القول في "لا"
اختلف في قوله تعالى: {لا جرم} [هود: 22]، فقال إنها نفي لما ظنوه أنه ينفعهم، فكأن المعنى: لا ينفعهم جرم أنهم في الآخرة، أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران. وأن عنده في موضع نصب، فعلى قوله هذا يوقف على (لا) ويبتدأ بـ جرم. و (جرم) عند الزجاج: الخليل بمعنى "حق" دون "لا". وسيبويه
مصنف في الرد على من جوز الوقف على (لا) دون (جرم) وألزمه بأشياء من اعتقدها فهو كافر. ولأبي محمد مكي
واختلفوا أيضا في قوله تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة} [القيامة: 1]، و {لا أقسم بهذا البلد} [البلد: 1] ونحوه، فقال البصريون معناه أقسم بكذا. وقال الزجاج: لا خلاف في أن معناه أقسم، وإنما الخلاف في (لا) فهي عند البصريين والكسائي وعامة المفسرين زائدة، وقال والكسائي هي رد لكلام تقدم من المشركين، كأنهم جحدوا البعث فقيل لهم: ليس الأمر كذلك، [ ص: 196 ] ثم أقسم لتبعثن، فعلى هذا يحسن الوقف على (لا) . الفراء:
وأما قوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا} [السجدة: 18] الوقف هنا كاف، لأنه كلام مفيد والذي بعده متعلق به من جهة المعنى. وكان يختار الوقف عليه، وكذا حكاه أبو القاسم الشاطبي قال السخاوي. العماني: وزعم بعضهم أن الوقف عند قوله: (فاسقا) ، قال: والمعنى لا يستوي المؤمن والفاسق، قال: وليس هذا الوقف عندي بشيء، ثم قال: والمعنى الذي ذكره هذا الزاعم هو الذي يوجب الوقف على قوله: (لا يستوون) ، انتهى.
قلت: وهذا الذي قاله العماني ليس بشيء، والصواب الذي ذكرته أولا. وأي فرق بين هذا وبين الذي في "براءة" [19] {وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله} ، وقد أجاز العماني الوقف على (في سبيل الله) ، فإذا جاز الابتداء هناك بقوله: (لا يستوون) جاز هنا، إذ لا فرق بينهما. وأظنه نسي ما قاله في "التوبة".
وأما قوله في "القصص" [9]: {قرة عين لي ولك} قال وقف تام في قول جماعة، منهم السخاوي: الدينوري ومحمد بن عيسى، ، ونافع القارئ وابن قتيبة، و لا تقتلوه نهي. وزعم قوم أن الوقف على (لا) أي هو قرة عين [ ص: 197 ] لي، ولك لا، أي دونك، قال: وهذا فاسد، لأن الفعل الذي هو (تقتلوه) مجزوم، فأين هو جازمه إذا كانت (لا) للنفي لا للنهي؟ قلت: وما قاله ظاهر. وإني رأيت بعض الشيوخ يقف عليه.
السخاوي