يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام [ ص: 342 ] مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام .
[95] ونزل في رجل يقال له: أبو اليسر شد على حمار وحشي وهو محرم فقتله: يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم جمع حرام; أي: محرمون بالحج وبالعمرة.
ومن قتله منكم متعمدا والمتعمد: القاصد للشيء مع العلم بالإحرام، والمخطئ: هو الذي يقصد شيئا فيصيب صيدا، والناسي: هو الذي يتعمد الصيد ولا يذكر إحرامه، فيجب الجزاء في العمد والخطأ والنسيان بالاتفاق، وعن رواية: لا شيء على المخطئ والناسي; لأن الله سبحانه لما خص المتعمد بالذكر، دل على أن غيره يخالفه، قال: والأصل براءة الذمة، فمن ادعى شغلها، فعليه الدليل، والصحيح من مذهبه: وجوب الجزاء. أحمد
فجزاء مثل ما قتل من النعم قرأ عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، (فجزاء) منون (مثل) رفع على البدل من الجزاء، وقرأ الباقون بالإضافة; أي: يجب عليه ما يقرب من الصيد المقتول شبها به من حيث الخلقة، والذي يجزئ من الصيد شيئان: دواب، وطير، فيجزئ ما كان [ ص: 343 ] من الدواب بنظيره في الخلقة والصورة عند الثلاثة، وقال ويعقوب: إنما يعتبر بالمثل في القيمة دون الخلقة، فيقوم الصيد بدراهم في المكان الذي قتله، وفي أقرب موضع إليه إن كان لا يباع الصيد في موضع قتل، فيشتري بتلك القيمة هديا يذبحه إن شاء، أو يشتري بها طعاما، ويطعم للمساكين، كل مسكين نصف صاع من بر، أو صاعا من شعير أو تمر، وإن شاء صام عن كل نصف صاع يوما. أبو حنيفة:
وقال في النعامة بدنة، وفي بقر الوحش وحماره بقرة، وفي الضبع والثعلب شاة، وفي نحو الضب والأرنب القيمة طعاما، وفي الحمام كله قيمته، إلا حمام مكة، فإن فيه شاة اتباعا للسلف في ذلك. مالك:
وقال في النعامة وبقر الوحش وحماره كقول الشافعي: وفي الغزال عنز، وفي الأرنب عناق، واليربوع جفرة، وما لا نقل فيه يحكم بمثله عدلان، وفيما لا مثل له القيمة. مالك،
وقال في النعامة كقول أحمد مالك وفي حمار الوحش وبقره والأيل والثيتل والوعل بقرة، وفي الضبع كبش، وفي الغزال شاة، وفي الوبر والضب جدي، وفي اليربوع جفرة لها أربعة أشهر، وفي الأرنب عناق، وفي الحمام شاة، وفيما لا مثل له وهي سائر الطير قيمته. واتفق والشافعي، مالك والشافعي على أنه مخير في الصيد المثلي بين ذبح مثله، والصدقة به على مساكين الحرم، أو بين أن يقوم المثل ويشتري به طعاما، فيطعم كل مسكين مدا، أو يصوم عن كل مد يوما. وأحمد
واختلفوا في فقال المحرم إذا دل حلالا على صيد فقتله الحلال، مالك لا شيء عليه، وقال أبو حنيفة وأحمد: عليه الجزاء. [ ص: 344 ] والشافعي:
يحكم به أي: بالجزاء.
ذوا عدل منكم أي: عدلان من المسلمين، فينظران أشبه الأشياء إلى المقتول، فيحكمان به، ويجوز أن يكون القاتل أحد العدلين عند الشافعي وقال وأحمد، أبو حنيفة لا يجوز. ومالك:
هديا بالغ الكعبة أي: يبلغ بالهدي الحرم، فينحر فيه، ويتصدق به على مساكينه عند الشافعي وعند وأحمد، يذبح بالحرم، ويتصدق به حيث شاء، والاختيار عند مالك أن يطعم القاتل حيث وجب الجزاء عليه، فإن أطعم في مكان غيره، أجزأ عنه. أبي حنيفة
أو كفارة طعام مساكين أي: هي طعام. قرأ نافع، وابن عامر، (كفارة) بغير تنوين (طعام) بالخفض على الإضافة، والباقون: بالتنوين، ورفع (طعام). وأبو جعفر:
أو عدل ذلك صياما أو ما ساواه من الصوم، والعدل بالفتح: المثل من غير جنسه، والمراد: أن الجاني مخير في جزاء الصيد بين ذبح المثل من النعم، والتصدق بلحمه، وبين أن يقوم المثل دراهم يشتري بها طعاما، فيتصدق به، أو يصوم كما تقدم ذكره قريبا في فقه الآية، وله أن يصوم حيث شاء بالاتفاق; لأنه لا نفع فيه للمساكين.
ليذوق وبال أمره جزاء معصيته، وأصل الوبال: الثقل.
عفا الله عما سلف قبل تحريم الصيد. [ ص: 345 ]
ومن عاد إلى ما نهي عنه.
فينتقم الله منه في الآخرة.
والله عزيز ذو انتقام ممن أصر على عصيانه.
* * *