[ ص: 287 ] ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين .
[15] ووصينا الإنسان ألزمناه، والمراد: النوع، فهي وصية من الله في عباده بوالديه إحسانا أي: ليفعل ذا حسن. قرأ الكوفيون: (إحسانا) بزيادة همزة مكسورة قبل الحاء، وإسكان الحاء وفتح السين وألف بعدها، وكذلك هو في مصاحف الكوفة، وقرأ الباقون: بضم الحاء وإسكان السين من غير همزة ولا ألف، وكذلك هو في مصاحفهم.
حملته أمه كرها على مشقة حين تتوقع حوادثه ووضعته كرها أي: كارهة، والمراد: شدة الطلق. قرأ الكوفيون، ويعقوب، عن وابن ذكوان (كرها) بضم الكاف، والباقون: بالنصب فيهما، وهما لغتان، وقد عدد تعالى على الأبناء منن الأمهات، وذكر الأم في هذه الآيات في أربع مراتب، والأب في واحدة، جمعها الذكر في قوله: لهم [ ص: 288 ] ابن عامر: كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ثم ذكر الحمل للأم، ثم الوضع لها، ثم الرضاع الذي عبر عنه بالفصال، فهذا يناسب ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين جعل للأم ثلاثة أرباع البر، والربع للأب، وذلك إذ قال له رجل: يا رسول الله! من أبر؟ قال: "أمك" ثم قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك" ثم قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك" ثم قال: ثم من؟ قال: "ثم أباك".
وحمله أي: مدة حمله وفصاله عن الرضاع، والمراد: فطامه.
قرأ (وفصله) بفتح الفاء وإسكان الصاد من غير ألف، وقرأ الباقون: بكسر الفاء وفتح الصاد وألف بعدها. يعقوب:
ثلاثون شهرا يريد: أقل مدة الحمل، وهي ستة أشهر، وأكثر مدة الرضاع أربعة وعشرون شهرا.
وعن قال: "إذا حملت المرأة تسعة أشهر، أرضعت إحدى وعشرين شهرا، وإذا حملت ستة أشهر، أرضعت أربعة وعشرين شهرا". [ ص: 289 ] ابن عباس
واتفق الأئمة على أن ستة أشهر، واختلفوا في أكثر مدته، فقال أقل مدة الحمل سنتان، والمشهور عن أبو حنيفة: خمس سنين، وروي عنه: أربع، وسبع، وعند مالك: الشافعي أربع سنين، وغالبها: تسعة أشهر، وتقدم نظير ذلك في سورة الرعد. وأحمد:
حتى إذا بلغ أشده وهو كمال قوته وعقله ورأيه، أقله ثلاث وثلاثون سنة، وأكثره أربعون سنة.
وبلغ أربعين سنة نزلت في -رضي الله عنه-[وأبيه أبي بكر الصديق أبي قحافة عثمان بن عمرو، وأمه أم الخير بنت صخر بن عمر.
وقال -رضي الله عنه-]: الآية في علي بن أبي طالب أسلم أبواه جميعا، ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أبواه غيره، أوصاه الله بهما، ولزم ذلك من بعده، وكان أبي بكر، -رضي الله عنه- صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن ثمان عشرة سنة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ابن عشرين سنة في تجارة إلى الشام، فلما بلغ أربعين سنة، ونبئ النبي -صلى الله عليه وسلم- آمن به، ثم دعا ربه، و أبو بكر قال رب أوزعني ألهمني. قرأ عن ورش نافع، عن والبزي (أوزعني) بفتح الياء، والباقون: بإسكانها. [ ص: 290 ] ابن كثير:
أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي بها، وهي التوحيد.
وأن أعمل صالحا ترضاه قال "هي الصلوات الخمس" وقيل: أراد نوعا من الجنس يستجلب رضا الله تعالى. ابن عباس:
وأصلح لي في ذريتي اجعل الصلاح راسخا فيهم.
إني تبت إليك عما لا ترضاه وإني من المسلمين المخلصين لك، فأجابه الله -عز وجل- فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله، ولم يرد شيئا من الخير إلا أعانه الله عليه، ولم يكن له ولد إلا آمنوا، فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعا، فأدرك أبو قحافة النبي -صلى الله عليه وسلم- وابنه وابنه أبو بكر، عبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عبد الرحمن هو محمد يكنى: أبا عتيق، كلهم أدركوا النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة.
* * *