[ ص: 159 ] فصل في
nindex.php?page=treesubj&link=28723اسمه تعالى "القيوم" [ ص: 160 ] [ ص: 161 ] فصل
في اسمه تعالى "القيوم"
وقد قرأ طائفة "القيام" و"القيم" ، وكلها مبالغات في القائم وزيادة . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط ،
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت . فهو قائم بالقسط وهو العدل ، وقائم على كل نفس بما كسبت ، وقيامه بالقسط على كل نفس يستلزم قدرته ، فدل هذا الاسم على أنه قادر وأنه عادل .
وسنبين أن عدله يستلزم الإحسان ، وأن كل ما يفعله فهو إحسان للعباد ونعمة عليهم . ولهذا يقول عقيب ما يعدده من النعم على العباد :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=13فبأي آلاء ربكما تكذبان ، وآلاؤه هي نعمه ، وهي متضمنة لقدرته ومشيئته ، كما هي مستلزمة لرحمته وحكمته .
وأيضا فلفظ "القيام" يقتضي شيئين : القوة والثبات والاستقرار ، ويقتضي العدل والاستقامة ، فالقائم ضد الواقع ، كما أنه ضد الزائل ،
[ ص: 162 ] والمستقيم ضد المعوج المنحرف ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661806 "ما من قلب من قلوب العباد إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن ، إن شاء أن يقيمه أقامه ، وإن شاء أن يزيغه أزاغه" .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=8ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم .
ومنه تقويم السهم والصف ، وهو تعديله ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=694303 "أقيموا صفوفكم ، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة" . وكان يقوم الصف كما يقوم القدح .
ومنه الصراط المستقيم والاستقامة ، وهذا من هذا ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم من طريقة أهل التوراة .
وما يهدي إليه القرآن أقوم مما يهدي إليه الكتاب الذي [قبله] ، وإن كان ذلك يهدي إلى الصراط المستقيم ، لكن القرآن يهدي للتي هي أقوم . ولهذا ذكر هذا بعد قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم .
[ ص: 163 ]
ولما كان القيام بالأمور بطريقة القرآن يقتضي شيئين : القوة والثبات ، مع العدل والاستقامة ، جاء الأمر بذلك في مثل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8كونوا قوامين لله شهداء بالقسط .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وأقيموا الشهادة لله يقتضي أنه يأتي بها تامة مستقيمة ، فإن الشاهد قد يضعف عن أدائها وقد يحرفها ، فإذا أقامها كان ذلك لقوته واستقامته .
وكذلك إقام الصلاة يقتضي إدامتها والمحافظة عليها باطنا وظاهرا ، وأن يأتي بها مستقيمة معتدلة . ولما كانت صلاة الخوف فيها نقص لأجل الجهاد قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=103فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة ، فإن الرجل قد يصلي ولا يقيم الصلاة لنقص طمأنينتها والسكينة فيها ، فلا تكون صلاته ثابتة مستقرة ، أو لنقص خضوعه لله وإخلاصه له ، فلا تكون معتدلة ، فإن رأس العدل عبادة الله وحده لا شريك له ، كما أن رأس الظلم هو الشرك ، إذ كان الظلم وضع الشيء في غير موضعه ، ولا أظلم ممن وضع العبادة في غير موضعها فعبد غير الله ، فعبادة الله أصل العدل والاستقامة . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين ، فأمر بإقامة الوجه له عند كل مسجد ،
[ ص: 164 ] وهو التوحيد وتوجيه الوجه إليه سبحانه ، فإن توجيهه إلى غيره زيغ . وبالإخلاص يكون العبد قائما ، وبالشرك زائغا ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فأقم وجهك للدين حنيفا ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=43فأقم وجهك للدين القيم .
وإقامته : توجيهه إلى الله وحده ، وهو أيضا إسلامه ، فإن إسلام الوجه لله يقتضي إخضاعه له وإخلاصه له .
وفي القرآن إقامة الوجه ، وفيه توجيهه لله وإسلامه لله ، وتوجيهه وإسلامه هو إقامته ، وهو ضد إزاغته . فلما كانت الصلاة تضمنت هذا وهذا ، وهو عبادته وحده وإخلاص الدين له وتوجيه الوجه إليه ، كما فيها هذا العدل ، فلا بد من هذا ولا بد من الطمأنينة فيها ، وهي إنما تكون مقامة بهذا ، وهذا هو الخضوع ، فإن الخشوع يجمع معنيين : أحدهما الذل والخضوع والتواضع ، والثاني السكون والثبات . ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=43خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي ، وهو الانخفاض والسكون . ومنه خشوع الأرض ، وهو سكونها وانخفاضها ، فإذا أنزل عليها الماء اهتزت بدل السكون ، وربت بدل الانخفاض .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135كونوا قوامين بالقسط ،
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8قوامين لله . و"القوام"
[ ص: 165 ] هو القيام ، فإن "قيام" و"قيوم" أصله قيوام وقيووم ، ولكن اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما بالأخرى ، لأن الياء أخف من الواو . قال الفراء : وأهل الحجاز يصرفون الفعال إلى الفيعال ، ويقولون للصواغ : صياغ .
قلت : هذا إذا أرادوا الصفة ، وهي ثبات المعنى للموصوف ، عدلوا عن "فعال" إلى "فيعال" كما في سائر الصفات المعدولة ، فإن من هذا قلب المضعف حرف عينه ، والحروف المختلفة أبلغ من حرف واحد مشدد . وأما إذا أرادوا الفعل فهو كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135كونوا قوامين بالقسط ، ولم يقل "قيامين" .
وقد قرأ طائفة من السلف : "الحي القيام" ، ولم يقرأ أحد قط : "كونوا قيامين بالقسط" ، لأن المقصود أمرهم أن يقوموا بالقسط ، والأمر طلب فعل يحدثه المأمور . بخلاف الخبر عن الموصوف بأنه صياغ ، فإنه خبر عن صفة ثابتة له . ولهذا جاء في أسماء الله "القيام" ، ولم يجئ "القوام" ، قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وغير واحد "القيام" ، وقرأ طائفة "القيم" . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري : هي كذلك في مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود . ومن
nindex.php?page=treesubj&link=33177دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين :
nindex.php?page=hadith&LINKID=103095 "ولك الحمد ، أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن" .
[ ص: 159 ] فَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28723اسْمِهِ تَعَالَى "الْقَيُّومِ" [ ص: 160 ] [ ص: 161 ] فَصْلٌ
فِي اسْمِهِ تَعَالَى "الْقَيُّومِ"
وَقَدْ قَرَأَ طَائِفَةٌ "الْقَيَّامَ" وَ"الْقَيِّمَ" ، وَكُلُّهَا مُبَالَغَاتٌ فِي الْقَائِمِ وَزِيَادَةٌ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ . فَهُوَ قَائِمٌ بِالْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْلُ ، وَقَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ، وَقِيَامُهُ بِالْقِسْطِ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ يَسْتَلْزِمُ قُدْرَتَهُ ، فَدَلَّ هَذَا الِاسْمُ عَلَى أَنَّهُ قَادِرٌ وَأَنَّهُ عَادِلٌ .
وَسَنُبَيِّنُ أَنَّ عَدْلَهُ يَسْتَلْزِمُ الْإِحْسَانَ ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ فَهُوَ إِحْسَانٌ لِلْعِبَادِ وَنِعْمَةٌ عَلَيْهِمْ . وَلِهَذَا يَقُولُ عَقِيبَ مَا يُعَدِّدُهُ مِنَ النِّعَمِ عَلَى الْعِبَادِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=13فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ، وَآلَاؤُهُ هِيَ نِعَمُهُ ، وَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ ، كَمَا هِيَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِرَحْمَتِهِ وَحِكْمَتِهِ .
وَأَيْضًا فَلَفْظُ "الْقِيَامِ" يَقْتَضِي شَيْئَيْنِ : الْقُوَّةَ وَالثَّبَاتَ وَالِاسْتِقْرَارَ ، وَيَقْتَضِي الْعَدْلَ وَالِاسْتِقَامَةَ ، فَالْقَائِمُ ضِدُّ الْوَاقِعِ ، كَمَا أَنَّهُ ضِدُّ الزَّائِلِ ،
[ ص: 162 ] وَالْمُسْتَقِيمُ ضِدُّ الْمُعْوَجِّ الْمُنْحَرِفِ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661806 "مَا مِنْ قَلْبٍ مِنْ قُلُوبِ الْعِبَادِ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ ، إِنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ" .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=8رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ .
