[ ص: 409 ] فصل : ، أن يكاتبه على عوض مجهول ، أو عوض حال ، أو محرم ، كالخمر والخنزير . فأما إن شرط في الكتابة شرطا فاسدا ، فالمنصوص أنه لا يفسدها لكن يلغو الشرط ، وتبقى الكتابة صحيحة . ويتخرج أن يفسدها ; بناء على الشروط الفاسدة في البيع . وهذا مذهب والكتابة الفاسدة وقد روي عن الشافعي ، رحمه الله ، ما يدل على أن الكتابة على العوض المحرم باطلة ، لا يعتق بالأداء فيها . وهو اختيار أبي عبد الله أبي بكر ; فإنه قد روى عن رضي الله عنه أنه قال : إذا كاتبه كتابة فاسدة ، فأدى ما كوتب عليه ، عتق ، ما لم تكن الكتابة محرمة . فحكم بالعتق بالأداء إلا في المحرمة . واختار أحمد أنه يعتق بالأداء ، كسائر الكتابات الفاسدة . القاضي
ويمكن حمل كلام القاضي على ما إذا جعل السيد الأداء شرطا للعتق ، فقال : إذا أديت إلي ، فأنت حر . فأدى إليه ، فإنه يعتق بالصفة المجردة ، لا بالكتابة ، ويثبت في هذه الكتابة حكم الصفة في العتق بوجودها ، لا بحكم الكتابة . وأما غيرها من الكتابة الفاسدة ، فإنها تساوي الصحيحة في أربعة أحكام ; أحدها ، أنه يعتق بأداء ما كوتب عليه ، سواء صرح بالصفة ، فقال : إن أديت إلي ، فأنت حر . أو لم يقل ; لأن معنى الكتابة يقتضي هذا ، فيصير كالمصرح به ، فيعتق بوجوده ، كالكتابة الصحيحة . الثاني ، أنه إذا عتق بالأداء ، لم تلزمه قيمة نفسه ، ولم يرجع على سيده بما أعطاه . ذكره أبو بكر . وهو ظاهر كلام رضي الله عنه . أحمد
وقال رضي الله عنه : يتراجعان ، فيجب على العبد قيمته ، وعلى السيد ما أخذه ، فيتقاصان بقدر أقلهما ، إن كانا من جنس واحد ، ويأخذ ذو الفضل فضله ; لأنه عقد معاوضة فاسدة ، فوجب التراجع فيه ، كالبيع الفاسد . ولنا ، أنه عقد كتابة لمعاوضة حصل العتق فيها بالأداء ، فلم يجب التراجع فيها ، كما لو كان العقد صحيحا ، ولأن ما أخذه السيد فهو من كسب عبده ، الذي لم يملك كسبه ، فلم يجب عليه رده ، والعبد عتق بالصفة ، فلم تجب عليه قيمته ، كما لو قال : إن دخلت الدار ، فأنت حر . وأما البيع الفاسد ، فإنه إن كان بين هذا وبين سيده ، فلا رجوع على السيد بما أخذه ، وإن كان بينه وبين غيره ، فإنه أخذ ما لا يستحقه ، ودفع إلى الآخر ما لا يستحقه ، بعقد المقصود منه المعاوضة ، وفي مسألتنا بخلافه . الثالث ، أن المكاتب يملك التصرف في كسبه ; لأن عقد الكتابة تضمن الإذن في ذلك ، وله أخذ الصدقات والزكوات ; لأنه مكاتب يعتق بالأداء ، فملك ذلك كما في الكتابة الصحيحة . الرابع ، أنه إذا الشافعي عتق . على قول من قال : إنه يعتق في الكتابة الصحيحة بأداء حصته . لأن معنى العقد أن كل واحد منهم مكاتب بقدر حصته ، متى أدى إلى كل واحد منهم قدر حصته ، فهو حر . كاتب جماعة كتابة فاسدة ، فأدى أحدهم ، حصته
