المسألة الثامنة : قوله تعالى : { فمن اضطر } .
وتصريفه افتعل من الضرر ، كقوله : افتتن من الفتنة ، أي : أدركه ضرر ، ووجد به ، وقد تكلمنا في في كتاب " المشكلين " بما فيه كفاية . حقيقة الضرر والمضطر
بيانه : أن الضرر هو الألم الذي لا نفع فيه يوازيه أو يربي عليه ، وهو نقيض النفع ، وهو الذي لا ضرر فيه ; ولهذا لم يوصف شرب الأدوية الكريهة والعبادات الشاقة بالضرر ، لما في ذلك من النفع الموازي له أو المربي عليه ، وحققنا أن المضطر هو المكلف بالشيء الملجأ إليه ، المكره عليه ، ولا يتحقق اسم المكره إلا لمن قدر على الشيء ، ومن خلق الله فيه فعلا لم يكن له عليه قدرة ، كالمرتعش والمحموم ، لا يسمى مضطرا ولا ملجأ ، وأشرنا إلى أنه قد يكون عند علمائنا المضطر ، وقد يكون [ المضطر ] المحتاج ، ولكن الملجأ مضطر حقيقة ، والمحتاج مضطر مجازا .
وقال الجبائي وابنه : إن المضطر هو الذي فعل فيه غيره فعلا ، وهذا تنازع [ ص: 82 ] يرجع إلى اللفظ وما ذهبنا إليه هو اللغة ، وهو المعروف عند العرب ، والمراد في كتاب الله تعالى بقوله : { فمن اضطر } : أي خاف التلف ، فسماه مضطرا ، وهو قادر على التناول .
ويرد المضطر في اللغة على معنيين : أحدهما : مكتسب الضرر ، والثاني مكتسب دفعه ، كالإعجام يرد بمعنى الإفهام وبمعنى نفيه ، فالسلطان يضطره أي يلجئه للضرر ، والمضطر يبيع منزله ، أي يدفع الضرر الذي يلحقه بامتناعه من بيع ماله .
وكلا المعنيين موجود في مسألتنا فإنه مضطر بما أدركه من ألم الجوع ، مضطر بدفعه ذلك عن نفسه بتناول الميتة ; وهو بالمعنى الأول مشروط ، وبالمعنى الثاني مأمور .