وَمِنْهُ تَقْوِيمُ السَّهْمِ وَالصَّفِّ ، وَهُوَ تَعْدِيلُهُ ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=694303 "أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفَّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ" . وَكَانَ يُقَوِّمُ الصَّفَّ كَمَا يُقَوَّمُ الْقِدْحُ .
وَمِنْهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَالِاسْتِقَامَةُ ، وَهَذَا مِنْ هَذَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ مِنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ التَّوْرَاةِ .
وَمَا يَهْدِي إِلَيْهِ الْقُرْآنُ أَقْوَمُ مِمَّا يَهْدِي إِلَيْهِ الْكِتَابُ الَّذِي [قَبْلَهُ] ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَهْدِي إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، لَكِنَّ الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ . وَلِهَذَا ذَكَرَ هَذَا بَعْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ .
[ ص: 163 ]
وَلَمَّا كَانَ الْقِيَامُ بِالْأُمُورِ بِطَرِيقَةِ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي شَيْئَيْنِ : الْقُوَّةَ وَالثَّبَاتَ ، مَعَ الْعَدْلِ وَالِاسْتِقَامَةِ ، جَاءَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا تَامَّةً مُسْتَقِيمَةً ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَضْعُفُ عَنْ أَدَائِهَا وَقَدْ يُحَرِّفُهَا ، فَإِذَا أَقَامَهَا كَانَ ذَلِكَ لِقُوَّتِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ .
وَكَذَلِكَ إِقَامُ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي إِدَامَتَهَا وَالْمُحَافَظَةَ عَلَيْهَا بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، وَأَنْ يَأْتِيَ بِهَا مُسْتَقِيمَةً مُعْتَدِلَةً . وَلَمَّا كَانَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ فِيهَا نَقْصٌ لِأَجْلِ الْجِهَادِ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=103فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُصَلِّي وَلَا يُقِيمُ الصَّلَاةَ لِنَقْصِ طُمَأْنِينَتِهَا وَالسَّكِينَةِ فِيهَا ، فَلَا تَكُونُ صَلَاتُهُ ثَابِتَةً مُسْتَقِرَّةً ، أَوْ لِنَقْصِ خُضُوعِهِ لِلَّهِ وَإِخْلَاصِهِ لَهُ ، فَلَا تَكُونُ مُعْتَدِلَةً ، فَإِنَّ رَأْسَ الْعَدْلِ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، كَمَا أَنَّ رَأْسَ الظُّلْمِ هُوَ الشِّرْكُ ، إِذْ كَانَ الظُّلْمُ وَضْعَ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ، وَلَا أَظْلَمَ مِمَّنْ وَضَعَ الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا فَعَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ ، فَعِبَادَةُ اللَّهِ أَصْلُ الْعَدْلِ وَالِاسْتِقَامَةِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، فَأَمَرَ بِإِقَامَةِ الْوَجْهِ لَهُ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ،
[ ص: 164 ] وَهُوَ التَّوْحِيدُ وَتَوْجِيهُ الْوَجْهِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ ، فَإِنَّ تَوْجِيهَهُ إِلَى غَيْرِهِ زَيْغٌ . وَبِالْإِخْلَاصِ يَكُونُ الْعَبْدُ قَائِمًا ، وَبِالشِّرْكِ زَائِغًا ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=43فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ .
وَإِقَامَتُهُ : تَوْجِيهُهُ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ ، وَهُوَ أَيْضًا إِسْلَامُهُ ، فَإِنَّ إِسْلَامَ الْوَجْهِ لِلَّهِ يَقْتَضِي إِخْضَاعَهُ لَهُ وَإِخْلَاصَهُ لَهُ .
