أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور
قرأ ، عاصم ، وحمزة ، والكسائي : "أمنتم" بهمزتين محققتين من غير مد، وقرأ وابن عامر ، أبو عمرو : "النشور آمنتم" بهمزة ومد، وقرأ ونافع "النشور وأمنتم"، يبدل الهمزة واوا لكونها بعد ضمة، وبمد بعد الواو. ابن كثر:
وقوله تعالى: ( من في السماء ) جار على عرف تلقي البشر أوامر الله تعالى، ونزول القدر بحوادثه ونعمه ونقمه وآياته من تلك الجهة، وعلى ذلك صار رفع الأيدي والوجوه في الدعاء إلى تلك الجهة، وعلى ذلك صار رفع الأيدي والوجوه في الدعاء إلى تلك الجهة والناحية. "وخسف الأرض": أن تذهب سفلا. و"تمور" معناه: تتموج وتذهب كما يذهب التراب الموار في الريح، وكما يذهب الدم الموار، ومنه قول الأعرابي: "وغادرت التراب مورا".
و"الحاصب": البرد وما جرى مجراه; لأنه في اللغة الريح ترمي بالحصباء، ومنه قول : الفرزدق
مستقبلين شمال الشام ترجمهم بحاصب كنديف القطن منثور
وقرأ جمهور السبعة: "فستعلمون" بالتاء، وقرأ وحده: "فسيعلمون" بالياء، وقرأ السبعة وغيرهم: "نذير" بغير ياء، على طريقهم في الفواصل المشبهة بالقوافي، وقرأ الكسائي في رواية نافع وحده: "نذيري" بالياء على الأصل، وكذلك في "نكيري"، و"النكير": كذلك، ومنه قول ورش : [ ص: 359 ] حسان بن ثابت
فأنذر مثلها نصحا قريشا من الرحمن إن قبلت نذيري
ثم أحال على العبرة في أمر الطير وما أحكم من خلقتها، وذلك يبين عجز الأصنام والأوثان، و "صافات" جمع "صافة" وهي التي تبسط جناحيها وتصفهما حتى كأنها ساكنة، و"قبض الجناح" ضمه إلى الجنب، ومنه قول أبي خراش:
. . . . . . . . . . . . يحث الجناح بالتبسط والقبض
وهاتان حالان للطائر يستريح من إحداهما للأخرى. وقوله تعالى: "ويقبضن" عطف المضارع على اسم الفاعل، وذلك كما عطف اسم الفاعل على المضارع في قول الشاعر:
بات يعشيها بعضب باتر ... يقصد في أسوقها وجائر
[ ص: 360 ] وقرأ : "أمن" بتخفيف الميم في هذه، وقرأ التي بعدها مثقلة كالجماعة، و"الجند" أعوان الرجل على مذاهبه، وقوله تعالى: طلحة بن مصرف إن الكافرون إلا في غرور خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم بعد تقرير: قل لهم يا محمد: أمن هذا.