وقال الله سبحانه وتعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما }
وقال عليه الصلاة والسلام { } قد سموا يتامى ، وإن كان لهم مال ، فكل صغير مات أبوه يدخل تحت الوصية ، ومن لا فلا ، فإن كانوا لا يحصون ، فالوصية جائزة ، وتصرف إلى الفقراء منهم ; لأنها لو صرفت إلى الأغنياء لبطلت لجهالة الموصى له ، ولو صرفت إلى الفقراء لجازت ; لأنها وصية بالصدقة ، وإخراج للمال إلى الله تعالى ، والله تعالى واحد معلوم ، وأمكن أن تجعل الوصية للفقراء ، وإن لم يكن في اللفظ ما ينبئ عن الحاجة لغة لكنه ينبئ عن سبب الحاجة ، وعما يوجب الحاجة بطريق الضرورة ; لأن الصغر والانفراد عن الأب أعظم أسباب الحاجة إذ الصغير عاجز عن الانتفاع بماله ، ولا بد له ممن يقوم بإيصال منافع ماله إليه ، وكذا هو عاجز عن القيام بحفظ ماله ، واستنمائه ، ولا بقاء للمال عادة إلا بالحفظ والاستنماء ، وهو عاجز عن ذلك كله ، فيصير في الحكم كمن انقطعت عليه منافع ماله بسبب بعده عن ماله ، وهو ابن السبيل ، فصار الاسم بهذه الوساطة منبئا عن الحاجة ; ولهذا المعنى جعل الله لليتامى سهما من خمس الغنيمة بقوله تبارك وتعالى { ابتغوا في أموال اليتامى خيرا كي لا تأكلها الصدقة ، واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى } .
وقال تبارك وتعالى { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى } ، وأراد به المحتاجين منهم دون الأغنياء .
وإذا كان كذلك أمكن تصحيح هذا التصرف بجعله إيصاء بالصدقة .
وكذلك إذا أوصى لزمنى بني فلان أو لعميانهم ; لأن الاسم يدل على سبب الحاجة عادة ، وهو الزمانة ، والعمى ، بخلاف ما إذا أوصى لبني فلان ، وهم لا يحصون إنه لا يصح ; لأنه لا يمكن تصحيحه بطريق التمليك بجهالة الموصى لهم ، ولا بطريق الإيصاء بالصدقة ; لأنه ليس في لفظ الابن ما ينبئ عن الحاجة ، ولا ما يوجب الحاجة ، وههنا ، بخلافه على ما بينا ، فتصح الوصية ، ثم إذا صحت ، وانصرفت الوصية إلى الفقراء من اليتامى ، فإن صرف إلى اثنين منهم فصاعدا ; جاز بالإجماع ، وإن صرف جميع الثلث إلى ، واحد ; فهو على الخلاف الذي ذكرنا ، والأفضل للموصي أن يصرف إلى كل من قدر منهم ; لأنه أقرب إلى العمل بحقيقة اللفظ ، وتحقيق مقصود الموصي ، ولو ; جازت الوصية سواء كن يحصين ، أو لا يحصين أما إذا كن يحصين ، فلا يشكل ، فإن الوصية وقعت تمليكا منهن بأعيانهن ; لكونهن معلومات . أوصى بثلث ماله لأرامل بني فلان
وكذلك إذا كن لا يحصين ; لأن في الاسم ما يدل على الحاجة ; لأن الأرملة اسم لامرأة بالغة ، فارقت زوجها بطلاق أو وفاة دخل بها أو لم يدخل كذا قال - رحمه الله - . محمد
وقال : الأرملة التي لا زوج لها من قولهم أرمل القوم ، فهم مرملون إذا فني زادهم ومن فني زاده كان محتاجا ، فكان في الاسم ما ينبئ عن الحاجة ، فتقع وصية بالصدقة ، وإخراج المال إلى الله تبارك وتعالى والله سبحانه وتعالى واحد معلوم وهل يدخل في هذه الوصية الرجال الذين فارقوا أزواجهم ؟ قال عامة العلماء : رضي الله عنهم لا يدخلون . ابن الأنباري
وقال : - رحمه الله - يدخل في كل من خرج من كرمة فلان ذكرا كان أو أنثى ، وإليه ذهب القتبي ، واحتجا بقول الشافعي جرير الشاعر [ ص: 347 ]
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها ، فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
أطلق اسم الأرمل على الرجل .( ولنا ) أن حقيقة هذا الاسم للمرأة لما ذكرنا عن ، وهو من كبار أهل اللغة روى عنه محمد أبو عبيد وأقرانهم كما روينا عن وأبو العباس ثعلب ، الخليل ، وأقرانهما . والأصمعي
وقال : يقال : امرأة أرملة ، ولا يقال : رجل أرمل إلا في المليح من الشعر . الخليل
وقال رحمه الله لا يقال : رجل أرمل إلا في الشعر ، ونحو ذلك ، ولأن الاسم لما كان مشتقا من قولهم أرمل القوم إذا ، فني زادهم ، فالمرأة هي التي فني زادها بموت زوجها ; لأن النفقة على الزوج لا على المرأة ، فإذا مات ، فقد فني زادها ، وبه تبين أن قول ابن الأنباري جرير محمول على مليح الشعر كما قال أو هو شاذ كما قال الخليل ، أو لازدواج الكلام قال الله سبحانه وتعالى { ابن الأنباري وجزاء سيئة سيئة مثلها } .
