إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون .
[6] إن الذين كفروا يعني: مشركي العرب، أو اليهود، والكفر: هو الجحود، وأصله، من الستر، ومنه سمي الليل كافرا; لأنه يستر الأشياء بظلمته، وسمي الزراع كافرا; لأنه يستر الحب بالتراب، والكافر يستر الحق بجحوده، والكفر على أربعة أنواع: كفر إنكار، وهو ألا يعرف الله أصلا، ولا يعترف به، وكفر جحود، وهو: أن يعرف الله بقلبه، ولا يقر بلسانه; كإبليس، وكفر عناد: أن يعرف الله بقلبه، ويعترف بلسانه، ولا يدين به; كأبي طالب، وكفر نفاق، وهو: أن يقر باللسان، ولا يعتقد بالقلب.
سواء عليهم أي: متساو عندهم، وقد تقدم في الفاتحة مذهب في ضم هاء (عليهم)، وكذلك يضم كل هاء وقعت بعد ياء ساكنة، نحو: (إليهم)، و (لديهم) و (عليهما)، و (إليهما)، و (فيهما)، و (عليهن)، [ ص: 55 ] و (إليهن)، و (فيهن)، و (أبيهم)، و (صياصيهم)، و (بجنتيهم)، و (ترميهم)، و (ما نريهم)، و (بين أيديهم)، وشبه ذلك، وافقه يعقوب في (عليهم) و (إليهم)، و (لديهم) فقط، وتقدم مذهب حمزة ابن كثير وأبو جعفر في صلة ميم الجمع بواو في اللفظ حيث وقع، وافق وقالون على الصلة عند همز القطع لمن وصل الميم في نحو (عليهمو) (أأنذرتهمو أم لم)، وشبهه حيث وقع. ورش
أأنذرتهم أعلمتهم محذرا، والإنذار: إعلام مع تخويف وتحذير. قرأ أبو عمرو وابن كثير وأبو جعفر عن وقالون نافع، ورويس عن (ءأنذرتهم) بتحقيق الهمزة الأولى وتسهيل الثانية بين الهمزة والألف، يعقوب وأبو عمرو وقالون يفصلون بين الهمزتين بألف، وأبو جعفر يبدلها ألفا خالصة، وروي عنه التسهيل بين بين. وقرأ الباقون، وهم الكوفيون، وورش وروح بتحقيق الهمزتين، من غير فصل بينهما كل القرآن. واختلف عن وابن ذكوان، في الفصل مع تحقيق الهمزتين، واختلف عنه أيضا في تسهيل الثانية بين بين وتحقيقها، وزعم بعضهم أن من قلب الهمزة الثانية ألفا على أحد الوجهين هشام لاحن; لجمعه بين ساكنين على غير حده. قال الكواشي: وفي زعمه نظر، ثم بين وجه القراءة بذلك، وجواز الجمع [ ص: 56 ] بين ساكنين، وملخصه أنه يجوز الجمع بين ساكنين مطلقا إذا صح نقله، وقد صح، ومتى اجتمعت همزتان في كلمة الثانية ساكنة، والأولى متحركة بأية حركة كانت، فأجمع القراء أن الأولى محققة، والثانية مسهلة تبدل واوا إذا انضم ما قبلها، وألفا إذا انفتح، وياء إذا انكسر; كآدم وأوتي وإيمان. لورش
أم لم تنذرهم لا يؤمنون المعنى: إن الذين كفروا مستو لديهم إنذارك وعدمه، والألف في قوله (ءأنذرتهم) ألف التسوية; لأنها ليست كالاستفهام، بل المستفهم والمستفهم مستويان في علم ذلك، وهذه الآية في أقوام حقت عليهم كلمة الشقاوة في سابق علم الله.
ثم ذكر سبب تركهم الإيمان فقال: