135- ومما يرى تقديم الاسم فيه كاللازم " مثل " و " غير " في نحو قوله :
مثلك يثني الحزن عن صوبه ويسترد الدمع عن غربه
وقول الناس : مثلك رعى الحق والحرمة . وكقول الذي قال له : " لأحملنك على الأدهم " يريد القيد، فقال على سبيل المغالطة : " ومثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب " . وما أشبه ذلك مما لا يقصد فيه [ ص: 139 ] بـ " مثل " إلى إنسان سوى الذي أضيف إليه ، ولكنهم يعنون أن كل من كان مثله في الحال والصفة كان من مقتضى القياس وموجب العرف والعادة أن يفعل ما ذكر أو أن لا يفعل . ومن أجل أن كان المعنى كذلك قال : الحجاج
ولم أقل مثلك أعني به سواك يا فردا بلا مشبه
136- وكذلك حكم " غير " إذا سلك به هذا المسلك فقيل : " غيري يفعل ذاك " على معنى أني لا أفعله، لا أن يومئ بـ "غير " إلى إنسان فيخبر عنه بأن يفعل، كما قال :
غيري بأكثر هذا الناس ينخدع
وذاك أنه معلوم أنه لم يرد أن يعرض بواحد كان هناك فيستنقصه ويصفه بأنه مضعوف يغر ويخدع، بل لم يرد إلا أن يقول : إني لست ممن ينخدع ويغتر . وكذلك لم يرد بقوله : أبو تمام
وغيري يأكل المعروف سحتا وتشحب عنده بيض الأيادي
[ ص: 140 ]
واستعمال " مثل " و " غير " على هذا السبيل شيء مركوز في الطباع وهو جار في عادة كل قوم . فأنت الآن إذا تصفحت الكلام وجدت هذين الاسمين يقدمان أبدا على الفعل إذا نحي بهما هذا النحو الذي ذكرت لك، وترى هذا المعنى لا يستقيم فيهما إذا لم يقدما . أفلا ترى أنك لو قلت : " يثني الحزن عن صوبه مثلك " و " رعى الحق والحرمة مثلك " و " يحمل على الأدهم والأشهب مثل الأمير " و " ينخدع غيري بأكثر هذا الناس " و " يأكل غيري المعروف سحتا " رأيت كلاما مقلوبا عن جهته، ومغيرا عن صورته، ورأيت اللفظ قد نبا عن معناه، ورأيت الطبع يأبى أن يرضاه .