37 -
nindex.php?page=treesubj&link=34174_32006ذكر إرم ذات العماد 983 - 1 حدثني أبي - رحمه الله تعالى - ، حدثنا
أحمد بن مهدي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16441عبد الله بن صالح ، قال : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=16457عبد الله بن لهيعة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15790خالد بن أبي عمران ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه ، - رحمه الله تعالى - ، عن
عبد الله بن قلابة ، أنه خرج في طلب إبل له نشزت ، فبينما هو في صحاري
عدن أبين ، والشجر تظله في تلك الفلوات ، إذ وقع على مدينة في تلك الفلوات ، عليها حصن حول ذلك الحصن قصور كثيرة ، وأعلام طوال ، فلما دنا منها ظن أن فيها أحدا يسأله عن إبله ، فإذا لا خارج يخرج من باب حصنها ، ولا داخل يدخل منه ، فلما رأى ذلك نزل عن ناقته وعقلها ، ثم استل سيفه ، ودخل من باب الحصن ، فلما خلف الحصن إذا هو ببابين عظيمين لم ير في الدنيا شيء أعظم منهما ، ولا أطول ، وإذا خشبهما محمر ، وفي ذينك البابين مسامير من ياقوت أبيض ، وياقوت أحمر ، يضيئ
[ ص: 1494 ] ذانك البابان فيما بين الحصن والمدينة ، فلما رأى ذلك الرجل أعجبه ، وتعاظمه الأمر ، ففتح أحد البابين ، ودخل ، فإذا هو بمدينة لم ير الراؤون مثلها قط ، وإذا هي قصور ، قصور ، على كل قصر معلق تحته أعمدة من زبرجد وياقوت ، ومن فوق كل قصر منها غرف ، وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت ، والزبرجد ، وكل مصاريع تلك القصور ، وتلك الغرف مثل مصراعي باب المدينة من حجر ، كلها مفصصة بالياقوت الأبيض ، والياقوت الأحمر ، متقابلة بعضها ببعض ، ينور بعضها من بعض ، مفروشة كلها تلك القصور ، وتلك الغرف باللؤلؤ ، وبنادق من مسك وزعفران ، فلما عاين الرجل ما عاين ، ولم ير فيها أحدا ، ولا أثر أحد ، وإنما هو شيء مفروغ منه ، بناء لم يسكنه أحد ، ولم ير أثرا لأحد من الناس إلا عصا حديدة ، أهاله ذلك وأفزعه ، ثم نظر إلى الأزقة ، فإذا هو بالشجر في كل زقاق منها ، قد أثمرت تلك الأشجار كلها ، وإذا تحت تلك الأشجار أنهار مطردة ، يجري ماؤها من قنوات من فضة ، كل قناة منها أشد بياضا من الشمس ، تجري تلك القنوات تحت الأشجار ، وداخل الرجل العجب مما رأى ، وقال : والذي بعث
محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحق ما خلق الله - تبارك وتعالى - مثل هذه في الدنيا ، وإن هذه للجنة التي وصف الله - عز وجل - ، ما بقي مما وصف الله - تبارك وتعالى - شيء إلا وهو في هذه المدينة ، هذه الجنة ، الحمد لله الذي أدخلنيها ، ساهر على ذلك يوامر نفسه ، ويتدبر رأيه ، إذ دعته نفسه أن يأخذ من لؤلؤها ، وياقوتها وزبرجدها ، ثم يخرج حتى يأتي بلاده ، ثم يرجع إليها ، ففعل فحمل معه من لؤلؤها ، ومن بنادق
[ ص: 1495 ] المسك والزعفران ، ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها شيئا ، ولا من ياقوتها ؛ لأنها مثبتة في أبوابها وجدرانها ، وكان ذلك اللؤلؤ والبنادق من المسك والزعفران منثورا في تلك الغرف ، والقصور كلها ، فأخذ ما أراد .
وخرج إلى ناقته ، فحل عقلها وركبها ، ثم سار راجعا يقفو أثر ناقته حتى رجع إلى
اليمن ، فأظهر ما كان معه ، فأعلم الناس أمره ، وما كان من قصته ، وباع بعض اللؤلؤ ، وكان ذلك اللؤلؤ قد اصفر من طول مرور الليالي والأيام عليه ، فلم يزل أمر ذلك الرجل ينمى ويخرج حتى بلغ أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - ، فأرسل رسولا ، وكتب إلى صاحب
صنعاء يأمره أن يبعث له الرجل ليسأله عما كان من أمره ، فخرج به رسول
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان من
اليمن حتى قدم به
الشام ، وأمر صاحب
صنعاء الرجل أن يخرج ببعض ما جاء به من متاع تلك المدينة ، فسار الرجل ورسول أمير المؤمنين ، حتى قدم على
معاوية ، فخلى به أمير المؤمنين ، وسأله عما رأى وعاين ، فقص عليه أمر المدينة ، وما رأى فيها شيئا شيئا ، فأعظم ذلك
معاوية وأنكر ما حدثه ، وقال : " ما أظن ما تقول حقا ؟ " فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ! ، هي من متاعها ، الذي هو مفروش في قصورها وغرفها وبيوتها . قال : " ما هو ؟ " قال : اللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران ، فقال له
معاوية : " هات حتى أراه " . فأراه لؤلؤا أصفر من أعظم ما يكون من اللؤلؤ ، وأراه تلك البنادق ، فشمها
معاوية فلم يجد لها ريحا ، فأمر بدق بندقة من تلك البنادق ، فسطع ريحها مسكا وزعفرانا ، فصدقه
معاوية عند ذلك ، وقال : " كيف لي حتى أعلم ما اسم هذه المدينة ؟ ومن بناها ؟ ولمن كانت ؟
[ ص: 1496 ] فوالله ! ما أعطي أحد مثل ما أعطي
سليمان بن داود - على نبينا وعليه الصلاة والسلام - ، وما ملك
سليمان مثل هذه المدينة " . فقال بعض جلساء أمير المؤمنين : يا أمير المؤمنين ! ، إنك لن تجد خبر هذه المدينة عند أحد من أهل الدنيا في زماننا هذا إلا عند
