وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم .
[118] وعلى الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك هم: كعب بن مالك الشاعر، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وملخص القصة: أن والبلاد مجدبة، والناس في عسرة، وكانت في السنة التاسعة من الهجرة، فأنفق غزوة تبوك تسمى: غزوة العسرة؛ لوقوعها في زمن الحر، جميع ماله، وأنفق أبو بكر نفقة عظيمة، وسار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك، واستخلف عثمان رضي الله عنه، فقال عليا أتخلفني في الصبيان [ ص: 251 ] والنساء؟! قال: علي: هارون من موسى؟! إلا أنه ليس نبي بعدي"، وتخلف "ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة عبد الله بن أبي المنافق، ومن تبعه من أهل النفاق، وتخلف ثلاثة من الصحابة، وهم: كعب ومرارة وهلال، ولم يكن لهم عذر، ثم رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة بعد أن قام بتبوك بضع عشرة ليلة لم يجاوزها، وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد، فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك، جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، ثم جاءه كعب، وكان تقدمه مرارة وهلال، فسألهم عن سبب تخلفهم، فاعترفوا أن لا عذر لهم، فأمرهم بالمضي حتى يقضي الله فيهم، ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين عن كلامهم من بين من تخلف عنه، فاجتنبهم الناس، فلبثوا على ذلك خمسين ليلة، قال كعب: فبينا أنا أسير في سوق المدينة، إذا نبطي من أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على فطفق الناس يشيرون له إلي، حتى إذا جاءني، دفع إلي كتابا من ملك كعب بن مالك؟ غسان، فإذا فيه: أما بعد: فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك، ولست بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، فقلت: هذا أيضا من البلاء والشر، فسجرت التنور وأحرقته، ولما مضت أربعون من الخمسين، أمرهم [ ص: 252 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - باعتزال نسائهم، وجاءت امرأة هلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تستأذنه في خدمته، فأذن لها من غير أن يقربها، فلما كملت لهم خمسون ليلة من حين نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامهم، آذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتوبة الله عليهم، وذهب الناس يبشرونهم، كعب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسلم عليه، فقال له وهو يبرق وجهه من السرور: "أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك"، قال: أمن عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ قال: "لا بل من عند الله"، وأنزل الله على رسوله عليه السلام:
حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت أي: برحبها وسعتها. وجاء
وضاقت عليهم أنفسهم أي: قلوبهم من فرط الوحشة والغم. قرأ (ضاقت) بالإمالة. حمزة:
وظنوا أيقنوا.
أن لا ملجأ من الله من سخطه إلا إليه إلا إلى استغفاره.
ثم تاب عليهم ليتوبوا ليدوموا على التوبة.
إن الله هو التواب لمن تاب الرحيم متفضل عليهم بالنعم.
* * * [ ص: 253 ]