فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعا لكم ولأنعامكم فإذا جاءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى
"نكال" منصوب على المصدر، وقال قوم: "الآخرة" قوله: ما علمت لكم من إله غيري ، و"الأولى" قوله: أنا ربكم الأعلى ، وروي أنه مكث بعد قوله: أنا ربكم الأعلى أربعين سنة، وقيل: كانت هذه المدة بين الكلمتين، وقال رضي الله عنهما: "الأولى" قوله: ابن عباس ما علمت لكم من إله غيري ، و"الآخرة" قوله: أنا ربكم الأعلى ، وقال أبو رزين: الأولى كفره وعصيانه، والآخرة قوله: أنا ربكم الأعلى وقال : الأولى الدنيا، والآخرة الدار الآخرة، أي: ابن زيد ، وقال أخذه الله تعالى بعذاب جهنم وبالغرق في الدنيا : عبارة عن أول معاصيه وكفره وآخرها، أي نكل بالجميع، [ ص: 532 ] و"نكال" نصب على المصدر، والعامل فيه على رأي مجاهد "أخذ"; لأنه في معناه، وعلى رأي سيبويه فعل مضمر من لفظ "نكال"، كأنه قال: نكله نكال. أبي العباس المبرد
ثم وقف تعالى على موضع العبرة بحال فرعون، وتعذيبه، وفي الكلام وعيد للكفار المخاطبين برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم وقفهم مخاطبة منه تعالى لجميع العالم، والمقصد الكفار، ويحتمل أن يكون المعنى: قل لهم يا محمد: "ءأنتم أشد خلقا" الآية. وفي هذه الآية دليل على أن ، و"السمك" الارتفاع الذي بين سطح السماء الأسفل الذي يلينا وبين سطحها الأعلى الذي يلي ما فوقها، وقوله تعالى: "فسواها" يحتمل أن يريد: خلقها ملساء مستوية ليس فيها مرتفع ومنخفض، ويحتمل أن يكون عبارة عن إتقان خلقها، ولا يقصد معنى إملاس سطحها، والله تعالى أعلم كيف هي. بعث الأجساد من القبور لا يتعذر على قدرة الله تعالى
و"أغطش" معناه: أظلم، والأغطش: الأعمى، ومنه قول الشاعر :
نحرت لهم موهنا ناقتي وليلهم مدلهم غطش
ونسب الليل والضحى إليها من حيث هما ظاهران منها وفيها.
وقوله تعالى: والأرض بعد ذلك دحاها متوجه على أن الله تعالى خلق الأرض ولم يدحها، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فخلقها وبناها، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وقرأ : و"الأرض مع ذلك"، وقال قوم: إن "بعد ذلك" معناه: مع ذلك، والذي قلناه مترتب عليه آيات القرآن كلها، ونسب الماء والمرعى إلى الأرض من حيث هما منها يظهران، ودحو الأرض: بسطها، ومنه قول مجاهد أمية بن أبي الصلت :
دار دحاها ثم أسكننا بها وأقام بالأخرى التي هي أمجد
[ ص: 533 ] وقرأ الجمهور: "والأرض" نصبا، وقرأ الحسن، : "والأرض" بالرفع، وقرأ الجمهور: و"الجبال أرساها" نصبا، وقرأ وعيسى الحسن، : "والجبال" رفعا، و"أرساها" معناه: أثبتها، وجمع هذه النعم إذا تدبرت فهي متاع للناس و"الأنعام"، يتمتعون فيها وبها، وقرأ الجمهور: "متاعا" بالنصب، وقرأ وعمرو بن عبيد : "متاع" بالرفع. ابن أبي عبلة
و"الطامة الكبرى" هي القيامة، قاله ، ابن عباس ، وقال والضحاك الحسن، أيضا: النفخة الثانية، وقوله تعالى: "ما سعى" معناه: ما عمل من سائر عمله، ويتذكر ذلك بما يرى من جزائه. وقرأ جمهور الناس: "وبرزت" بضم الباء وشد الراء المكسورة، وقرأ وابن عباس ، عكرمة ، ومالك بن دينار رضي الله عنها: "وبرزت" بفتح الباء والراء، وقرأ جمهور الناس: "لمن يرى" بالياء أي: لمن يبصر ويحصل، وقرأ وعائشة ، عكرمة ، ومالك بن دينار رضي الله عنها: "لمن ترى" بالتاء أي: تراه أنت يا وعائشة محمد، فالإشارة إلى كفار مكة، أو إشارة إلى الناس والقصد كفار مكة، ويحتمل أن يكون المعنى: لمن تراه الجحيم، كما قال تعالى: إذا رأتهم من مكان بعيد ، وقرأ : "لمن رأى" على فعل ماض. ابن مسعود