الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو قتل إنسانا خطأ فدفع القيمة إلى ولي القتيل ثم قتل آخر خطأ فهذا والأول سواء في قول أبي حنيفة عليه الرحمة ، والأمر فيه على التفصيل الذي ذكرنا ، وعندهما لولي القتيل الثاني أن يضمن المولى ، وله أن يضمن ولي القتيل الأول سواء كان الدفع بقضاء أو بغير قضاء فهما فرقا بين الفصلين ، وأبو حنيفة عليه الرحمة جمع بينهما .

                                                                                                                                ( وجه ) الفرق لهما أن المولى ههنا ليس بمتعد في حق ولي القتيل الثاني ; لأن الجناية الثانية كانت منعدمة وقت الدفع فلا سبيل إلى تضمينه ، وفي الفصل الأول كانت الجنايتان موجودتين وقت الدفع ، فكان الدفع منه إلى الأول تعديا فيضمن .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي حنيفة رحمه الله ما ذكرنا أن سبب وجوب الضمان على المولى هو المنع ، والمنع منع واحد في حق الأول والثاني جميعا ، فصار كأن الجنايات كلها موجودة وقت الدفع فيصير المولى متعديا في الدفع فكان له تضمينه بخلاف ما إذا كان الدفع بقضاء ; لأن قضاء القاضي صيره مجبورا في الدفع ، هذا إذا كانت قيمته وقت الجنايتين على السواء ، فأما إذا كانت مختلفة بأن قتل رجلا وقيمته ألف ثم ازدادت قيمته فصارت ألفين ثم قتل آخر يضمن المولى لولي القتيل الثاني ألفا آخر ، ولا حق لولي القتيل الأول في الزيادة ; لأنها لم تكن موجودة وقت الجناية على الأول فيسلم الزيادة إلى الثاني ، ويقسم تلك القيمة وهي الألف بين أولياء الأول ، والثاني يتضاربون فيها فيضرب الأول فيها بعشرة آلاف ، والثاني بتسعة آلاف ; لأنه قد وصل إليه ألف من عشرة آلاف فكانت قسمة تلك الألف على تسعة عشر سهما : عشرة أسهم للأول ، وتسعة أسهم للثاني ، ولو كانت قيمته وقت قتل الأول ألفين ، ووقت قتل الثاني ألفا لا يضمن المولى شيئا ، والألف تكون لولي القتيل الأول سالما ، والألف للآخر تقسم بينهما على تسعة عشر سهما : عشرة أسهم لولي القتيل الثاني ، وتسعة أسهم لولي القتيل الأول ، ولو قتل إنسانا [ ص: 268 ] وقيمته ألف ثم ازدادت قيمته ، وصارت ألفا وخمسمائة ثم قتل آخر فزيادة الخمسمائة سالمة لولي القتيل الثاني لا حق فيها لولي القتيل الأول ; لأنها لم تكن موجودة وقت الجناية الأولى ، والألف تكون بين ولي القتيلين يتضاربون فيها ، فيضرب ولي القتيل الأول بتمام الدية عشرة آلاف ، والثاني بتسعة آلاف وخمسمائة ; لأنه وصل إليه خمسمائة من عشرة آلاف فكانت قسمة الألف بينهما على تسعة وثلاثين سهما ; لأنا نجعل كل خمسمائة سهما ، تسعة عشر لولي القتيل الثاني ، وعشرون لولي القتيل الأول ، والله سبحانه ، وتعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية