيْنِ جَمِيعًا عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ لِلْمُشْرِكِينَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِمَا بَيَّنْتُ مِنَ التَّأْوِيلِ ، أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُشْرِكِينَ ، ابْتَدَأَ أَوَّلَ الْآيَةِ بِتَهْدِيدِهِمْ ، وَخَتَمَ آخِرَهَا بِنَكِيرِ فِعْلِهِمْ وَاسْتِعْظَامِ كُفْرِهِمْ عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ لَهُمْ .