قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " إنا أنزلنا إليك يا محمد الكتاب يعني : القرآن لتحكم بين الناس لتقضي بين الناس فتفصل بينهم بما أراك الله [ ص: 176 ] يعني : بما أنزل الله إليك من كتابه ولا تكن للخائنين خصيما يقول : ولا تكن لمن خان مسلما أو معاهدا في نفسه أو ماله خصيما تخاصم عنه ، وتدفع عنه من طالبه بحقه الذي خانه فيه واستغفر الله يا محمد ، وسله أن يصفح لك عن عقوبة ذنبك في مخاصمتك عن الخائن من خان مالا لغيره إن الله كان غفورا رحيما يقول : إن الله لم يزل يصفح عن ذنوب عباده المؤمنين ، بتركه عقوبتهم عليها إذا استغفروه منها رحيما بهم .
فافعل ذلك أنت ، يا محمد ، يغفر الله لك ما سلف من خصومتك عن هذا الخائن .
وقد قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن خاصم عن الخائن ، ولكنه هم بذلك ، فأمره الله بالاستغفار مما هم به من ذلك .
وذكر أن الخائنين الذين عاتب الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم في خصومته عنهم : بنو أبيرق .
واختلف أهل التأويل في خيانته التي كانت منه ، فوصفه الله بها .
فقال بعضهم : كانت سرقة سرقها .
ذكر من قال ذلك :
10409 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " إلى قوله : " ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله " ، فيما بين ذلك ، في ابن أبيرق ، ودرعه من حديد ، من يهود ، التي سرق ، [ ص: 177 ] وقال أصحابه من المؤمنين للنبي : "اعذره في الناس بلسانك" ، ورموا بالدرع رجلا من يهود بريئا .
10410 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه .
10411 - حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم الحراني قال : حدثنا قال : حدثنا محمد بن سلمة محمد بن إسحاق ، عن عن أبيه ، عن جده عاصم بن عمر بن قتادة ، قال : قتادة بن النعمان بنو أبيرق : بشر وبشير ، وكان ومبشر ، بشير رجلا منافقا ، وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ينحله إلى بعض العرب ، ثم يقول : "قال فلان كذا" ، و "قال فلان كذا" ، فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا : والله ما يقول هذا الشعر إلا الخبيث! فقال :
أوكلما قال الرجال قصيدة أضموا وقالوا : ابن الأبيرق قالها!
قال : وكانوا أهل بيت فاقة وحاجة في الجاهلية والإسلام ، وكان الناس [ ص: 178 ] إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير ، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشأم بالدرمك ، ابتاع الرجل منها فخص به نفسه . فأما العيال ، فإنما طعامهم التمر والشعير . فقدمت ضافطة منالشأم ، فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك ، فجعله في مشربة له ، وفي المشربة سلاح له : درعان وسيفاهما وما يصلحهما . فعدي عليه من تحت الليل ، فنقبت المشربة ، وأخذ الطعام والسلاح . فلما أصبح ، أتاني عمي رفاعة فقال : يا ابن أخي ، تعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه ، فنقبت مشربتنا ، فذهب بسلاحنا وطعامنا! قال : فتحسسنا في الدار ، وسألنا ، فقيل لنا : قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة ، ولا نرى فيما نراه إلا على بعض طعامكم .
قال : وقد كان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار : والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل ! رجلا منا له صلاح وإسلام . فلما سمع بذلك لبيد ، اخترط سيفه ثم أتى بني أبيرق فقال : والله ليخالطنكم هذا السيف ، أو لتبينن هذه [ ص: 179 ] السرقة . قالوا : إليك عنا أيها الرجل ، فوالله ما أنت بصاحبها! فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها ، فقال عمي : يا ابن أخي ، لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له!
