يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا .
[43] يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة أي: لا تصلوا يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة قرأ عن الدوري (سكارى) بالإمالة، بخلاف عنه، واتفق الأئمة على أن الكسائي وكذا من لا يميز عند الثلاثة، خلافا السكران الذي يميز مكلف، والمراد: السكر من الخمر عند الأكثر. لمالك،
سبب نزولها: أن صنع طعاما، وجمع عليه جماعة من الصحابة، فأكلوا وشربوا الخمر قبل تحريمها، فأخذت منهم، فقدموا واحدا منهم، فصلى بهم المغرب، فقرأ: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، بحذف (لا) إلى آخرها، فصاروا يجتنبون السكر وقت الصلاة حتى نزل تحريم الخمر. [ ص: 131 ] عبد الرحمن بن عوف
ولا جنبا نصب على الحال، يستوي فيه الواحد والجمع، والذكر والأنثى، وأصل الجنابة: البعد، وسمي جنبا; لأنه يجتنب موضع الصلاة.
إلا عابري سبيل مجتازي سبيل.
حتى تغتسلوا أي: لا تقربوا الصلاة في حال سكر ولا جنابة إلا في حال السفر عبورا في المسجد، وذلك إذا لم يجد الماء، وتيمم، وقيل معناه: إلا مجتازين فيه للخروج منه. لا تقربوا المسجد وأنتم جنب
واختلف الأئمة فيه، فأباح الشافعي المرور فيه، ومنع منه وأحمد أبو حنيفة وقال ومالك، إن احتاج إلى ذلك تيمم، ودخل، وأما اللبث فيه، فلا يجوز عند الثلاثة، وعند أبو حنيفة: إذا توضأ جاز له اللبث، فلو تعذر، واحتاج إليه، جاز من غير تيمم، ويتيمم لأجل لبثه للغسل. أحمد
وحكم الخلاف في الحائض والنفساء كالجنب في ذلك، إلا أن الشافعي إلا إذا أمنت تلويثه، لا يبيح للحائض دخول المسجد لا يبيح للحائض والنفساء اللبث فيه إذا توضأتا إلا بعد انقطاع دمهما. وأحمد
وإن كنتم مرضى مرضا يضره مس الماء، أو يخشى منه زيادة الألم، أو تطاوله.
واختلف الأئمة فيمن بعض بدنه صحيح، والبعض جريح، فقال أبو حنيفة: الاعتبار بالأكثر، فإن كان هو الصحيح، غسله فقط، وسقط حكم الجريح إلا أنه يستحب مسحه، وإن كان الأكثر جريحا، اقتصر على التيمم، وسقط الغسل، وقال الشافعي يغسل الصحيح، ويتيمم للجريح، وقال مالك: يغسل الصحيح، ويمسح الجريح، ولا يتيمم. وأحمد:
أو على سفر طويلا كان السفر أو قصيرا، فيتيمم عند فقد الماء، [ ص: 132 ] ولا إعادة عليه، بالاتفاق، وأما إذا لم يكن مريضا، ولا في سفر، لكنه عدم الماء في موضع لا يعدم فيه غالبا; كقرية انقطع ماؤها، فإنه يصلي بالتيمم، ثم يعيد عند وعند الشافعي، مالك لا إعادة عليه، وعند وأحمد يؤخر الصلاة حتى يجد الماء. أبي حنيفة
أو جاء أحد منكم من الغائط أي: الحدث، والغائط: المكان المطمئن من الأرض، وكانت عادة العرب إتيان الغائط للحدث، فكنى به عن الحدث. وتقدم اختلاف القراء في حكم الهمزتين من كلمتين عند تفسير قوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم [النساء: 5] ، وكذلك اختلافهم في قوله: أو جاء أحد منكم .
