ومنها ، فإن كان لا تصح الوصية له من مسلم أو ذمي ; لأن التبرع بتمليك المال إياه يكون إعانة له على الخراب ، وإنه لا يجوز . أن لا يكون حربيا عند مستأمن
وأما كونه مسلما ، فليس بشرط حتى لو كان ذميا ، فأوصى له مسلم أو ذمي ; جاز .
وكذا لقوله عليه الصلاة والسلام { لو أوصى ذمي ذميا } أن يوصي مسلما أو ذميا كذا لهم ، وسواء أوصى لأهل ملته أو لغير أهل ملته لعموم الحديث ; ولأن الاختلاف بينه وبين غير أهل ملته لا يكون أكثر من الاختلاف بيننا وبينهم ، وذا لا يمنع جواز الوصية ، فهذا أولى . فإذا قبلوا عقد الذمة ، فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وللمسلم
. وإن كان مستأمنا ، فأوصى له مسلم ، أو ذمي
ذكر في الأصل أنه يجوز ; لأنه في عهدنا ، فأشبه الذمي الذي هو في عهدنا ، وتجوز الوصية للذمي .
وكذا الحربي المستأمن وروي عن رضي الله عنه أنه لا يجوز ، وهذه الرواية بقول أصحابنا - رحمهم الله - : أشبه فإنهم قالوا : إنه لا يجوز صرف الكفارة والنذر وصدقة الفطر والأضحية إلى الحربي المستأمن لما فيه من الإعانة على الحراب ، ويجوز صرفها إلى الذمي ; لأنا ما نهينا عن بر أهل الذمة لقوله سبحانه وتعالى { أبي حنيفة لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم } وقيل إن في التبرع عليه في حال الحياة بالصدقة والهبة روايتين عن أصحابنا ، فالوصية له على تلك الروايتين أيضا وكذا كونه من أهل الملك ليس بشرط حتى يجوز ; لأن قصد المسلم من هذه الوصية التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بإخراج ماله إلى الله سبحانه وتعالى لا التمليك إلى أحد لو أوصى مسلم بثلث ماله للمسجد أن ينفق عليه في إصلاحه وعمارته وتجصيصه ; لأنه معصية . ولو أوصى المسلم لبيعة أو كنيسة بوصية ، فهو باطل
ولو أوصى الذمي بثلث ماله للبيعة ، أو لكنيسة أن ينفق عليها في إصلاحها .
أو أوصى لبيت النار جاز في قول أو أوصى بأن يذبح لعيدهم ، أو للبيعة أو لبيت النار ذبيحة - رحمه الله - وعندهما لا يجوز ، وجملة الكلام في وصايا أهل الذمة أنها لا تخلو إما إن كان الموصى به أمرا ، هو قربة عندنا وعندهم ، أو كان أمرا هو قربة عندنا لا عندهم وأما إن كان أمرا هو قربة عندهم لا عندنا . أبي حنيفة
بإن أوصى بثلث ماله أن يتصدق به على فقراء المسلمين أو على فقراء أهل الذمة ، أو بعتق الرقاب ، أو بعمارة فإن كان الموصى به شيئا هو قربة عندنا وعندهم المسجد الأقصى ونحو ذلك جاز في قولهم جميعا ; لأن هذا مما يتقرب به المسلمون وأهل الذمة .
وإن كان شيئا هو قربة عندنا وليس بقربة عندهم بأن لا يجوز في قولهم جميعا ; لأنهم لا يتقربون به فيما بينهم ، فكان مستهزئا في وصيته ، والوصية يبطلها الهزل والهزل ، وإن كان شيئا هو قربة عندهم لا عندنا أوصى بأن يحج عنه ، أو أوصى أن يبني مسجدا للمسلمين ، ولم يبين ، فهو على الاختلاف الذي ذكرنا إن عند بأن أوصى بأرض له تبنى بيعة أو كنيسة ، أو بيت نار أو بعمارة البيعة ، أو الكنيسة ، أو بيت النار ، أو بالذبح لعيدهم ، أو للبيعة أو لبيت النار ذبيحة - رحمه الله - يجوز ، وعندهما لا يجوز وجه قولهما أن الوصية بهذه الأشياء وصية بما هو معصية ، والوصية بالمعاصي لا تصح وجه قول أبي حنيفة - رحمه الله - إن المعتبر في وصيتهم ما هو قربة عندهم لا ما هو قربة حقيقة ; لأنهم ليسوا من أهل القربة الحقيقة ; ولهذا أبي حنيفة لم تجز وصيته كالحج وبناء المسجد للمسلمين ، فدل أن المعتبر ما هو قربة عندهم ، وقد وجد ولكنا أمرنا أن لا نتعرض لهم فيما يدينون ، كما لا نتعرض لهم في عبادة الصليب وبيع الخمر والخنزير فيما بينهم . لو أوصى بما هو قربة عندنا ، وليس بقربة عندهم
كان ميراثا بين ورثته في قولهم جميعا على اختلاف المذهبين أما على أصلهما ، فظاهر ; لأنه معصية . ولو بنى الذمي في حياته بيعة أو كنيسة أو بيت نار
وأما عنده فلأنه بمنزلة الوقف والمسلم لو جعل دارا وقفا إن مات ; صارت ميراثا كذا هذا ، فإن قيل لم لا يجعل حكم البيعة فيما بينهم كحكم المسجد فيما بين المسلمين ، فالجواب أن حال المسجد يخالف حال البيعة ; لأن المسجد صار خالصا لله تبارك وتعالى ، وانقطعت عنه منافع المسلمين .
وأما البيعة ، فإنها باقية على منافعهم ، فإنه يسكن فيها أساقفتهم ويدفن فيها موتاهم ، فكانت باقية على منافعهم ، فأشبه الوقف فيما بين المسلمين ، والوقف فيما بين المسلمين لا يزيل ملك الرقبة عنده ، فكذا هذا .
، وقد اجتمع من غلتها شيء أنفق ذلك في بنائه ; لأنه بالانهدام لم يخرج من أن يكون مسجدا ، وقد أوصى له بغلتها ، فتنفق في بنائه وعمارته ، والله سبحانه وتعالى أعلم . ولو أوصى مسلم بغلة جاريته أن تكون في نفقة المسجد ومؤنته [ ص: 342 ] فانهدم المسجد