أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا [مريم : 58] .
[58] أولئك النبيون المذكورون من زكريا إلى إدريس الذين أنعم الله عليهم من النبيين ، وقوله : من ذرية آدم يريد : إدريس ونوحا وممن حملنا مع نوح في السفينة ، يريد : إبراهيم ؛ لأنه من ولد سام بن نوح ومن ذرية إبراهيم يريد : إسماعيل وإسحق ويعقوب وإسرائيل يعني : ومن ذرية إسرائيل : موسى وهارون وزكريا ويحيى ، وعيسى بن مريم من ذريته وممن هدينا واجتبينا أرشدنا واصطفينا .
إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا من خشية الله ، أخبر تعالى أن الأنبياء كانوا يسجدون ويبكون لسماع آيات الله . قرأ ، حمزة : (وبكيا ) بكسر الباء ، والباقون : بضمها ، وهذا محل سجود بالاتفاق ، وتقدم ذكر اختلاف الأئمة في سجود التلاوة وحكمه وسجود الشكر [ ص: 262 ] مستوفى آخر سورة الأعراف . وملخصه أنه كالصلاة يشترط له الطهارة واستقبال القبلة بالاتفاق ، ولا يسجد له في وقت نهي عند الثلاثة ؛ خلافا والكسائي ، وأما حكمه ، فقال للشافعي : هو واجب على التالي والسامع ، سواء قصد السماع ، أو لم يقصد ، ويكبر ويسجد بلا رفع يد ، ثم يكبر [ويرفع بلا تشهد ولا سلام ، وقال أبو حنيفة : هو فضيلة للقارئ وقاصد الاستماع ، ويكبر] لخفضه ورفعه ، وليس له تسليم ، وقال مالك : هو سنة للقارئ والمستمع [والسامع ، وينوي ويكبر للإحرام رافعا يديه ، ثم للهوي بلا رفع ، ويسجد كسجدة الصلاة ، ويرفع مكبرا ، ويسلم من غير تشهد ، وقال الشافعي : هو سنة للقارئ والمستمع] دون السامع ، وسجوده عن قيام أفضل ، ويكبر إذا سجد وإذا رفع ، والسلام ركن ، وتجزئ واحدة بلا تشهد ، وأما سجود الشكر ، فقال أحمد أبو حنيفة : هو مكروه ، فيقتصر على الحمد والشكر باللسان ، وخالف ومالك أبو يوسف ومحمد ، فقالا : هي قربة يثاب فاعلها ، وقال أبا حنيفة الشافعي : يسن ، وحكمه عندهما كسجود التلاوة ، لكنه لا يفعل في الصلاة ، وقد وقع الكلام على ذلك بأتم من هذا آخر سورة الأعراف ، وذكر اختلاف الأئمة في عدد السجدات ومكانها ، ونبه على كل شيء في محله فيما مضى من السجدات ، وسيأتي التنبيه على ما بقي منها في محل كل سجدة إن شاء الله تعالى . وأحمد