الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية عشرة : قوله : { إلا أن يصدقوا } : أوجب الله تعالى الدية لأولياء القتيل إلا أن يصدقوا بها على القاتل ; والاستثناء إذا تعقب جملا عاد إلى جميعها إذا صلح ذلك فيها ، وإلا عاد إلى ما يصلح له ذلك منها . والذي تقدم الكفارة والدية ، والكفارة حق الله سبحانه ، ولا تقبل الصدقة من الأولياء ; لأن الصدقة من المتصدق عليه لا تنفذ إلا فيما يملكه .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة عشرة : قوله تعالى : { فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة } : أوجب الله سبحانه الكفارة في قتل المؤمن بين أهل الحرب إذا كان خطأ ، ولم يذكر الدية . وقد اختلف العلماء في ذلك ; فقال أبو حنيفة : لا دية في ذلك ، وهو مذهب ابن عباس وعكرمة وقتادة وجماعة من التابعين ، وفيه الكفارة : أما وجوب الكفارة فلأنه أتلف نفسا مؤمنة . وأما امتناع الدية عندهم فاختلفوا في ذلك ; فقال بعضهم : إنما لم تجب الدية لهم لئلا يستعينوا بها على حرب المسلمين . وقال آخرون : إنما لم تجب لهم دية ; لأنه ليس بينهم وبين الله عز وجل عهد ولا ميثاق .

                                                                                                                                                                                                              وأما أبو حنيفة فعول على أن العاصم للعبد في ذمته " لا إله إلا الله " ، وأن العاصم له في ماله الدار ; فإذا أسلم وبقي في دار الحرب فقد اعتصم عصمة قويمة يجب بها على قاتله الكفارة ، وليس له عصمة مقومة ; فدمه وماله هدر ، ولو أنه هاجر إلى أرض الإسلام وترك أهله في دار الحرب فلا حرمة لهم . وهذا هو قطعة من مذهب مالك ; فإن الدار عند مالك العاصمة للأهل والمال . وقد مهدنا ذلك في مسائل الخلاف . [ ص: 603 ]

                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : الإسلام يعصم مال المسلم وأهله ودمه حيث كانوا . والمسألة في نهاية الإشكال ، ومذهب الشافعي فيها أسلم ، وعلى هذا عند هؤلاء لم يذكر أنه الدية ; لأنها لم تجب ، وعلى المذهب المالكي لم يذكرها الله سبحانه ; لأنها لم يكن لها مستحق ; فلو كان لها مستحق لوجبت ; لأن سبب الوجوب موجود وهو الإسلام ، وجل أن يكون الله لم يذكر الدية ; لأن الهجرة كانت على من آمن فرضا ، ومن أسلم ولم يهاجر فلا إسلام له ولا ولاية ، فأما مذ سقط فرض الهجرة بعصمة الإسلام فوجب له الدية والكفارة أينما كان .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية