( فصل ) :
وأما فله صفتان إحداهما قبل الوجود ، والأخرى بعد الوجود ، أما التي هي قبل الوجود فهي أن صفة هذا العقد واجبة ، وبما وراءها جائزة ، ومندوب إليها ، ومستحبة في بعض الأحوال ، وعند بعض الناس : الكل واجب ، وقد بينا ذلك كله في صدر الكتاب . الوصية بالفرائض والواجبات
وأما التي هي بعد الوجود فهي أن هذا عقد غير لازم في حق الموصى حتى يملك الرجوع عندنا ما دام حيا ; لأن الموجود قبل موته مجرد إيجاب ، وأنه محتمل الرجوع في عقد المعاوضة فهي بالتبرع أولى كما في الهبة ، والصدقة إلا التدبير المطلق خاصة فإنه لازم لا يحتمل الرجوع أصلا ، وإن كان وصية ; لأنه إيجاب يضاف إلى الموت ، ولهذا يعتبر من الثلث ; لأنه سبب لثبوت العتق ، والعتق لازم .
وكذا سببه ; لأنه سبب حكم لازم .
وكذا التدبير المقيد لا يحتمل الرجوع نصا ، ولكنه يحتمله دلالة بالتمليك من غيره ; لأن العتق فيه تعلق بموت موصوف بصفة ، وقد لا توجد تلك الصفة فلم يستحكم السبب ، ثم الرجوع قد يكون نصا ، وقد يكون دلالة ، وقد يكون ضرورة ، أما النص فهو أن يقول الموصي : رجعت ، أما الدلالة فقد تكون فعلا ، وقد تكون قولا ، وهو أن يفعل في الموصى به فعلا يستدل به على الرجوع أو يتكلم بكلام يستدل به على الرجوع ، وبيان هذه الجملة إذا فعل في الموصى به فعلا لو فعله في المغصوب لانقطع به ملك المالك - كان رجوعا كما إذا أوصى بثوب ثم قطعه ، وخاطه قميصا أو قباء أو بقطن ثم غزله أو لم يغزله ثم نسجه أو بحديدة ثم صنع منها إناء أو سيفا أو سكينا أو بفضة ثم صاغ منها حليا ، ونحو ذلك ; لأن هذه الأفعال لما [ ص: 379 ] أوجبت بطلان حكم ثابت في المحل ، وهو الملك ; فلأن توجب بطلان مجرد كلام من غير حكم أصلا أولى ، ثم وجه الدلالة منها على التفصيل : أن كل واحد منها تبديل العين ، وتصييرها شيئا آخر معنى ، واسما ، فكان استهلاكا لها من حيث المعنى ، فكان دليل الرجوع فصار كالمشتري بشرط الخيار إذا فعل في المبيع فعلا يدل على إبطال الخيار يبطل خياره ، والأصل في اعتبار الدلالة إشارة النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للمخيرة { } . إن وطئك زوجك فلا خيار لك