وقال تعالى { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } ، وقوله سبحانه وتعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } .
وكما قال الشاعر :
، فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي مدى الدهر ما لم تنكحي أتأيم
وقال الله تبارك وتعالى { ، وأنكحوا الأيامى منكم } ، وأنه يتناول الكبيرة والصغيرة حتى يجوز إنكاح الصغار ، كما يجوز إنكاح الكبار ، وكذا لا يتعرض للفقر والغنى ; لأنه سبحانه وتعالى قال عز من قائل { إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } ، ولو كان متعرضا لشيء من ذلك لم يكن لقوله سبحانه ، وتعالى { إن يكونوا فقراء } معنى ، وهذا الذي ذكرنا أن الأيم اسم لامرأة جومعت في قبلها ، فارقها زوجها قول عامة المسلمين .
وقال أبو القاسم الصفار البلخي ، - رحمهما الله - إن الجماع ليس بشرط لثبوت هذا الاسم . وأبو الحسن الكرخي
وكذا الأنوثة بل يقع هذا الاسم على المدخول بها وعلى البكر ، ويقع على الرجل كما يقع على المرأة ، واحتجا بقول الشاعر
إن القبور تنكح الأيامى النسوة الأرامل اليتامى
وقال الشاعر :
فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي مدى الدهر ما لم تنكحي أتأيم
وقال آخر :
فلا تنكحن جبارة إن شرها عليك حرام فانكحن أو تأيما
وقال الله تبارك وتعالى { ثيبات ، وأبكارا } أدخل فيه الصغار والكبار ، والفقيرات والغنيات يدل عليه أنهن دخلن فيما يقابله ، وهو قوله سبحانه وتعالى ، وأبكارا فكذا في قوله تعالى ثيبات فدل الأمر على اشتراط الدخول ; لأنه قابل الثيبات بالأبكار ، وهن اللاتي لم يجامعن ، فكانت الثيبات اللاتي جومعن لتصح المقابلة ، ولا تشترط مفارقتها زوجها ، بخلاف الأرملة ; لأن اللغة كذا تقتضي ، فيتبع فيه وضع أرباب اللغة ، ولا يدخل فيه الرجل ; لأن هذا الاسم لا يتناول الرجل حقيقة ، وإن ورد في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : { } ; لأن ذلك إطلاق بطريق المجاز للازدواج والمقابلة ، وإن كن لا يحصين لم تجز الوصية ; لأنه ليس في الاسم ما ينبئ عن الحاجة لما ذكرنا أنه اسم لأنثى من بنات والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة آدم عليه الصلاة والسلام جومعت ، وليس في الأوصاف المذكورة في الحد ما ينبئ عن الحاجة ، فلا يراد بهذه الوصية إلا التمليك والمتملك مجهول ، فلا يصح ، ولو أوصى لكل بكر من بني فلان يجوز إذا كن محصوات لما قلنا ، ويدخل فيه الصغيرة والكبيرة الغنية والفقيرة إذ البكر اسم لامرأة لم تجامع بنكاح ، ولا غيره كذا قال - رحمه الله - ، وإطلاق هذا الاسم على الذكر في الحديث ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام { محمد } بطريق المجاز ، وهو المجاز بطريق المقابلة والازدواج ، أو كان لها حقيقة ، ثم غلب استعماله في متعارف الخلق على الأنثى ، فصار بحال لا تنصرف أوهام الناس عند إطلاقه إلا إلى الأنثى ، فيحمل الحديث على المجاز ، ولو كانت عذرتها زالت بالوضوء أو بالوثبة ، أو بذرور الدم تستحق الوصية ; لأنها لم تجامع ومن الناس من خالف البكر بالبكر جلد مائة ، وتغريب عام - رحمه الله - قالوا إن هذه أيضا لا تستحق الوصية ; لأنها ليست ببكر ، والصحيح ما ذكره محمدا رحمه الله لما ذكرنا ، وذكر محمد رحمه الله أن التي زالت بكارتها بفجور لا تكون بكرا ، ولا تكون لها ، وصية . محمد
وقال بعض مشايخنا منهم الفقيه أبو جعفر الهندواني - رحمه الله - : إن هذا قولهما ( فأما ) عند - رحمه الله - ، فإنها بكر ، وتستحق الوصية ، ومنهم من قال : لا خلاف في أنها لا تستحق الوصية ; لأنها ليست ببكر حقيقة لعدم حد البكارة ، وإنما تزوج تزوج الأبكار عند أبي حنيفة - رحمه الله - لما ذكرنا ، والله سبحانه ، وتعالى أعلم بالصواب . أبي حنيفة