[ ص: 44 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك .
فقال بعضهم : معنى ذلك : لو أنا جئناهم بآية كما سألوا ، ما آمنوا ، كما لم يؤمنوا بما قبلها أول مرة ؛ لأن الله حال بينهم وبين ذلك :
ذكر من قال ذلك :
13751 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ) الآية ، قال : لما جحد المشركون ما أنزل الله ، لم تثبت قلوبهم على شيء ، وردت عن كل أمر .
13752 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ) ، قال : نمنعهم من ذلك ، كما فعلنا بهم أول مرة . وقرأ : ( كما لم يؤمنوا به أول مرة ) .
13753 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم ) ، قال : نحول بينهم وبين الإيمان ولو جاءتهم كل آية فلا يؤمنون ، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة .
وقال آخرون : معنى ذلك : ونقلب أفئدتهم وأبصارهم لو ردوا من الآخرة إلى الدنيا فلا يؤمنون ، كما فعلنا بهم ذلك ، فلم يؤمنوا في الدنيا . قالوا : وذلك نظير قوله ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ) ، [ سورة الأنعام : 28 ] .
ذكر من قال ذلك :
13754 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني [ ص: 45 ] معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : أخبر الله سبحانه ما العباد قائلون قبل أن يقولوه ، وعملهم قبل أن يعملوه . قال : ولا ينبئك مثل خبير : ( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين ) ، [ سورة الزمر : 56 - 58 ] ، يقول : من المهتدين . فأخبر الله سبحانه أنهم لو ردوا [ إلى الدنيا ، لما استقاموا ] على الهدى ، و [ قال ] : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) ، وقال : " ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة " ، قال : لو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى ، كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا .
قال أبو جعفر : وأولى التأويلات في ذلك عندي بالصواب أن يقال : إن الله جل ثناؤه ، أخبر عن هؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها : أنه يقلب أفئدتهم وأبصارهم ويصرفها كيف شاء ، وأن ذلك بيده يقيمه إذا شاء ، ويزيغه إذا أراد وأن قوله : ( كما لم يؤمنوا به أول مرة ) ، دليل على محذوف من الكلام وأن قوله : " كما " تشبيه ما بعده بشيء قبله .
وإذ كان ذلك كذلك ، فالواجب أن يكون معنى الكلام : ونقلب أفئدتهم ، فنزيغها عن الإيمان ، وأبصارهم عن رؤية الحق ومعرفة موضع الحجة ، وإن جاءتهم الآية التي سألوها ، فلا يؤمنوا بالله ورسوله وما جاء به من عند الله ، كما لم يؤمنوا بتقليبنا إياها قبل مجيئها مرة قبل ذلك . [ ص: 46 ]
وإذا كان ذلك تأويله ، كانت " الهاء " من قوله : ( كما لم يؤمنوا به ) ، كناية ذكر " التقليب " .