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يبعث إليه ، ويأمر بأن يغيب عنه هذا الرجل ، فإنه سيخبر أمير المؤمنين بأمرها ، وأمر هذا الرجل ، إن كان دخلها ؛ لأن مثل هذه المدينة على مثل هذه الصفة لا يستطيع هذا الرجل دخولها ، إلا أن يكون قد سبق في الكتاب الأول دخوله إياها ، فابعث إلى
كعب فإنه يا أمير المؤمنين ! لم يخلق الله - عز وجل - أحدا على ظهر الأرض أعلم منه ، ولا من مضى من الدهر ، ولا يكون من بعد اليوم إلا هو في التوراة مفسرا منسوبا معروفا مكانه ، فليبعث إليه أمير المؤمنين ، فإنه سيجد خبرها عنده ، فأرسل
معاوية - رضي الله عنه - إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار - رحمه الله تعالى - ، فلما أتاه قال له أمير المؤمنين : " يا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبا إسحاق ! ، إني دعوتك لأمر رجوت أن يكون علمه عندك " . قال
كعب : يا أمير المؤمنين ! ، على الخبير سقطت ، فسلني عما بدا لك ؟ قال : " أخبرني يا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبا إسحاق ، nindex.php?page=treesubj&link=34174_32006هل بلغك أن في الدنيا مدينة مبنية بالذهب والفضة ، وعمدها زبرجد وياقوت ، وحصباء قصورها وغرفها اللؤلؤ ، فيها أجنتها وأنهارها في الأزقة تحت الأشجار والأنهار ؟ " ، قال
كعب : والذي نفس
كعب بيده ! لقد ظننت يا أمير المؤمنين أني سأوسد يميني قبل أن يسألني أحد عن تلك المدينة وما فيها ولمن هي ؟ ، ولكن أخبرك بها ، ومن
[ ص: 1497 ] بناها ؟ ، ولمن هي ؟ أما تلك المدينة ، فهي حق كما بلغ أمير المؤمنين ، وعلى ما وصف له ، وأما صاحبها الذي بناها ،
فشداد بن عاد ، وأما المدينة
فإرم ذات العماد التي وصف الله - عز وجل - في كتابه المنزل على
محمد - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إرم ذات العماد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8التي لم يخلق مثلها في البلاد ) وهي كما وصف لك لم يبن مثلها في البلاد . فقال
معاوية : " حدثنا بحديثها يا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبا إسحاق ! ، - يرحمك الله تعالى - " . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبو إسحاق : أخبرك يا أمير المؤمنين ! ، إن
عادا الأولى ليس
عاد قوم
هود ، ولكن
عاد الأولى إنما هو
هود ، وقوم
هود ولد ذلك ، فكان
عاد له ابنان : فسمى أحدهما
شديدا ، والآخر
شدادا ، فهلك
عاد ، فبغيا وتجبرا ، وملكا فقهرا كل البلاد ، وأخذاها عنوة وقسرا حتى دان لهما جميع القبائل حتى لم يبق أحد من الناس في زمانهما إلا وهو في طاعتهما ، لا في مشرق الأرض ، ولا في مغربها ، وإنه لما صفا لهما ذلك ، وقر قرارهما مات
شديد وبقي
شداد ، فملك وحده ، ولم ينازعه أحد ، ودانت له الدنيا كلها بأسرها ، فكان مولعا بقراءة الكتب الأولى الفانية ، وكلما مر فيه بذكر الجنة ، وما سمع مما فيها من البنيان واللؤلؤ والياقوت ، دعته نفسه أن يقلد تلك الصفة في الدنيا عتوا على الله - عز وجل - وكبرا ، فلما وقر ذلك في نفسه ، والذي يريد أمر بصنعة تلك المدينة
إرم ذات العماد . [ ص: 1498 ]
وأمر على صنعها مائة قهرمان ، مع كل قهرمان ألف من الأعوان ، قال : انطلقوا إلى أطيب فلاة في الأرض وأوسعها ، فاعملوا لي فيها مدينة من ذهب وفضة ، وياقوت وزبرجد ولؤلؤ ، تحت تلك المدينة أعمدة من زبرجد ، وعلى المدينة قصور ، ومن فوق القصور غرف ، ومن فوق الغرف غرف ، واغرسوا تحت القصور في أزقتها أصناف الثمار كلها ، وأجروا فيها الأنهار حتى يكون تحت الأشجار ، فإني أسمع في الكتاب صفة الجنة ، فأنا أحب أن أجعل مثلها في الدنيا ، أتعجل سكناها . فقال له قهارمته - وكانوا مائة قهرمان - تحت يد كل قهرمان منهم ألف من الأعوان - : كيف لنا أن نقدر على ما وصفت لنا من الزبرجد والياقوت واللؤلؤ ، والذهب والفضة ، (تبني منه مدينة من المدائن كما وصفت لنا ؟ متى نقدر على هذا الذهب كله وهذه الفضة ؟ ) فقال لهم
شداد : أليس تعلمون أن ملك الدنيا كلها بيدي ؟ قالوا : بلى . قال : فانطلقوا إلى كل شيء في الدنيا من معدن من معادن الزبرجد والياقوت ، أو بحر فيه لؤلؤ ، أو معدن ذهب ، أو فضة ، ووكلوا به من كل قوم رجلا يخرج لكم ما كان في كل معدن من تلك البلاد ، ثم انطلقوا ، فانظروا إلى ما كان في أيدي الناس من ذلك ، فخذوه سوى ما يأتيكم به أصحاب المعادن ، فإن معادن الدنيا أكثر من ذلك ، وما فيها مما لا تعلمون به أكثر وأعظم ، مما كلفتم من صنعة هذه المدينة . قال : فخرجوا من عنده ، فكتب منه إلى كل ملك في الدنيا يأمره أن يجمع ما في بلاده من جوهرها ، ويحفر معادنها ، فانطلق أولئك القهارمة ، فبعثوا بكل كتاب إلى ملك من تلك الملوك ، وأخذ كل ملك ما يجد في يديه في ملكه عشر سنين ، حتى بعث إلى فعلة
إرم ذات العماد بما قبله ، مما سأله من الزبرجد ،
[ ص: 1499 ] والياقوت واللؤلؤ ، والذهب والفضة ، وأخذ القوم في طلبهم له مواضع ، كلما أرادوا وضعه لهم من البساتين ، بساتين
إرم ذات العماد ، وإجراء الأنهار ، وغرس الأشجار ، وحدودها على ما وصف لهم عشر سنين " . فقال له
معاوية : " يا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبا إسحاق ! ، وكم كان عدد تلك الملوك التي كانت إرم ؟ " قال : كانت مائتين وستين ملكا ، قسمها بينهم ، كل ملك منهم على حدة ، وما عليه من الخراج . فقال له