قال قتادة : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقلت : يا رسول الله ، إن أهل بيت منا أهل جفاء ، عمدوا إلى عمي رفاعة فنقبوا مشربة له ، وأخذوا سلاحه وطعامه ، فليردوا علينا سلاحنا ، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنظر في ذلك . فلما سمع بذلك بنو أبيرق ، أتوا رجلا منهم يقال له : " أسير بن عروة " ، فكلموه في ذلك . واجتمع إليه ناس من أهل الدار ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، إن وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت . قتادة بن النعمان
قال قتادة : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته ، فقال : عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ، ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثبت!! قال : فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك . فأتيت عمي رفاعة ، فقال : يا ابن أخي ، ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : الله المستعان!
فلم نلبث أن نزل القرآن : " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما " ، يعني : بني أبيرق واستغفر الله أي : مما قلت لقتادة " إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم " [ ص: 180 ] أي : بني أبيرق إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس إلى قوله : " ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " ، أي : إنهم إن يستغفروا الله يغفر لهم " ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا " ، قولهم للبيد " ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك " ، يعني : أسيرا وأصحابه" وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة " إلى قوله : " فسوف نؤتيه أجرا عظيما " .
فلما نزل القرآن ، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة . قال قتادة : فلما أتيت عمي بالسلاح ، وكان شيخا قد عسا في الجاهلية ، وكنت أرى إسلامه مدخولا فلما أتيته بالسلاح قال : يا ابن أخي ، هو في سبيل الله . قال : فعرفت أن إسلامه كان صحيحا . فلما نزل القرآن ، لحق بشير بالمشركين ، فنزل على سلافة ابنة سعد بن شهيد ، فأنزل الله فيه : [ ص: 181 ] ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين ) إلى قوله : ( ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا ) . فلما نزل على سلافة ، رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر ،
فأخذت رحله فوضعته على رأسها ، ثم خرجت فرمت به في الأبطح ، ثم قالت : أهديت إلي شعر حسان ! ما كنت تأتيني بخير ! [ ص: 182 ] كان أهل بيت منا يقال لهم
10412 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " ، يقول : بما أنزل الله عليك وبين لك " ولا تكن للخائنين خصيما " ، فقرأ إلى قوله : " إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما " . ذكر لنا أن هؤلاء الآيات أنزلت في شأن طعمة بن أبيرق ، وفيما هم به نبي الله صلى الله عليه وسلم من عذره ، وبين الله شأن طعمة بن أبيرق ، ووعظ نبيه وحذره أن يكون للخائنين خصيما .
وكان طعمة بن أبيرق رجلا من الأنصار ، ثم أحد بني ظفر ، سرق درعا لعمه كانت وديعة عنده ، ثم قذفها على يهودي كان يغشاهم ، يقال له : " زيد بن السمين " . فجاء اليهودي إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم يهنف ، فلما رأى ذلك قومه بنو ظفر ، جاءوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ليعذروا صاحبهم ، [ ص: 183 ] وكان نبي الله عليه السلام قد هم بعذره ، حتى أنزل الله في شأنه ما أنزل ، فقال : " ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم " إلى قوله : " ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة " ، يعني بذلك قومه " ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا " ، وكان طعمة قذف بها بريئا . فلما بين الله شأن طعمة ، نافق ولحق بالمشركين بمكة ، فأنزل الله في شأنه :
( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) . "
10413 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما " ، وذلك أن نفرا من الأنصار غزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ، فسرقت درع لأحدهم ، فأظن بها رجلا من الأنصار ، فأتى صاحب الدرع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن طعمة بن أبيرق سرق درعي . فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رأى السارق ذلك ، عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء ، وقال لنفر من عشيرته : إني قد غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلان ، وستوجد عنده . فانطلقوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ليلا فقالوا : يا نبي الله ، إن صاحبنا بريء ، وإن سارق الدرع فلان ، وقد أحطنا بذلك علما ، فاعذر صاحبنا على رءوس الناس وجادل عنه ، فإنه إلا يعصمه الله بك يهلك! فقام رسول الله صلى الله [ ص: 184 ] عليه وسلم فبرأه وعذره على رءوس الناس ، فأنزل الله : " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما " ، يقول : احكم بينهم بما أنزل الله إليك في الكتاب واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم الآية . ثم قال للذين أتوا رسول الله عليه السلام ليلا" يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله " إلى قوله : " أم من يكون عليهم وكيلا " ، يعني : الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين يجادلون عن الخائن ثم قال : " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " يعني الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين بالكذب ثم قال : " ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا " ، يعني السارق والذين يجادلون عن السارق . "
