وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم .
[33] وليستعفف يطلب العفة عن الزنا الذين لا يجدون نكاحا أي : [ ص: 534 ]
قدرة على النكاح حتى يغنيهم الله يوسع عليهم من فضله .
قال - صلى الله عليه وسلم - : . "يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة ، فليتزوج ؛ فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع ، فعليه بالصوم ؛ فإنه له وجاء"
والذين يبتغون الكتاب أي : يطلبون عقد الكتابة .
مما ملكت أيمانكم عبدا كان أو أمة فكاتبوهم أمر ندب .
وسبب نزول الآية : ما روي أن غلاما لحويطب بن عبد العزى سأل مولاه أن يكاتبه ، فأبى عليه ، فأنزل الله الآية ، فكاتبه على مئة دينار ، ووهب له منها عشرين ، فأداها ، وقتل يوم حنين في الحرب ، حويطب ، فيقول الرجل لمملوكه : كاتبتك على كذا من المال ، والعبد يقبل ذلك ، فإذا أدى المال ، عتق ، ويصير العبد أحق بمكاسبه بعد الكتابة ، وسميت كتابة ؛ لأن العبد كتب عليه الوفاء بالمال ، والسيد كتب عليه العتق عند أدائه ، وتصح عند والكتابة بيع سيد رقيقه بمال في ذمته مباح معلوم ، وهي مستحبة بالاتفاق أبي حنيفة بمال حال ومؤجل ومنجم ، وعند ومالك الشافعي تصح في نجمين فأكثر ، ولا تجوز عندهما حالا ، ولا في نجم واحد . وأحمد
إن علمتم فيهم خيرا كسبا وأمانة ، وهو قول الشافعي ، وقال [ ص: 535 ] مالك : الخير هو القوة على الأداء ، وقال بعض الحنفية : المراد بالخير : إقامة الصلاة وأداء الفرائض ، وقال بعضهم : المراد : ألا يضر بالمسلمين بعد العتق ، فإن كان يضر بهم ، فالأفضل ألا يكاتبه ، فلو فعل ، صح . وأحمد
وآتوهم من مال الله الذي آتاكم خطاب للمسلمين ، فعند أبي حنيفة : هو مستحب ، وعند ومالك الشافعي : هو واجب ، فمذهب وأحمد ليس له حد ، بل عليه أن يحط عنه ما شاء من المال ، أو يدفعه إليه ، والحط أولى ، وفي النجم الأخير أليق ، ومذهب الشافعي : يجب على السيد أن يؤتيه ربع مال الكتابة إن شاء ، ويضعه عنه ، وإن شاء قبضه ثم دفعه إليه . أحمد
قال - صلى الله عليه وسلم - : . "ثلاثة حق على الله عونهم : المكاتب الذي يريد الأداء ، والناكح يريد العفاف ، والمجاهد في سبيل الله"
واختلفوا فيما إذا ، فقال أبو حنيفة ومالك : إن ترك وفاء بما بقي عليه من المكتابة ، كان حرا ، وإن كان فيه فضل ، فالزيادة لأولاده الأحرار ، وقال مات المكاتب قبل أداء النجوم الشافعي : يموت رقيقا ، وترتفع المكاتبة ، سواء ترك مالا ، أو لم يترك ؛ كما لو تلف المبيع قبل القبض يرتفع البيع . [ ص: 536 ] وأحمد
ولا تكرهوا فتياتكم إماءكم على البغاء الزنا .
إن أردن تحصنا إن طلبن تعففا وامتناعا عن الزنا ، [و (إن ) هنا بمعنى (إذ ) ؛ لأنه لا يجوز إكراههن على الزنا] إن لم يردن التحصن ، نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول المنافق ، كانت له ست جوار يكرههن على الزنا ، وضرب عليهن الضرائب -جمع الضريبة ، وهي الغلة المضروبة على العبد والجزية- ، فشكا بعضهن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنزلت . قرأ الكوفيون ، ، وابن عامر وروح عن : (البغاء إن ) بتحقيق الهمزتين ، يعقوب : بإسقاط الهمزة الأولى ، وقرأ وأبو عمرو ، قالون : بتسهيل الأولى بين بين ، مع تحقيق الثانية ، والبزي ، وأبو جعفر ورويس : بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية ، واختلف عن قنبل ، فروي عن الأول جعل الهمزة الثانية بين بين ، وروي عنه إسقاط الهمزة الأولى ، وهو الذي عليه الجمهور من أصحابه ، وروي عن الثاني إبدال الهمزة الثانية ياء مكسورة ، وروي عنه تسهيلها بين بين . وورش
لتبتغوا عرض أي : أموال الحياة الدنيا بكسبهن وبيع أولادهن . [ ص: 537 ]
ومن يكرهن على الزنا .
فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم لهن ، والوزر على المكره . قرأ بخلاف عنه : (إكراههن ) بالإمالة . ابن ذكوان
* * *