معاوية : " أتمم حديثك يا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبا إسحاق ! " . قال : فخرج عند ذلك الفعلة والقهارمة ، فتبددوا في الصحاري ليجدوا ما يوافقه ، فلم يجدوا ذلك حتى وقفوا على صحراء عظيمة ، نقية من الجبال والتلال ، فإذا هم بعيون مطردة ، فقالوا : هذه صفة إرم التي أمرنا بها ، فعمدوا ، فأخذوا بقدر الذي أمرهم من العرض والطول ، ثم جعلوا ذلك بحدود محدودة ، ثم عمدوا إلى مواضع الأزقة التي فيها الحدود ، فأجروا فيها قنوات تلك الأنهار ، ثم وضعوا الأساس من صخور الجزع اليماني ، وعبوا طين ذلك الأساس من مر ولبان ، ومحلب ، فلما فرغوا مما وضعوا من
[ ص: 1500 ] الأساس ، وأجروا القنوات ، وأرسلت إليهم الملوك بالزبرجد ، والياقوت والذهب ، والفضة واللؤلؤ ، والجوهر ، كل ملك قد عمل ما كان في معدنه ، فمنهم من بعث بالعمد مفروغ منها ، ومنهم من بعث بالذهب ، والفضة مفروغ منه مصنوعا ، فدفعوه إلى تلك القهارمة والوزراء ، فأقاموا فيها حتى فرغوا من بنائها ، وهي على تلك العمد ، وهي قصور من فوق القصور غرف ، ومن فوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة ، والزبرجد ، والياقوت التي بعث بها الملوك . فقال
معاوية : " يا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبا إسحاق ! ، والله ! إني لأحسبهم قد أقاموا في بنائها زمانا من الدهر ؟ " قال : نعم ، يا أمير المؤمنين ، إني لأجد مكتوبا في التوراة أنهم أقاموا في بنائها ، وما أجلهم الملوك في الذي أمرهم من حمل ما في الدنيا إليه من كل زبرجد وياقوت ، ولؤلؤ وذهب وفضة ، حتى فرغوا منها ، أجده مكتوبا ثلاثمائة سنة . قال
معاوية : " وكم كان عمر
شداد بن عاد صاحبها ؟ " قال : كان عمره تسعمائة سنة .
قال
معاوية : " يا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبا إسحاق ! ، لقد أخبرتنا عجبا ، فحدثنا " ، قال : يا أمير المؤمنين ، إنما سماها الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إرم ذات العماد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8التي لم يخلق مثلها في البلاد ) ، التي لم يعمل مثلها في البلاد ؛ للذي فيها من الزبرجد والياقوت ، وليس في الدنيا مدينة بالزبرجد غيرها ، ولا ياقوت غيرها ، فلذلك قال الله - عز وجل - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إرم ذات العماد nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8التي لم يخلق مثلها في البلاد ) ، قال
كعب : يا أمير المؤمنين ، إنهم لما أتوه فأخبروه بفراغهم منها ، قال : انطلقوا فاجعلوا
[ ص: 1501 ] عليها حصنا ، واجعلوا حول الحصن ألف قصر عند كل قصر ألف علم ، يكون في قصر من تلك القصور ، وزير من وزرائي ، ويكون فوق كل علم منها ناطور ، قال : فرجعوا ، فعملوا تلك القصور والأعلام والحصن ، ثم أتوه ، فأخبروه بالفراغ مما أمرهم به . قال : فأمر ألف وزير من أهل خاصته ، ومن يثق به أن يتهيأوا إلى النقلة إلى
إرم ذات العماد ، وأمر لتلك الأعلام برجال يسكنونها ، ويقيمون فيها ليلهم ونهارهم ، وأمر لهم بالعطاء والأرزاق ، والجهاز إلى تلك الأعلام ، قال : وأمر الملك من أراد من نسائه ، وخدمه بالجهاز إلى
إرم ذات العماد ، فأقاموا في جهازهم إليها عشر سنين ، فسار الملك بمن أراد ، وخلف من قومه في
عدن أبين ، والشجراء كثر مما سار ، فلما استقل وسار إليها ليسكنها ، وبلغها إلا مسيرة يوم وليلة ، بعث الله - عز وجل - عليه ، وعلى من كان معه صيحة من السماء ، فأهلكتهم جميعا ، ولم يبق منهم أحد ، ولم يدخل
إرم ذات العماد ، ولا من كان معه ، ولم يقدر على أن يدخلها أحد منهم حتى الساعة ، فهذه
nindex.php?page=treesubj&link=32006_34174صفة إرم ذات العماد يا أمير المؤمنين .
وسيدخلها رجل من المسلمين يا أمير المؤمنين ! في زمانك هذا ويرى ما فيها ، ويحدث بما فيها ، ولا يصدق . قال له
معاوية : " يا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبا إسحاق ، هل تصفه ؟ " قال : نعم ، هو رجل أحمر أشقر قصير ، على حاجبه
[ ص: 1502 ] خال ، وعلى عنقه خال ، يخرج ذلك الرجل في طلب إبل له في تلك الصحاري ، فيقع على
إرم ذات العماد فيدخلها ويحمل مما فيها ، والرجل جالس عندك يا أمير المؤمنين ! ، فالتفت
كعب فرأى ذلك الرجل ، فقال : هذا ذلك الرجل يا أمير المؤمنين ، واسأله عما حدثتك به ، فقال
معاوية : يا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبا إسحاق ، هذا من خدمي ، ولم يبال حتى ، قال : فقد دخلها ، وإلا فسيدخلها ، وسيدخلها أهل هذا الدين في آخر الزمان . فقال له
معاوية : " لقد فضلك الله تعالى يا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبا إسحاق ! على غيرك من العلماء ، ولقد أعطيت من علم الأولين والآخرين ما لم يعط أحد " ، فقال له
كعب : والذي نفسي بيده ، ما خلق الله تعالى شيئا إلا وقد فسره في التوراة لعبده
موسى - على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام - ، تفسيرا يا أمير المؤمنين ! ، وإن القرآن لشدة ووعيد ، وكفى بالله وكيلا ، وشدة ووعيدا .