10414 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " الآية ، قال : كان رجل سرق درعا من حديد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وطرحه على يهودي ، فقال اليهودي : والله ما سرقتها يا أبا القاسم ، ولكن طرحت علي! وكان للرجل الذي سرق جيران يبرئونه ويطرحونه على اليهودي ويقولون : يا رسول الله ، إن هذا اليهودي الخبيث يكفر بالله وبما جئت به! قال : حتى مال عليه النبي صلى الله عليه وسلم ببعض القول ، فعاتبه الله عز وجل في ذلك فقال : " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله " بما قلت لهذا اليهودي إن الله كان غفورا رحيما ثم أقبل على جيرانه فقال : " ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا " فقرأ حتى بلغ " أم من يكون عليهم وكيلا " . قال : ثم عرض التوبة فقال : [ ص: 185 ] " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه " ، فما أدخلكم أنتم أيها الناس ، على خطيئة هذا تكلمون دونه " وكان الله عليما حكيما ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا " ، وإن كان مشركا " فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا " ، فقرأ حتى بلغ : " لا خير في كثير من نجواهم " ، فقرأ حتى بلغ : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى " . قال : أبى أن يقبل التوبة التي عرض الله له ، وخرج إلى المشركين بمكة فنقب بيتا يسرقه ، فهدمه الله عليه فقتله . فذلك قول الله تبارك وتعالى " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى " ، فقرأ حتى بلغ وساءت مصيرا ويقال : هو طعمة بن أبيرق ، وكان نازلا في بني ظفر .
وقال آخرون : بل الخيانة التي وصف الله بها من وصفه بقوله : " ولا تكن للخائنين خصيما " ، جحوده وديعة كان أودعها .
ذكر من قال ذلك :
10415 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : السدي " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما " ، قال : أما ما أراك الله فما أوحى الله إليك . قال : نزلت في طعمة بن أبيرق ، استودعه رجل من اليهود درعا ، فانطلق بها إلى داره ، فحفر لها اليهودي ثم دفنها . فخالف إليها طعمة فاحتفر عنها فأخذها . فلما جاء اليهودي يطلب درعه ، كافره عنها ، فانطلق إلى ناس من [ ص: 186 ] اليهود من عشيرته فقال : انطلقوا معي ، فإني أعرف موضع الدرع . فلما علم بهم طعمة ، أخذ الدرع فألقاها في دار أبي مليل الأنصاري . فلما جاءت اليهود تطلب الدرع فلم تقدر عليها ، وقع به طعمة وأناس من قومه فسبوه ، وقال : أتخونونني! فانطلقوا يطلبونها في داره ، فأشرفوا على بيت أبي مليل ، فإذا هم بالدرع . وقال طعمة : أخذها أبو مليل ! وجادلت الأنصار دون طعمة ، وقال لهم : انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له ينضح عني ويكذب حجة اليهودي ، فإني إن أكذب كذب على أهل المدينة اليهودي! فأتاه أناس من الأنصار فقالوا : يا رسول الله ، جادل عن طعمة وأكذب اليهودي . فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ، فأنزل الله عليه : " ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله " مما أردت " إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما " ثم ذكر الأنصار ومجادلتهم عنه فقال : " يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول " ، يقول : يقولون ما لا يرضى من القول " ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة " ثم دعا إلى التوبة فقال : " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " ثم ذكر قوله حين قال : "أخذها أبو مليل " فقال : " ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه " " ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا " ثم ذكر الأنصار وإتيانها إياه : أن ينضح عن صاحبهم ويجادل عنه ، فقال : " لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة " ، يقول : النبوة ثم ذكر مناجاتهم فيما يريدون [ ص: 187 ] أن يكذبوا عن طعمة ، فقال : " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس " . فلما فضح الله طعمة بالمدينة بالقرآن ، هرب حتى أتى مكة ، فكفر بعد إسلامه ، ونزل على الحجاج بن علاط السلمي ، فنقب بيت الحجاج ، فأراد أن يسرقه ، فسمع الحجاج خشخشة في بيته وقعقعة جلود كانت عنده ، فنظر فإذا هو بطعمة فقال : ضيفي وابن عمي وأردت أن تسرقني!! فأخرجه ، فمات بحرة بني سليم كافرا ، وأنزل الله فيه : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى " إلى" وساءت مصيرا " .
