فصل في الربا
قد تدبرت [الربا] مرات عودا على بدء ، وما فيه من النصوص والمعاني والآثار ، فتبين لي -ولا حول ولا قوة إلا بالله- بعد استخارة الله أن
nindex.php?page=treesubj&link=5363أصل الربا هو الإنساء ، مثل أن يبيع الدراهم إلى أجل بأكثر منها ، ومنها أن يؤخر دينه ويزيد في المال . وهذا هو
nindex.php?page=treesubj&link=33278_30578الربا الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية . وقد سئل
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل عن الربا الذي لا شك فيه ، فذكر هذا ، وهو أن يكون له دين فيقول له : أتقضي أم تربي ؟ فإن لم يقضه زاده في المال ، وزاده هذا في الأجل ، فيربو المال على المحتاج من غير نفع حصل له ، ويزيد مال المربي من غير نفع حصل منه للمسلمين . فهذا حرمه الله تعالى ؛ لأن فيه ضررا على المحاويج ، وفيه أكل المال بالباطل .
وقد كان من العلماء المشهورين في زماننا غير واحد يقولون : لا نعرف حكم تحريم الربا ، وذلك أنهم نظروا في جملة ما يحرم ، فلم يروا فيه مفسدة ظاهرة . والتحقيق أن
nindex.php?page=treesubj&link=5372الربا نوعان : جلي وخفي ، فالجلي حرم لما فيه من الضرر والظلم ، والخفي حرم لأنه ذريعة إلى الجلي .
[ ص: 282 ] nindex.php?page=treesubj&link=23758_33278فربا النساء من الجلي ، فإنه يضر بالمحاويج ضررا عظيما ظاهرا ، وهذا مجرب ، والغني يأكل أموال الناس بالباطل ؛ لأن ماله ربا من غير نفع حصل للخلق ، ولهذا جعل الله الربا ضد الصدقات ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=276يمحق الله الربا ويربي الصدقات [البقرة :276] . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون [الروم :39] . وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم في أول ما أنزل عليه :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=6ولا تمنن تستكثر [المدثر :6] . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة الآيات إلى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134والله يحب المحسنين [آل عمران :130 - 134] . فنهى عن الربا الذي فيه ظلم الناس ، وأمر بالإحسان إلى الناس المضاد للربا .
وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=659999«إنما الربا في النسيئة » . وهذا الحصر يراد به حصول الكمال ، فإن الربا الكامل هو في النسيئة ، كما قال ابن مسعود : إنما العالم الذي يخشى الله . وكما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم [الأنفال :2] ، ومثل ذلك كثير .
فأما ربا الفضل فإنما نهي عنه لسد الذريعة ، كما في المسند مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث سعد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=935716«لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين ، فإني [ ص: 283 ] أخاف عليكم الرماء . والرماء هو الربا » .
فَصْلٌ فِي الرِّبَا
قَدْ تَدَبَّرْتُ [الرِّبَا] مَرَّاتٍ عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ ، وَمَا فِيهِ مِنَ النُّصُوصِ وَالْمَعَانِي وَالْآثَارِ ، فَتَبَيَّنَ لِي -وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ- بَعْدَ اسْتِخَارَةِ اللَّهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=5363أَصْلَ الرِّبَا هُوَ الْإِنْسَاءُ ، مِثْلَ أَنْ يَبِيعَ الدَّرَاهِمَ إِلَى أَجَلٍ بِأَكْثَرَ مِنْهَا ، وَمِنْهَا أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنَهُ وَيَزِيدَ فِي الْمَالِ . وَهَذَا هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=33278_30578الرِّبَا الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . وَقَدْ سُئِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنِ الرِّبَا الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ ، فَذَكَرَ هَذَا ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ دَيْنٌ فَيَقُولُ لَهُ : أَتَقْضِي أَمْ تُرْبِي ؟ فَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ زَادَهُ فِي الْمَالِ ، وَزَادَهُ هَذَا فِي الْأَجَلِ ، فَيَرْبُو الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَاجِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ حَصَلَ لَهُ ، وَيَزِيدُ مَالُ الْمُرْبِي مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ حَصَلَ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ . فَهَذَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْمَحَاوِيجِ ، وَفِيهِ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ .
وَقَدْ كَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ فِي زَمَانِنَا غَيْرُ وَاحِدٍ يَقُولُونَ : لَا نَعْرِفُ حُكْمَ تَحْرِيمِ الرِّبَا ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ نَظَرُوا فِي جُمْلَةِ مَا يَحْرُمُ ، فَلَمْ يَرَوْا فِيهِ مَفْسَدَةً ظَاهِرَةً . وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=5372الرِّبَا نَوْعَانِ : جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ ، فَالْجَلِيُّ حُرِّمَ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ وَالظُّلْمِ ، وَالْخَفِيُّ حُرِّمَ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إِلَى الْجَلِيِّ .
[ ص: 282 ] nindex.php?page=treesubj&link=23758_33278فَرِبَا النَّسَاءِ مِنَ الْجَلِيِّ ، فَإِنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَحَاوِيجِ ضَرَرًا عَظِيمًا ظَاهِرًا ، وَهَذَا مُجَرَّبٌ ، وَالْغَنِيُّ يَأْكُلُ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ؛ لِأَنَّ مَالَهُ رَبَا مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ حَصَلَ لِلْخَلْقِ ، وَلِهَذَا جَعَلَ اللَّهُ الرِّبَا ضِدَّ الصَّدَقَاتِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=276يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [الْبَقَرَةِ :276] . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الرُّومِ :39] . وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=6وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [الْمُدَّثِّرِ :6] . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=130يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آلِ عِمْرَانَ :130 - 134] . فَنَهَى عَنِ الرِّبَا الَّذِي فِيهِ ظُلْمُ النَّاسِ ، وَأَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ الْمُضَادِّ لِلرِّبَا .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=111أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=659999«إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ » . وَهَذَا الْحَصْرُ يُرَادُ بِهِ حُصُولُ الْكَمَالِ ، فَإِنَّ الرِّبَا الْكَامِلَ هُوَ فِي النَّسِيئَةِ ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : إِنَّمَا الْعَالِمُ الَّذِي يَخْشَى اللَّهَ . وَكَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الْأَنْفَالِ :2] ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ .
فَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ ، كَمَا فِي الْمُسْنَدِ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=935716«لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ ، فَإِنِّي [ ص: 283 ] أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ . وَالرَّمَّاءُ هُوَ الرِّبَا » .