[ ص: 1503 ]
37 -
nindex.php?page=treesubj&link=34174_32006ذِكْرُ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ 983 - 1 حَدَّثَنِي أَبِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ، حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16441عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=16457عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15790خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قِلَابَةَ ، أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِ إِبِلٍ لَهُ نَشَزَتْ ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي صَحَارِي
عَدَنِ أَبْيَنَ ، وَالشَّجَرُ تُظِلُّهُ فِي تِلْكَ الْفَلَوَاتِ ، إِذْ وَقَعَ عَلَى مَدِينَةٍ فِي تِلْكَ الْفَلَوَاتِ ، عَلَيْهَا حِصْنٌ حَوْلَ ذَلِكَ الْحِصْنِ قُصُورٌ كَثِيرَةٌ ، وَأَعْلَامٌ طِوَالٌ ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا ظَنَّ أَنَّ فِيهَا أَحَدًا يَسْأَلُهُ عَنْ إِبِلِهِ ، فَإِذَا لَا خَارِجَ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ حِصْنِهَا ، وَلَا دَاخِلٌ يَدْخُلُ مِنْهُ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَزَلَ عَنْ نَاقَتِهِ وَعَقَلَهَا ، ثُمَّ اسْتَلَّ سَيْفَهُ ، وَدَخَلَ مِنْ بَابِ الْحِصْنِ ، فَلَمَّا خَلَفَ الْحِصْنَ إِذَا هُوَ بِبَابَيْنِ عَظِيمَيْنِ لَمْ يُرَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ أَعْظَمُ مِنْهُمَا ، وَلَا أَطْوَلُ ، وَإِذَا خَشَبُهُمَا مُحْمِرٌّ ، وَفِي ذَيْنِكَ الْبَابَيْنِ مَسَامِيرُ مِنْ يَاقُوتٍ أَبْيَضَ ، وَيَاقُوتٍ أَحْمَرَ ، يُضِيئُ
[ ص: 1494 ] ذَانِكَ الْبَابَانِ فِيمَا بَيْنَ الْحِصْنِ وَالْمَدِينَةِ ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الرَّجُلُ أَعْجَبَهُ ، وَتَعَاظَمَهُ الْأَمْرُ ، فَفَتَحَ أَحَدَ الْبَابَيْنِ ، وَدَخَلَ ، فَإِذَا هُوَ بِمَدِينَةٍ لَمْ يَرَ الرَّاؤُونَ مِثْلَهَا قَطُّ ، وَإِذَا هِيَ قُصُورٌ ، قُصُورٌ ، عَلَى كُلِّ قَصْرٍ مُعَلَّقٍ تَحْتَهُ أَعْمِدَةٌ مِنْ زَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ ، وَمِنْ فَوْقِ كُلِّ قَصْرٍ مِنْهَا غُرَفٌ ، وَفَوْقَ الْغُرَفِ غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ ، وَالزَّبَرْجَدِ ، وَكُلُّ مَصَارِيعِ تِلْكَ الْقُصُورِ ، وَتِلْكَ الْغُرَفِ مِثْلُ مِصْرَاعَيْ بَابِ الْمَدِينَةِ مِنْ حَجَرٍ ، كُلُّهَا مُفَصَّصَةٌ بِالْيَاقُوتِ الْأَبْيَضِ ، وَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ ، مُتَقَابِلَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ ، يُنَوَّرُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ، مَفْرُوشَةٌ كُلُّهَا تِلْكَ الْقُصُورُ ، وَتِلْكَ الْغُرَفُ بِاللُّؤْلُؤِ ، وَبَنَادِقٍ مِنْ مِسْكٍ وَزَعْفَرَانٍ ، فَلَمَّا عَايَنَ الرَّجُلُ مَا عَايَنَ ، وَلَمْ يَرَ فِيهَا أَحَدًا ، وَلَا أَثَرَ أَحَدٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ ، بِنَاءً لَمْ يَسْكُنْهُ أَحَدٌ ، وَلَمْ يَرَ أَثَرًا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا عَصًا حَدِيدَةً ، أَهَالَهُ ذَلِكَ وَأَفْزَعَهُ ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْأَزِقَّةِ ، فَإِذَا هُوَ بِالشَّجَرِ فِي كُلِّ زُقَاقٍ مِنْهَا ، قَدْ أَثْمَرَتْ تِلْكَ الْأَشْجَارُ كُلُّهَا ، وَإِذَا تَحْتَ تِلْكَ الْأَشْجَارِ أَنْهَارٌ مُطَّرِدَةٌ ، يَجْرِي مَاؤُهَا مِنْ قَنَوَاتٍ مِنْ فِضَّةٍ ، كُلُّ قَنَاةٍ مِنْهَا أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الشَّمْسِ ، تَجْرِي تِلْكَ الْقَنَوَاتُ تَحْتَ الْأَشْجَارِ ، وَدَاخَلَ الرَّجُلَ الْعَجَبُ مِمَّا رَأَى ، وَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحَقِّ مَا خَلَقَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - مِثْلَ هَذِهِ فِي الدُّنْيَا ، وَإِنَّ هَذِهِ لِلْجَنَّةُ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - ، مَا بَقِيَ مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ ، هَذِهِ الْجَنَّةُ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَدْخَلَنِيهَا ، سَاهِرٌ عَلَى ذَلِكَ يُوامِرُ نَفْسَهُ ، وَيَتَدَبَّرُ رَأْيَهُ ، إِذْ دَعَتْهُ نَفْسُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ لُؤْلُؤِهَا ، وَيَاقُوتِهَا وَزَبَرْجَدِهَا ، ثُمَّ يَخْرُجُ حَتَّى يَأْتِيَ بِلَادَهُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهَا ، فَفَعَلَ فَحَمَلَ مَعَهُ مِنْ لُؤْلُؤِهَا ، وَمِنْ بَنَادِقِ
[ ص: 1495 ] الْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقْلَعَ مِنْ زَبَرْجَدِهَا شَيْئًا ، وَلَا مِنْ يَاقُوتِهَا ؛ لِأَنَّهَا مُثَبَّتَةٌ فِي أَبْوَابِهَا وَجُدْرَانِهَا ، وَكَانَ ذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ وَالْبَنَادِقُ مِنَ الْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ مَنْثُورًا فِي تِلْكَ الْغُرَفِ ، وَالْقُصُورِ كُلِّهَا ، فَأَخَذَ مَا أَرَادَ .
وَخَرَجَ إِلَى نَاقَتِهِ ، فَحَلَّ عَقْلَهَا وَرَكِبَهَا ، ثُمَّ سَارَ رَاجِعًا يَقْفُو أَثَرَ نَاقَتِهِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى
الْيَمَنِ ، فَأَظْهَرَ مَا كَانَ مَعَهُ ، فَأَعْلَمَ النَّاسَ أَمَرَهُ ، وَمَا كَانَ مِنْ قِصَّتِهِ ، وَبَاعَ بَعْضَ اللُّؤْلُؤِ ، وَكَانَ ذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ قَدِ اصْفَرَّ مِنْ طُولِ مُرُورِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ عَلَيْهِ ، فَلَمْ يَزَلْ أَمْرُ ذَلِكَ الرَّجُلِ يَنْمَى وَيَخْرُجُ حَتَّى بَلَغَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، فَأَرْسَلَ رَسُولًا ، وَكَتَبَ إِلَى صَاحِبِ
صَنْعَاءَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَبْعَثَ لَهُ الرَّجُلَ لَيَسْأَلَهُ عَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ ، فَخَرَجَ بِهِ رَسُولُ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ
الْيَمَنِ حَتَّى قَدِمَ بِهِ
الشَّامَ ، وَأَمَرَ صَاحِبَ
صَنْعَاءَ الرَّجُلَ أَنْ يَخْرُجَ بِبَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ مَتَاعِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ ، فَسَارَ الرَّجُلُ وَرَسُولُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى
مُعَاوِيَةَ ، فَخَلَّى بِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَسَأَلَهُ عَمَّا رَأَى وَعَايَنَ ، فَقَصَّ عَلَيْهِ أَمْرَ الْمَدِينَةِ ، وَمَا رَأَى فِيهَا شَيْئًا شَيْئًا ، فَأَعْظَمَ ذَلِكَ
مُعَاوِيَةَ وَأَنْكَرَ مَا حَدَّثَهُ ، وَقَالَ : " مَا أَظُنُّ مَا تَقُولُ حَقًّا ؟ " فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! ، هِيَ مِنْ مَتَاعِهَا ، الَّذِي هُوَ مَفْرُوشٌ فِي قُصُورِهَا وَغُرَفِهَا وَبُيُوتِهَا . قَالَ : " مَا هُوَ ؟ " قَالَ : اللُّؤْلُؤُ وَبَنَادِقُ الْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ ، فَقَالَ لَهُ
مُعَاوِيَةُ : " هَاتِ حَتَّى أَرَاهُ " . فَأَرَاهُ لُؤْلُؤًا أَصْفَرَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ ، وَأَرَاهُ تِلْكَ الْبَنَادِقَ ، فَشَمَّهَا
مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يَجِدْ لَهَا رِيحًا ، فَأَمَرَ بِدَقِّ بُنْدُقَةٍ مِنْ تِلْكَ الْبَنَادِقِ ، فَسَطَعَ رِيحُهَا مِسْكًا وَزَعْفَرَانًا ، فَصَدَّقَهُ
مُعَاوِيَةُ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَقَالَ : " كَيْفَ لِي حَتَّى أَعْلَمَ مَا اسْمُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ ؟ وَمَنْ بَنَاهَا ؟ وَلِمَنْ كَانَتْ ؟
[ ص: 1496 ] فَوَاللَّهِ ! مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيَ
سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ، وَمَا مَلَكَ
سُلَيْمَانُ مِثْلَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ " . فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَاءِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ خَبَرَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا فِي زَمَانِنَا هَذَا إِلَّا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16850كَعْبِ الْأَحْبَارِ ، فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ ، وَيَأْمُرَ بِأَنْ يَغِيبَ عَنْهُ هَذَا الرَّجُلُ ، فَإِنَّهُ سَيُخْبِرُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَمْرِهَا ، وَأَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ ، إِنْ كَانَ دَخَلَهَا ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَسْتَطِيعُ هَذَا الرَّجُلُ دُخُولَهَا ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَبَقَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ دُخُولُهُ إِيَّاهَا ، فَابْعَثْ إِلَى
كَعْبٍ فَإِنَّهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَحَدًا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْهُ ، وَلَا مَنْ مَضَى مِنَ الدَّهْرِ ، وَلَا يَكُونُ مِنْ بَعْدِ الْيَوْمِ إِلَّا هُوَ فِي التَّوْرَاةِ مُفَسَّرًا مَنْسُوبًا مَعْرُوفًا مَكَانُهُ ، فَلْيَبْعَثْ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّهُ سَيَجِدُ خَبَرَهَا عِنْدَهُ ، فَأَرْسَلَ
مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16850كَعْبِ الْأَحْبَارِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : " يَا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أَبَا إِسْحَاقَ ! ، إِنِّي دَعَوْتُكَ لِأَمْرٍ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُ عِنْدَكَ " . قَالَ
كَعْبٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! ، عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ ، فَسَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ ؟ قَالَ : " أَخْبِرْنِي يَا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أَبَا إِسْحَاقَ ، nindex.php?page=treesubj&link=34174_32006هَلْ بَلَغَكَ أَنَّ فِي الدُّنْيَا مَدِينَةً مَبْنِيَّةً بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَعُمُدُهَا زَبَرْجَدٌ وَيَاقُوتٌ ، وَحَصْبَاءُ قُصُورُهَا وَغُرَفُهَا اللُّؤْلُؤُ ، فِيهَا أَجِنَّتُهَا وَأَنْهَارُهَا فِي الْأَزِقَّةِ تَحْتَ الْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ ؟ " ، قَالَ
