قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد ، لهؤلاء العادلين بربهم الأوثان والأصنام ، الزاعمين أن الله حرم عليهم ما هم محرموه من حروثهم وأنعامهم ، على ما ذكرت لك في تنزيلي عليك : تعالوا ، أيها القوم ، أقرأ عليكم ما حرم ربكم حقا يقينا ، لا الباطل تخرصا ، تخرصكم على الله الكذب والفرية ظنا ، ولكن وحيا من الله أوحاه إلي ، وتنزيلا أنزله علي : أن لا تشركوا بالله شيئا من خلقه ، ولا تعدلوا به الأوثان والأصنام ، ولا تعبدوا شيئا سواه ( وبالوالدين إحسانا ) ، يقول : وأوصى بالوالدين إحسانا وحذف " أوصى " و " أمر " ، لدلالة الكلام عليه ومعرفة السامع بمعناه . وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى من الكتاب .
وأما " أن " في قوله : ( أن لا تشركوا به شيئا ) ، فرفع ؛ لأن معنى الكلام : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ، هو أن لا تشركوا به شيئا .
وإذا كان ذلك معناه ، كان في قوله : ( تشركوا ) ، وجهان :
الجزم بالنهي ، وتوجيه " لا " إلى معنى النهي .
والنصب ، على توجيه الكلام إلى الخبر ، ونصب " تشركوا " ، ب " أن لا " ، [ ص: 216 ] كما يقال : " أمرتك أن لا تقوم " .
وإن شئت جعلت " أن " في موضع نصب ، ردا على " ما " وبيانا عنها ، ويكون في قوله : ( تشركوا ) ، أيضا من وجهي الإعراب ، نحو ما كان فيه منه . و " أن " في موضع رفع .
ويكون تأويل الكلام حينئذ : قل : تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ، أتل أن لا تشركوا به شيئا .
فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يكون قوله ( تشركوا ) نصبا ب " أن لا " ، أم كيف يجوز توجيه قوله : " أن لا تشركوا به " ، على معنى الخبر ، وقد عطف عليه بقوله : ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ) ، وما بعد ذلك من جزم النهي ؟ قيل : جاز ذلك ، كما قال تعالى ذكره : ( قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ) ، فجعل " أن أكون " خبرا ، و " أن " اسما ، ثم عطف عليه " ولا تكونن من المشركين " ، [ سورة الأنعام : 14 ] ، وكما قال الشاعر :
حج وأوصى بسليمى الأعبدا أن لا ترى ولا تكلم أحدا
ولا يزل شرابها مبردا