[ ص: 354 ] محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما .
[29] محمد مبتدأ، خبره رسول الله شهد له بالرسالة، وتقدم تفسير (محمد) في سورة آل عمران، وفي الأحزاب، ثم قال مبتدئا:
والذين معه من المؤمنين أشداء صفة الصحابة خاصة، فلا يكون -صلى الله عليه وسلم- داخلا مع الصحابة في الشدة على الكفار غلاظ عليهم كالأسد في فريسته.
رحماء بينهم متعاطفون بعضهم على بعض كالوالد مع الولد.
تراهم ركعا سجدا لأنهم مشغولون في الصلاة في أكثر أوقاتهم.
يبتغون يطلبون فضلا من الله أن يدخلهم الجنة ورضوانا أن يرضى عنهم. قرأ عن أبو بكر (رضوانا) بضم الراء، والباقون: بكسرها. عاصم:
سيماهم علاماتهم في وجوههم من أثر السجود وهو نور وبياض يعرفون به في الآخرة أنهم سجدوا في الدنيا، وروي أن [ ص: 355 ] مواضع السجود تكون في وجوههم كالقمر ليلة البدر.
ذلك الوصف المذكور مثلهم أي: صفة محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.
في التوراة وتعطف عليه.
ومثلهم في الإنجيل أي: ذلك مثلهم في الكتابين كزرع تمثيل مستأنف; أي: هم كزرع أخرج شطأه فرخه; يقال: أشطأ الزرع: إذا فرخ. قرأ ابن كثير، عن وابن ذكوان بفتح الطاء، والباقون: بإسكانها، وهما لغتان كالنهر والنهر، وقرأ ابن عامر: (أخرج شطأه) بإدغام الجيم في الشين. أبو عمرو:
فآزره قرأ بقصر الهمزة، والباقون: بالمد; أي: قواه; من المؤازرة، وهي المعاونة ابن ذكوان: فاستغلظ غلظ ذلك الزرع.
فاستوى على سوقه جمع ساق; أي: قوي واستقام على أصوله، وهذا مثل ضربه الله لنبيه، خرج وحده، فآزره بأصحابه. قرأ عن قنبل (سؤقه) بهمزة ساكنة، وعنه وجه ثان: بهمزة مضمومة، وقرأ الباقون: بغير همز. ابن كثير:
يعجب الزراع الذين زرعوه، وهذا مثل ضربه الله لبدء الإسلام وقوته [ ص: 356 ] بالصحابة بأن يكونوا قليلا فيكثروا وضعفاء، فيقوون، يوضح ذلك أن علله بقوله:
ليغيظ بهم الكفار أي: إنما كثرهم وقواهم; ليكونوا غيظا للكافرين.
قال عكرمة: أخرج شطأه فآزره بأبي بكر، فاستغلظ بعمر، فاستوى على سوقه بعثمان، بعلي بن أبي طالب.
ومن غيظ الكفار قول بمكة: "لا أعبد الله سرا بعد هذا اليوم". عمر
وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: وأقواهم في دين الله أبو بكر، وأصدقهم حياء عمر، وأقضاهم عثمان، وأقرؤهم علي، وأفرضهم أبي بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام زيد بن ثابت، وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبي ذر، أبو عبيدة بن الجراح" رضي الله عنهم أجمعين. [ ص: 357 ] "أرحم أمتي بأمتي
وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة و(منهم) لبيان الجنس وليست للتبعيض; لأنه وعد للجميع.
وأجرا عظيما يعني: الجنة، وقد اجتمع حروف المعجم التسعة والعشرون في هذه الآية، وهي محمد رسول الله إلى آخر السورة، أول حروف المعجم فيها ميم من (محمد)، وآخرها صاد من (الصالحات)، وتقدم نظير ذلك في سورة آل عمران في قوله: ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا [الآية: 154] ، وليس في القرآن آيتان كل آية حوت حروف المعجم غيرهما من دعا الله بهما استجيب له، والله أعلم.
* * *