كَعْبٌ : وَالَّذِي نَفْسُ
كَعْبٍ بِيَدِهِ ! لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنِّي سَأُوَسَّدُ يَمِينِي قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَنِي أَحَدٌ عَنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَمَا فِيهَا وَلِمَنْ هِيَ ؟ ، وَلَكِنْ أُخْبِرُكَ بِهَا ، وَمَنْ
[ ص: 1497 ] بَنَاهَا ؟ ، وَلِمَنْ هِيَ ؟ أَمَّا تِلْكَ الْمَدِينَةُ ، فَهِيَ حَقٌّ كَمَا بَلَغَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَعَلَى مَا وُصِفَ لَهُ ، وَأَمَّا صَاحِبُهَا الَّذِي بَنَاهَا ،
فَشَدَّادُ بْنُ عَادٍ ، وَأَمَّا الْمَدِينَةُ
فَإِرَمُ ذَاتُ الْعِمَادِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي كِتَابِهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ ) وَهِيَ كَمَا وُصِفَ لَكَ لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ . فَقَالَ
مُعَاوِيَةُ : " حَدَّثَنَا بِحَدِيثِهَا يَا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أَبَا إِسْحَاقَ ! ، - يَرْحَمُكَ اللَّهُ تَعَالَى - " . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11813أَبُو إِسْحَاقَ : أُخْبِرُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! ، إِنَّ
عَادًا الْأُولَى لَيْسَ
عَادَ قَوْمِ
هُودٍ ، وَلَكِنْ
عَادٌ الْأُولَى إِنَّمَا هُوَ
هُودٌ ، وَقَوْمُ
هُودٍ وَلَدُ ذَلِكَ ، فَكَانَ
عَادٌ لَهُ ابْنَانِ : فَسَمَّى أَحَدَهُمَا
شَدِيدًا ، وَالْآخَرَ
شَدَّادًا ، فَهَلَكَ
عَادٌ ، فَبَغَيَا وَتَجَبَّرَا ، وَمَلَكَا فَقَهَرَا كُلَّ الْبِلَادِ ، وَأَخَذَاهَا عَنْوَةً وَقَسْرًا حَتَّى دَانَ لَهُمَا جَمِيعُ الْقَبَائِلِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ فِي زَمَانِهِمَا إِلَّا وَهُوَ فِي طَاعَتِهِمَا ، لَا فِي مَشْرِقِ الْأَرْضِ ، وَلَا فِي مَغْرِبِهَا ، وَإِنَّهُ لَمَّا صَفَا لَهُمَا ذَلِكَ ، وَقَرَّ قَرَارُهُمَا مَاتَ
شَدِيدٌ وَبَقِيَ
شَدَّادٌ ، فَمَلَكَ وَحْدَهُ ، وَلَمْ يُنَازِعْهُ أَحَدٌ ، وَدَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا كُلُّهَا بِأَسْرِهَا ، فَكَانَ مُولَعًا بِقِرَاءَةِ الْكُتُبِ الْأُولَى الْفَانِيَةِ ، وَكُلَّمَا مَرَّ فِيهِ بِذِكْرِ الْجَنَّةِ ، وَمَا سَمِعَ مِمَّا فِيهَا مِنَ الْبُنْيَانِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ ، دَعَتْهُ نَفْسُهُ أَنْ يُقَلِّدَ تِلْكَ الصِّفَةَ فِي الدُّنْيَا عُتُوًّا عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَكِبْرًا ، فَلَمَّا وَقَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ ، وَالَّذِي يُرِيدُ أَمَرَ بِصَنْعَةِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ
إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . [ ص: 1498 ]
وَأَمَرَ عَلَى صُنْعِهَا مِائَةَ قَهْرَمَانٍ ، مَعَ كُلِّ قَهْرَمَانٍ أَلْفٌ مِنَ الْأَعْوَانِ ، قَالَ : انْطَلِقُوا إِلَى أَطْيَبِ فَلَاةٍ فِي الْأَرْضِ وَأَوْسَعِهَا ، فَاعْمَلُوا لِي فِيهَا مَدِينَةً مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ، وَيَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ وَلُؤْلُؤٍ ، تَحْتَ تِلْكَ الْمَدِينَةِ أَعْمِدَةٌ مِنْ زَبَرْجَدٍ ، وَعَلَى الْمَدِينَةِ قُصُورٌ ، وَمِنْ فَوْقِ الْقُصُورِ غُرَفٌ ، وَمِنْ فَوْقِ الْغُرَفِ غُرَفٌ ، وَاغْرِسُوا تَحْتَ الْقُصُورِ فِي أَزِقَّتِهَا أَصْنَافَ الثِّمَارِ كُلَّهَا ، وَأَجْرُوا فِيهَا الْأَنْهَارَ حَتَّى يَكُونَ تَحْتِ الْأَشْجَارِ ، فَإِنِّي أَسْمَعُ فِي الْكِتَابِ صِفَةَ الْجَنَّةِ ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَجْعَلَ مِثْلَهَا فِي الدُّنْيَا ، أَتَعَجَّلُ سُكْنَاهَا . فَقَالَ لَهُ قَهَارِمَتُهُ - وَكَانُوا مِائَةَ قَهْرَمَانٍ - تَحْتَ يَدِ كُلِّ قَهْرَمَانٍ مِنْهُمْ أَلْفٌ مِنَ الْأَعْوَانِ - : كَيْفَ لَنَا أَنْ نَقْدِرَ عَلَى مَا وَصَفْتَ لَنَا مِنَ الزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ ، وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، (تَبْنِي مِنْهُ مَدِينَةً مِنَ الْمَدَائِنِ كَمَا وَصَفْتَ لَنَا ؟ مَتَى نَقْدِرُ عَلَى هَذَا الذَّهَبِ كُلِّهِ وَهَذِهِ الْفِضَّةِ ؟ ) فَقَالَ لَهُمْ
