وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم .
[3] ونزلت براءة سنة ثمان من الهجرة، وفيها فتحت مكة، فلما كان سنة تسع تجهز النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقيل له: أميرا على الموسم ليقيم للناس الحج، وبعث معه بأربعين آية من صدر براءة ليقرأها على أهل الموسم، ثم بعث بعده أبا بكر على ناقته العضباء ليقرأ على الناس صدر براءة، وأمره أن يؤذن بمكة ومنى وعرفة: أن قد برئت ذمة الله وذمة رسوله من كل مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، فرجع عليا وقال: يا رسول الله! أنزل في شأني شيء؛ قال: "لا، ولكن لا ينبغي أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي، أما ترضى أنك كنت معي في الغار، وأنك صاحبي على الحوض؟ "، أبو بكر قال: بلى. فسار إن المشركين يطوفون بالبيت عراة فقال: "لا أريد أن أرى ذلك"، فبعث أميرا على الحاج، أبو بكر ليؤذن ببراءة، وكان من عادة العرب في عقد العهود ونقضها ألا يتولى ذلك إلا سيدهم، أو رجل من قومه، أقربهم إليه نسبا، فلما كان قبل التروية بيوم، خطب وعلي الناس، وحدثهم عن مناسكهم، وأقام للناس الحج، والعرب في تلك السنة على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية من الحج، حتى إذا كان يوم النحر، قام أبو بكر عند جمرة العقبة، وأذن في الناس بما أمر به من الآيات، وألا [ ص: 151 ] علي وأن يتم إلى كل عهد عهده، وإن لم يكن عهد، فعهده أربعة أشهر، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، وألا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا، فقال المشركون الناكثون: أخبر ابن عمك أنا قد نبذنا العهد وراء ظهورنا، وأن ليس بيننا وبينه إلا طعن بالرمح وضرب بالسيف. يطوف بالبيت عريان،
وأذان عطف على قوله: براءة أي: وإعلام.
من الله ورسوله مبتدأ، خبره إلى الناس يوم الحج الأكبر هو يوم عرفة، والحج الأصغر العمرة؛ لنقص عملها.
أن الله بريء من المشركين أي: من عهودهم.
ورسوله قراءة العامة برفع (رسوله) مبتدأ خبر؛ أي: ورسوله بريء أيضا من المشركين. وقرأ (ورسوله) بنصب اللام عطفا على اسم (أن)، ولا يجوز عطفه على (المشركين)؛ لأنه كفر، وتقدم في أول التفسير عند شكل القرآن ونقطه أن سبب وضع الإعراب في المصاحف أن يعقوب: حكي أنه سمع قارئا يقرأ: أبا الأسود الدؤلي التابعي البصري أن الله بريء من المشركين ورسوله بكسر اللام، فأعظمه ذلك، وقال: "عز وجه الله أن يبرأ من رسوله"، ثم جعل الإعراب في المصاحف، تلخيصه: براءة وإعلام من الله ورسوله بأن لا عهد لناكث. [ ص: 152 ]
فإن تبتم من الكفر ونقض العهد.
فهو خير لكم وإن توليتم أعرضتم عن الإيمان.
فاعلموا أنكم غير معجزي الله لا تعجزونه، ولا تفوتونه في الدنيا.
وبشر الذين كفروا بعذاب أليم في الآخرة.
* * *