وَفِي الْقُرْآنِ إِقَامَةُ الْوَجْهِ ، وَفِيهِ تَوْجِيهُهُ لِلَّهِ وَإِسْلَامُهُ لِلَّهِ ، وَتَوْجِيهُهُ وَإِسْلَامُهُ هُوَ إِقَامَتُهُ ، وَهُوَ ضِدُّ إِزَاغَتِهِ . فَلَمَّا كَانَتِ الصَّلَاةُ تَضَمَّنَتْ هَذَا وَهَذَا ، وَهُوَ عِبَادَتُهُ وَحْدَهُ وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ وَتَوْجِيهُ الْوَجْهِ إِلَيْهِ ، كَمَا فِيهَا هَذَا الْعَدْلُ ، فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا وَلَا بُدَّ مِنَ الطُّمَأْنِينَةِ فِيهَا ، وَهِيَ إِنَّمَا تَكُونُ مُقَامَةً بِهَذَا ، وَهَذَا هُوَ الْخُضُوعُ ، فَإِنَّ الْخُشُوعَ يَجْمَعُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا الذُّلُّ وَالْخُضُوعُ وَالتَّوَاضُعُ ، وَالثَّانِي السُّكُونُ وَالثَّبَاتُ . وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=43خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=45خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنَ طَرْفٍ خَفِيٍّ ، وَهُوَ الِانْخِفَاضُ وَالسُّكُونُ . وَمِنْهُ خُشُوعُ الْأَرْضِ ، وَهُوَ سُكُونُهَا وَانْخِفَاضُهَا ، فَإِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهَا الْمَاءُ اهْتَزَّتْ بَدَلَ السُّكُونِ ، وَرَبَتْ بَدَلَ الِانْخِفَاضِ .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8قَوَّامِينَ لِلَّهِ . وَ"الْقَوَّامُ"
[ ص: 165 ] هُوَ الْقَيَّامُ ، فَإِنَّ "قَيَّامٌ" وَ"قَيُّومٌ" أَصْلُهُ قَيْوَامٌ وَقَيْوُومٌ ، وَلَكِنِ اجْتَمَعَتِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ وَسُبِقَتْ إِحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى ، لِأَنَّ الْيَاءَ أَخَفُّ مِنَ الْوَاوِ . قَالَ الْفَرَّاءُ : وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُصَرِّفُونَ الْفَعَّالَ إِلَى الْفَيْعَالِ ، وَيَقُولُونَ لِلصَّوَّاغِ : صَيَّاغٌ .
قُلْتُ : هَذَا إِذَا أَرَادُوا الصِّفَةَ ، وَهِيَ ثَبَاتُ الْمَعْنَى لِلْمَوْصُوفِ ، عَدَلُوا عَنْ "فَعَّالٍ" إِلَى "فَيْعَالٍ" كَمَا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ الْمَعْدُولَةِ ، فَإِنَّ مِنْ هَذَا قَلْبَ الْمُضَعَّفِ حَرْفَ عَيْنِهِ ، وَالْحُرُوفُ الْمُخْتَلِفَةُ أَبْلَغُ مِنْ حَرْفٍ وَاحِدٍ مُشَدَّدٍ . وَأَمَّا إِذَا أَرَادُوا الْفِعْلَ فَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ ، وَلَمْ يَقُلْ "قَيَّامِينَ" .
وَقَدْ قَرَأَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ : "الْحَيُّ الْقَيَّامُ" ، وَلَمْ يَقْرَأْ أَحَدٌ قَطُّ : "كُونُوا قَيَّامِينَ بِالْقِسْطِ" ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَمْرُهُمْ أَنْ يَقُومُوا بِالْقِسْطِ ، وَالْأَمْرُ طَلَبُ فِعْلٍ يُحْدِثُهُ الْمَأْمُورُ . بِخِلَافِ الْخَبَرِ عَنِ الْمَوْصُوفِ بِأَنَّهُ صَيَّاغٌ ، فَإِنَّهُ خَبَرٌ عَنْ صِفَةٍ ثَابِتَةٍ لَهُ . وَلِهَذَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ "الْقَيَّامُ" ، وَلَمْ يَجِئِ "الْقَوَّامُ" ، قَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ "الْقَيَّامُ" ، وَقَرَأَ طَائِفَةٌ "الْقَيِّمُ" . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : هِيَ كَذَلِكَ فِي مُصْحَفِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ . وَمِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=33177دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحَيْنِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=103095 "وَلَكَ الْحَمْدُ ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ" .