ومن قال : لا يعتق في الصحيحة إلا أن يؤدي الجميع . فهاهنا أولى . وتفارق الصحيحة في ثلاثة أحكام ; أحدها ، [ ص: 410 ] أن لكل واحد من السيد والمكاتب فسخها ورفعها ، سواء كان ثم صفة أو لم تكن . وهذا قول أصحاب رضي الله عنه ; لأن الفاسد لا يلزم حكمه ، والصفة هاهنا مبنية على المعاوضة ، وتابعة لها ; لأن المعاوضة هي المقصودة ، فلما أبطل المعاوضة التي هي الأصل ، بطلت الصفة المبنية عليها ، بخلاف الصفة المجردة ، ولأن السيد لم يرض بهذه الصفة إلا بأن يسلم له العوض المسمى ، فإذا لم يسلم ، كان له إبطالها ، بخلاف الكتابة الصحيحة ; فإن العوض سلم له ، فكان العقد لازما له . الثاني ، أن السيد إذا أبرأه من المال ، لم تصح البراءة ، ولا يعتق بذلك ; لأن المال غير ثابت في العقد ، بخلاف الكتابة الصحيحة ، وجرى هذا مجرى الصفة المجردة ، في قوله : إذا أديت إلي ألفا . فأنت حر . الشافعي
الثالث ، أنه لا يلزم السيد أن يؤدي إليه شيئا من الكتابة ; لأن العتق هاهنا بالصفة المجردة ، فأشبه ما لو قال : إذا أديت إلي ألفا ، فأنت حر . واختلف في أحكام أربعة ; أحدها ، في بطلان الكتابة بموت السيد . فذهب القاضي وأصحابه إلى بطلانها . وهو قول رضي الله عنه ; لأنه عقد جائز من الطرفين ، لا يئول إلى اللزوم ، فيبطل بالموت ، كالوكالة ، ولأن المغلب فيها حكم الصفة المجردة ، والصفة تبطل بالموت ، فكذلك هذه الكتابة . وقال الشافعي أبو بكر : لا تبطل بالموت ، ويعتق بالأداء إلى الوارث . وهو قول رضي الله عنه ; لأنه مكاتب يعتق بالأداء إلى السيد ، فيعتق بالأداء إلى الوارث ، كما في الكتابة الصحيحة ، ولأن الفاسدة كالصحيحة في باب العتق بالأداء ، وفي أن الولد يتبعه ، فكذلك في هذا . والثاني ، في بطلانها بجنون السيد ، والحجر عليه لسفه ، والخلاف فيه كالخلاف في بطلانها بموته . والأولى أنها لا تبطل هاهنا ; لأن الصفة المجردة لا تبطل بذلك ، والمغلب في هذه الكتابة ، حكم الصفة المجردة ، فلا تبطل به . فعلى هذا ، لو أدى إلى سيده بعد ذلك ، عتق . وعلى قول من أبطلها ، لا يعتق . أبي حنيفة
الثالث ، أن ما في يد المكاتب وما يكسبه ، وما يفضل في يده بعد الأداء ، له دون سيده . في قول القاضي ، ومذهب رضي الله عنه لأنها كتابة يعتق بالأداء فيها ، فكان هذا الحكم ثابتا فيها ، كالصحيحة . وقال الشافعي : ذلك لسيده في الموضعين ; لأن كسب العبد لسيده ، بحكم الأصل ، والعقد هاهنا فاسد ، لم يثبت الحكم في وجوب العوض في ذمته ، فلم ينقل الملك في المعوض كسائر ، العقود الفاسدة ، ولأن المغلب فيها حكم الصفة المجردة ، وهي لا تثبت الملك له في كسبه ، فكذا هاهنا ، وفارقت الكتابة الصحيحة ، فإنها تثبت الملك في العوض ، فأثبتته في المعوض . الرابع ، هل يتبع المكاتبة ولدها ؟ قال أبو الخطاب : فيه وجهان ; أحدهما ، يتبعها ; لأنها كتابة يعتق فيها بالأداء ، فيعتق به ولدها ، كالكتابة الصحيحة ، والثاني ، لا يتبعها . وهو أقيس ، وأصح ; لما ذكرنا في الذي قبله ، ولأن الأصل بقاء الرق فيه ، فلا يزول إلا بنص ، أو معنى نص ، وما وجد واحد منهما ، ولا يصح القياس على الكتابة الصحيحة ; لما ذكرنا من الفرق بينهما فيما تقدم ، فيبقى على الأصل . والله أعلم . أبو الخطاب