قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : وقل لهم ، يا محمد ، والله أعلم بالظالمين ، والله هو الذي يتوفى أرواحكم بالليل فيقبضها من أجسادكم " ويعلم ما جرحتم بالنهار " يقول : ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار . [ ص: 405 ]
ومعنى " التوفي " في كلام العرب استيفاء العدد ، كما قال الشاعر :
إن بني الأدرم ليسوا من أحد ولا توفاهم قريش في العدد
بمعنى : لم تدخلهم قريش في العدد .
وأما " الاجتراح " عند العرب ، فهو عمل الرجل بيده أو رجله أو فمه ، وهي " الجوارح " عندهم ، جوارح البدن فيما ذكر عنهم . ثم يقال لكل مكتسب عملا " جارح " لاستعمال العرب ذلك في هذه " الجوارح " ثم كثر ذلك في الكلام حتى قيل لكل مكتسب كسبا ، بأي أعضاء جسمه اكتسب : " مجترح " .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
13309 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : " السدي وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار " أما " يتوفاكم بالليل " ففي النوم ، وأما " يعلم ما جرحتم بالنهار " فيقول : ما اكتسبتم من الإثم .
13310 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار " يعني : ما اكتسبتم من الإثم . [ ص: 406 ]
13311 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : " ما جرحتم بالنهار " قال : ما عملتم بالنهار .
13312 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .
13313 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا قال : حدثنا يزيد بن زريع سعيد ، عن قتادة قوله : " وهو الذي يتوفاكم بالليل " يعني بذلك نومهم " ويعلم ما جرحتم بالنهار " أي : ما عملتم من ذنب فهو يعلمه ، لا يخفى عليه شيء من ذلك .
13314 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار " قال : أما وفاته إياهم بالليل ، فمنامهم وأما " ما جرحتم بالنهار " فيقول : ما اكتسبتم بالنهار .
قال أبو جعفر : وهذا الكلام وإن كان خبرا من الله تعالى عن قدرته وعلمه ، فإن فيه احتجاجا على المشركين به ، الذين كانوا ينكرون قدرته على إحيائهم بعد مماتهم وبعثهم بعد فنائهم . فقال - تعالى ذكره - محتجا عليهم : " وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى " يقول : فالذي يقبض أرواحكم بالليل ويبعثكم في النهار ، لتبلغوا أجلا مسمى ، وأنتم ترون ذلك وتعلمون صحته ، غير منكر له القدرة على قبض أرواحكم وإفنائكم ، ثم ردها إلى أجسادكم ، وإنشائكم بعد مماتكم ، فإن ذلك نظير ما تعاينون وتشاهدون ، وغير منكر لمن قدر على ما تعاينون من ذلك ، القدرة على ما لم تعاينوه . وإن الذي لم تروه ولم تعاينوه من ذلك ، شبيه ما رأيتم وعاينتم . [ ص: 407 ]