أو لامستم النساء قرأ حمزة، والكسائي، (لمستم) بغير ألف بعد اللام، وقرأ الباقون: بالألف، واللمس والملامسة واحد، وهو عبارة عن الجماع عند بعضهم، وقال بعضهم: هو التقاء البشرتين بجماع أو غيره. وخلف:
واختلف الأئمة في فقال نقض الوضوء بملاقاة بشرتي الرجل والمرأة من غير حائل، لا ينتقض، وقال أبو حنيفة: ينتقض بلمس غير المحارم، وقال الشافعي: مالك إن كان اللمس بشهوة، نقض، وإلا فلا. وأحمد:
وهل ينتقض وضوء الملموس؟ قال مالك حكمه حكم [ ص: 133 ] اللامس، وقال أحمد: لا ينتقض، ولو وجد منه شهوة، وأما الصغيرة، فلا ينقض لمسها بالاتفاق. والشافعي:
فلم تجدوا ماء فلم تتمكنوا من استعماله؛ إذ الممنوع عنه كالمفقود.
فتيمموا اقصدوا.
صعيدا طيبا ترابا طاهرا، وهو مبيح للمحدث والجنب بالاتفاق. والتيمم من خصائص هذه الأمة،
فقال واختلف الأئمة فيما يجوز به التيمم، أبو حنيفة يجوز بسائر أنواع الأرض; من ترابها وحجرها ورملها ومدرها وحصائها، وما ينطبع; كالنورة والجص والزرنيخ وغيرها من طبقات الأرض، وقالا: الصعيد: وجه الأرض، وقال ومالك: الشافعي لا يجوز التيمم إلا بتراب طهور له غبار يعلق باليد، فإن خالطه ذو غبار; كالجص ونحوه لم يجز التيمم به. وأحمد:
فامسحوا بوجوهكم وأيديكم أي: فامسحوا وجوهكم وأيديكم منه.
إن الله كان عفوا غفورا واختلفوا في فقال صفة التيمم، أبو حنيفة ومالك يضرب بيديه على الصعيد ضربتين: إحداهما للوجه، والأخرى لليدين إلى المرفقين، والاستيعاب شرط، حتى يخلل أصابعه، وقال والشافعي: السنة في التيمم أن ينوي، ثم يسمي، ويضرب بيديه مفرجتي الأصابع ضربة واحدة على التراب، فيمسح وجهه بباطن أصابعه، وكفيه براحتيه، وخالفه القاضي من أصحابه، فوافق الجماعة. [ ص: 134 ] أحمد:
ولا يصح التيمم لصلاة إلا بعد دخول وقتها، ولا يجمع بين فريضتين بتيمم واحد عند الثلاثة، وقال أبو حنيفة: التيمم كالطهارة بالماء يجوز تقديمه على وقت الصلاة، وأن يصلي به ما شاء من الفرائض.
واتفقوا على أنه يجوز أن يصلي بتيمم واحد مع الفريضة ما شاء من النوافل، وأن يقرأ القرآن إن كان جنبا.
فقال الثلاثة: هو شرط، وقال واختلفوا في طلب الماء هل هو شرط؟ ليس بشرط، فيجوز التيمم قبل الطلب; لأنه عادم حقيقة، إلا إذا غلب على ظنه أن بقربه ماء، فلا يجوز ما لم يطلبه. أبو حنيفة:
واختلفوا فيمن عدم الماء والتراب، فقال يصلي، ولا إعادة عليه، وعن مالك أربع روايات: إحداهن كمذهب أحمد: والثانية: لا يصلي حتى يجد الماء أو الصعيد، وهو مذهب أحمد، والثالثة: يصلي ويعيد، وهو مذهب الشافعي، والرابعة: لا يصلي، ولا إعادة عليه، وجزم به أبي حنيفة، الشيخ خليل في "مختصره" فقال: وتسقط صلاة وقضاؤها بعدم ماء وصعيد، ونقل القرطبي في "تفسيره" أن هذا الصحيح من مذهب ثم نقل عن مالك، إنكاره. أبي عمر بن عبد البر
واتفقوا على أن واجبة. النية في التيمم
واختلفوا في التسمية فيه، فقال هي واجبة، وتسقط سهوا، وقال الثلاثة: هي غير واجبة. [ ص: 135 ] أحمد:
واختلفوا في الترتيب والموالاة، فقال هما واجبان، وقال مالك: الموالاة واجبة، والترتيب سنة، وقال أحمد: أبو حنيفة لا يجبان، فلو ضرب بيديه ومسح بيمينه وجهه، وبيساره يمينه، جاز. والشافعي: