[ ص: 109 ] وأما إن كان هذا الذي ولكن تكاسل عنها بعض الأوقات، فهذا يجب عليه عند جمهور العلماء، وعند بعضهم إذا تاب فلا قضاء عليه، بخلاف ما لو نام عنها أو نسيها فإن هذا عليه القضاء بالسنة والإجماع. ومن قال: العامد لا يقضي، فإن ذنبه أكبر ولا ينفعه القضاء، لكن إذا تاب فالتوبة تجب ما قبلها. والذين أوجبوا عليه القضاء أوجبوه بحسب الإمكان. فوت بعض الصلاة عمدا مؤمنا، يعتقد وجوبها ويعزم على أدائها،
وأكثرهم يقولون: إذا كثرت الفوائت لم يجب قضاؤها على الفور مرتبة، كأبي حنيفة في إحدى الروايتين، وأصحاب وأحمد في أصح الوجهين، يوجبون قضاء ما تعمد تركه على الفور، الشافعي في الرواية الأخرى يوجب قضاء الجميع على الفور مرتبا، لكن بحسب الإمكان، بحيث لا يشغله عما لا بد له منه من معيشة ونحوها، ولا يضعفه عن واجب أو ما لا بد منه. وأحمد
والكثير الذي لا يجب فيه الفور والترتيب، قيل: هو صلاة يوم وليلة، كما هو في مذهب أبي حنيفة وقيل: ما لا يمكن فعله إلا بفوت الحاضرة، كما هو المنقول عن ومالك. أحمد.
والذي ينبغي لهذا التائب أن يجتهد في المحافظة على الصلاة فيما بقي من عمره، وإن قصر في قضاء الفوائت فليجتهد في الاستكثار من النوافل، فإنه يحاسب بها يوم القيامة، كما قال صلى الله عليه وسلم : "أول ما يحاسب به العبد [ ص: 110 ] صلاته، فإن كان أتمها كتبت تامة، وإن لم يكن أتمها قال الله: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتكملون به فريضته، ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك".
وأما إن قدر أنه عجز عن القضاء، فلم يتفرغ حتى مات بعد التوبة، فهذا مغفور له، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وكذلك لو قضى البعض وعجز عن البعض، ومن العجز أن يكون بحيث لو اشتغل بالقضاء لتضرر في معيشته وما يحتاج إليه لنفقة عياله وقضاء ديونه ونحو ذلك، فإنه ليس عليه أن يواصل القضاء مواصلة تمنعه عما لا بد منه باتفاق العلماء. والله أعلم. [ ص: 111 ]