شَدَّادٌ : أَلَيْسَ تَعْلَمُونَ أَنَّ مُلْكَ الدُّنْيَا كُلِّهَا بِيَدِي ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَانْطَلِقُوا إِلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَعْدِنٍ مِنْ مَعَادِنِ الزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ ، أَوْ بَحْرٍ فِيهِ لُؤْلُؤٌ ، أَوْ مَعْدِنُ ذَهَبٍ ، أَوْ فِضَّةٍ ، وَوَكِّلُوا بِهِ مِنْ كُلِّ قَوْمٍ رَجُلًا يُخْرِجُ لَكُمْ مَا كَانَ فِي كُلِّ مَعْدِنٍ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ ، ثُمَّ انْطَلِقُوا ، فَانْظُرُوا إِلَى مَا كَانَ فِي أَيْدِي النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ ، فَخُذُوهُ سِوَى مَا يَأْتِيكُمْ بِهِ أَصْحَابُ الْمَعَادِنِ ، فَإِنَّ مَعَادِنَ الدُّنْيَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ ، وَمَا فِيهَا مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ بِهِ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ ، مِمَّا كُلِّفْتُمْ مِنْ صَنْعَةِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ . قَالَ : فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ ، فَكَتَبَ مِنْهُ إِلَى كُلِّ مَلِكٍ فِي الدُّنْيَا يَأْمُرُهُ أَنْ يَجْمَعَ مَا فِي بِلَادِهِ مِنْ جَوْهَرِهَا ، وَيَحْفُرَ مَعَادِنَهَا ، فَانْطَلَقَ أُولَئِكَ الْقَهَارِمَةُ ، فَبَعَثُوا بِكَلِّ كِتَابٍ إِلَى مَلِكٍ مِنْ تِلْكَ الْمُلُوكِ ، وَأَخَذَ كُلُّ مَلِكٍ مَا يَجِدُ فِي يَدَيْهِ فِي مُلْكِهِ عَشْرَ سِنِينَ ، حَتَّى بَعَثَ إِلَى فَعَلَةِ
إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ بِمَا قَبْلَهُ ، مِمَّا سَأَلَهُ مِنَ الزَّبَرْجَدِ ،
[ ص: 1499 ] وَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ ، وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَأَخَذَ الْقَوْمُ فِي طَلَبِهِمْ لَهُ مَوَاضِعَ ، كُلَّمَا أَرَادُوا وَضَعَهُ لَهُمْ مِنَ الْبَسَاتِينَ ، بَسَاتِينِ
إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ، وَإِجْرَاءِ الْأَنْهَارِ ، وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ ، وَحُدُودِهَا عَلَى مَا وَصَفَ لَهُمْ عَشْرَ سِنِينَ " . فَقَالَ لَهُ
مُعَاوِيَةُ : " يَا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أَبَا إِسْحَاقَ ! ، وَكَمْ كَانَ عَدَدُ تِلْكَ الْمُلُوكِ الَّتِي كَانَتْ إِرَمُ ؟ " قَالَ : كَانَتْ مِائَتَيْنِ وَسِتِّينَ مَلِكًا ، قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ ، كُلُّ مَلِكٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَةٍ ، وَمَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَرَاجِ . فَقَالَ لَهُ
مُعَاوِيَةُ : " أَتْمِمْ حَدِيثَكَ يَا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أَبَا إِسْحَاقَ ! " . قَالَ : فَخَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ الْفَعَلَةُ وَالْقَهَارِمَةُ ، فَتَبَدَّدُوا فِي الصَّحَارِي لِيَجِدُوا مَا يُوَافِقُهُ ، فَلَمْ يَجِدُوا ذَلِكَ حَتَّى وَقَفُوا عَلَى صَحْرَاءَ عَظِيمَةٍ ، نَقِيَّةٍ مِنَ الْجِبَالِ وَالتِّلَالِ ، فَإِذَا هُمْ بِعُيُونٍ مُطَّرِدَةٍ ، فَقَالُوا : هَذِهِ صِفَةُ إِرَمَ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا ، فَعَمَدُوا ، فَأَخَذُوا بِقَدْرِ الَّذِي أَمَرَهُمْ مِنَ الْعَرْضِ وَالطُّولِ ، ثُمَّ جَعَلُوا ذَلِكَ بِحُدُودٍ مَحْدُودَةٍ ، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى مَوَاضِعِ الْأَزِقَّةِ الَّتِي فِيهَا الْحُدُودُ ، فَأَجْرَوْا فِيهَا قَنَوَاتِ تِلْكَ الْأَنْهَارِ ، ثُمَّ وَضَعُوا الْأَسَاسَ مِنْ صُخُورِ الْجَزَعِ الْيَمَانِي ، وَعَبَّوْا طِينَ ذَلِكَ الْأَسَاسِ مِنْ مُرٍّ وَلُبَانٍ ، وَمَحْلَبٍ ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِمَّا وَضَعُوا مِنَ
[ ص: 1500 ] الْأَسَاسِ ، وَأَجْرَوُا الْقَنَوَاتِ ، وَأُرْسِلَتْ إِلَيْهِمُ الْمُلُوكُ بِالزَّبَرْجَدِ ، وَالْيَاقُوتِ وَالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ ، وَالْجَوْهَرِ ، كُلُّ مَلِكٍ قَدْ عَمِلَ مَا كَانَ فِي مَعْدِنِهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ بَعَثَ بِالْعُمُدِ مَفْرُوغٌ مِنْهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَعَثَ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ مَفْرُوغٌ مِنْهُ مَصْنُوعًا ، فَدَفَعُوهُ إِلَى تِلْكَ الْقَهَارِمَةِ وَالْوُزَرَاءِ ، فَأَقَامُوا فِيهَا حَتَّى فَرَغُوا مِنْ بِنَائِهَا ، وَهِيَ عَلَى تِلْكَ الْعُمُدِ ، وَهِيَ قُصُورٌ مِنْ فَوْقِ الْقُصُورِ غُرَفٌ ، وَمِنْ فَوْقِ الْغُرَفِ غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَالزَّبَرْجَدِ ، وَالْيَاقُوتِ الَّتِي بَعَثَ بِهَا الْمُلُوكُ . فَقَالَ
مُعَاوِيَةُ : " يَا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أَبَا إِسْحَاقَ ! ، وَاللَّهِ ! إِنِّي لَأَحْسِبُهُمْ قَدْ أَقَامُوا فِي بِنَائِهَا زَمَانًا مِنَ الدَّهْرِ ؟ " قَالَ : نَعَمْ ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنِّي لَأَجِدُ مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُمْ أَقَامُوا فِي بِنَائِهَا ، وَمَا أَجَّلَهُمُ الْمُلُوكُ فِي الَّذِي أَمَرَهُمْ مِنْ حَمْلِ مَا فِي الدُّنْيَا إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ زَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ ، وَلُؤْلُؤٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ، حَتَّى فَرَغُوا مِنْهَا ، أَجِدُهُ مَكْتُوبًا ثَلَاثُمِائَةِ سَنَةٍ . قَالَ
مُعَاوِيَةُ : " وَكَمْ كَانَ عُمْرُ
شَدَّادِ بْنِ عَادٍ صَاحِبُهَا ؟ " قَالَ : كَانَ عُمْرُهُ تِسْعَمِائَةِ سَنَةٍ .