10416 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، عكرمة ، قال : الأنصار طعمة بن أبيرق مشربة له فيها درع ، وخرج فغاب . فلما قدم الأنصاري فتح مشربته ، فلم يجد الدرع ، فسأل عنها طعمة بن أبيرق ، فرمى بها رجلا من اليهود يقال له زيد بن السمين : فتعلق صاحب الدرع بطعمة في درعه . فلما رأى ذلك قومه ، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فكلموه ليدرأ عنه ، فهم بذلك ، فأنزل الله تبارك وتعالى : " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم " ، يعني : استودع رجل من طعمة بن أبيرق وقومه [ ص: 188 ] " ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا " ، محمد صلى الله عليه وسلم وقوم طعمة " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما " ، محمد وطعمة وقومه قال : " ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه " الآية ، طعمة " ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا " ، يعني زيد بن السمين " فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا " ، طعمة بن أبيرق " ولولا فضل الله عليك ورحمته " يا محمد " لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء " ، قوم طعمة بن أبيرق " وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما " يا محمد " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف " ، حتى تنقضي الآية للناس عامة " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين " الآية . قال : لما نزل القرآن في طعمة بن أبيرق ، لحق بقريش ورجع في دينه ، ثم عدا على مشربة للحجاج بن علاط البهزي ثم السلمي ، حليف لبني عبد الدار ، فنقبها ، فسقط عليه حجر فلحج . فلما أصبح أخرجوه من مكة . فخرج فلقي ركبا من بهراء من قضاعة ، فعرض لهم فقال : ابن سبيل منقطع به! فحملوه ، حتى إذا جن عليه الليل عدا عليهم فسرقهم ، ثم انطلق . فرجعوا في طلبه فأدركوه ، فقذفوه بالحجارة حتى مات . قال : فهذه الآيات كلها فيه نزلت إلى قوله : " ابن جريج إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " ، أنزلت في طعمة بن أبيرق ويقولون : إنه رمى بالدرع في دار أبي مليل [ ص: 189 ] بن عبد الله الخزرجي ، فلما نزل القرآن لحق بقريش ، فكان من أمره ما كان .
10417 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ قال : حدثنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " لتحكم بين الناس بما أراك الله " ، يقول : بما أنزل عليك وأراكه في كتابه . ونزلت هذه الآية في رجل من الأنصار استودع درعا فجحد صاحبها ، فخونه رجال من أصحاب نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فغضب له قومه ، وأتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : خونوا صاحبنا ، وهو أمين مسلم ، فاعذره يا نبي الله وازجر عنه! فقام نبي الله فعذره وكذب عنه ، وهو يرى أنه بريء ، وأنه مكذوب عليه ، فأنزل الله بيان ذلك فقال : " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " إلى قوله : " أم من يكون عليهم وكيلا " ، فبين الله خيانته ، فلحق بالمشركين من أهل مكة وارتد عن الإسلام ، فنزل فيه : " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى " إلى قوله : " وساءت مصيرا " .
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك بما دل عليه ظاهر الآية ، قول من قال : كانت خيانته التي وصفه الله بها في هذه الآية ، جحوده ما أودع ، لأن ذلك هو المعروف من معاني "الخيانات" في كلام العرب . وتوجيه تأويل القرآن إلى الأشهر من معاني كلام العرب ما وجد إليه سبيل ، أولى من غيره .