يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون
[ ص: 139 ] ليس المراد بذكر النعمة ذكرها باللسان فقط ، ولكن به وبالقلب ، وحفظها من الكفران والغمط وشكرها بمعرفة حقها والاعتراف بها وطاعة موليها . ومنه قول الرجل لمن أنعم عليه : اذكر أيادي عندك . يريد حفظها وشكرها والعمل على موجبها ، والخطاب عام للجميع لأن جميعهم مغمورون في نعمة الله . وعن -رضي الله عنهما - : يريد : يا أهل ابن عباس مكة اذكروا نعمة الله عليكم ، حيث أسكنكم حرمة ومنعكم من جميع العالم ، والناس يتخطفون من حولكم . وعنه : نعمة الله العافية . وقرئ : (غير الله ) بالحركات الثلاث ; فالجر والرفع على الوصف لفظا ومحلا ، والنصب على الاستثناء . فإن قلت : ما محل "يرزقكم " ؟ قلت : يحتمل أن يكون له محل إذا أوقعته صفة لخالق وأن لا يكون له محل إذا رفعت محل من خالق ، بإضمار يرزقكم ، وأوقعت يرزقكم تفسيرا له ، أو جعلته كلاما مبتدأ بعد قوله : هل من خالق غير الله . فإن قلت : هل فيه دليل على أن الخالق لا يطلق على غير الله تعالى ؟ قلت : نعم إن جعلت "يرزقكم " كلاما مبتدأ وهو الوجه الثالث من الأوجه الثلاثة . وأما على الوجهين الآخرين : وهما الوصف والتفسير . فقد يقيد فيهما بالرزق من السماء والأرض ، وخرج من الإطلاق ، فكيف يستشهد به على اختصاصه ، بالإطلاق ، والرزق من السماء المطر ، ومن الأرض النبات لا إله إلا هو جملة مفصولة لا محل لها ، مثل : يرزقكم في الوجه الثالث ، ولو وصلتها كما وصلت [ ص: 140 ] يرزقكم لم يساعد عليه المعنى ; لأن قولك : هل من خالق آخر سوى الله لا إله إلا ذلك الخالق : غير مستقيم ; لأن قولك : هل من خالق سوى الله إثبات لله ، فلو ذهبت تقول ذلك : كنت منقضا بالنفى بعد الإثبات فأنى تؤفكون فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى الشرك ؟ .