قَالَ
مُعَاوِيَةُ : " يَا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أَبَا إِسْحَاقَ ! ، لَقَدْ أَخْبَرْتَنَا عَجَبًا ، فَحَدِّثْنَا " ، قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّمَا سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ ) ، الَّتِي لَمْ يُعْمَلْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ؛ لِلَّذِي فِيهَا مِنَ الزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ ، وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا مَدِينَةٌ بِالزَّبَرْجَدِ غَيْرُهَا ، وَلَا يَاقُوتٌ غَيْرُهَا ، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=7إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=8الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ ) ، قَالَ
كَعْبٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّهُمْ لَمَّا أَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ بِفَرَاغِهِمْ مِنْهَا ، قَالَ : انْطَلِقُوا فَاجْعَلُوا
[ ص: 1501 ] عَلَيْهَا حِصْنًا ، وَاجْعَلُوا حَوْلَ الْحِصْنِ أَلْفَ قَصْرٍ عِنْدَ كُلِّ قَصْرٍ أَلْفُ عَلَمٍ ، يَكُونُ فِي قَصْرٍ مِنْ تِلْكَ الْقُصُورِ ، وَزِيرٌ مِنْ وُزَرَائِي ، وَيَكُونُ فَوْقَ كُلِّ عَلَمٍ مِنْهَا نَاطُورٌ ، قَالَ : فَرَجَعُوا ، فَعَمِلُوا تِلْكَ الْقُصُورَ وَالْأَعْلَامَ وَالْحِصْنَ ، ثُمَّ أَتَوْهُ ، فَأَخْبَرُوهُ بِالْفَرَاغِ مِمَّا أَمَرَهُمْ بِهِ . قَالَ : فَأَمَرَ أَلْفَ وَزِيرٍ مِنْ أَهْلِ خَاصَّتِهِ ، وَمَنْ يَثِقُ بِهِ أَنْ يَتَهَيَّأُوا إِلَى النَّقْلَةِ إِلَى
إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ، وَأَمَرَ لِتِلْكَ الْأَعْلَامِ بِرِجَالٍ يَسْكُنُونَهَا ، وَيُقِيمُونَ فِيهَا لَيْلَهُمْ وَنَهَارَهُمْ ، وَأَمَرَ لَهُمْ بِالْعَطَاءِ وَالْأَرْزَاقِ ، وَالْجِهَازِ إِلَى تِلْكَ الْأَعْلَامِ ، قَالَ : وَأَمَرَ الْمَلِكُ مَنْ أَرَادَ مِنْ نِسَائِهِ ، وَخَدَمِهِ بِالْجِهَازِ إِلَى
إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ، فَأَقَامُوا فِي جَهَازِهِمْ إِلَيْهَا عَشْرَ سِنِينَ ، فَسَارَ الْمَلِكُ بِمَنْ أَرَادَ ، وَخَلَفَ مِنْ قَوْمِهِ فِي
عَدَنِ أَبْيَنَ ، وَالشُّجَرَاءُ كُثْرٌ مِمَّا سَارَ ، فَلَمَّا اسْتَقَلَّ وَسَارَ إِلَيْهَا لِيَسْكُنَهَا ، وَبَلَغَهَا إِلَّا مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، بَعَثَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَيْهِ ، وَعَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ صَيْحَةً مِنَ السَّمَاءِ ، فَأَهْلَكَتْهُمْ جَمِيعًا ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَلَمْ يَدْخُلْ
إِرَمَ ذَاتَ الْعِمَادِ ، وَلَا مَنْ كَانَ مَعَهُ ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ حَتَّى السَّاعَةِ ، فَهَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=32006_34174صِفَةُ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ .
وَسَيَدْخُلُهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! فِي زَمَانِكَ هَذَا وَيَرَى مَا فِيهَا ، وَيُحَدِّثُ بِمَا فِيهَا ، وَلَا يُصَدَّقُ . قَالَ لَهُ
مُعَاوِيَةُ : " يَا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أَبَا إِسْحَاقَ ، هَلْ تَصِفُهُ ؟ " قَالَ : نَعَمْ ، هُوَ رَجُلٌ أَحْمَرُ أَشْقَرُ قَصِيرٌ ، عَلَى حَاجِبِهِ
[ ص: 1502 ] خَالٌ ، وَعَلَى عُنُقِهِ خَالٌ ، يَخْرُجُ ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي طَلَبِ إِبِلٍ لَهُ فِي تِلْكَ الصَّحَارِي ، فَيَقَعُ عَلَى
إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ فَيَدْخُلُهَا وَيَحْمِلُ مِمَّا فِيهَا ، وَالرَّجُلُ جَالِسٌ عِنْدَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! ، فَالْتَفَتَ
كَعْبٌ فَرَأَى ذَلِكَ الرَّجُلَ ، فَقَالَ : هَذَا ذَلِكَ الرَّجُلُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَاسْأَلْهُ عَمَّا حَدَّثْتُكَ بِهِ ، فَقَالَ
مُعَاوِيَةُ : يَا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أَبَا إِسْحَاقَ ، هَذَا مِنْ خَدَمِي ، وَلَمْ يُبَالِ حَتَّى ، قَالَ : فَقَدْ دَخَلَهَا ، وَإِلَّا فَسَيَدْخُلُهَا ، وَسَيَدْخُلُهَا أَهْلُ هَذَا الدِّينِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ . فَقَالَ لَهُ
مُعَاوِيَةُ : " لَقَدْ فَضَّلَكَ اللَّهُ تَعَالَى يَا
nindex.php?page=showalam&ids=11813أَبَا إِسْحَاقَ ! عَلَى غَيْرِكَ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَلَقَدْ أُعْطِيتَ مِنْ عِلْمِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ " ، فَقَالَ لَهُ
كَعْبٌ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى شَيْئًا إِلَّا وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي التَّوْرَاةِ لِعَبْدِهِ
مُوسَى - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ - ، تَفْسِيرًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ لَشِدَّةٌ وَوَعِيدٌ ، وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ، وَشِدَّةٌ وَوَعِيدًا .
[ ص: 1503 ]