الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعسرت أموري وتأخر فرج الله علي، فما النصيحة؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا طالبة في الجامعة، خلال دراستي عرض علي زميلي الزواج، وطلبت منه التقدم لأهلي بشكل رسمي، ووعدني بأنه في حال تيسر حاله سيتقدم، ومرت السنوات، وهو يحاول التقرب مني، والخروج معي بكل الوسائل، لكنني لم أسمح له، كما أنه أخبر الجميع بأنه مرتبط، ويقوم بملاحقتي؛ مما جعل زملائي يتكلمون أننا في علاقة، ويضر سمعتي، ويشهد الله عليّ أنني لم أتكلم مع شابٍ في حياتي، ولكن سمعتي تضررت، ويتكلمون عني بالباطل، فابتعدت ورفضته لكي يتوقف، فاعتذر مني، ووعدني بأنه سيتحسن، ويوقف تصرفاته، ثم مرت الأيام، وهنا أخطأت، وبدأت التكلم معه، حتى تعلق قلبي به، لكني لم أقل له شيئًا، فأخبرته أن يبتعد، حتى نتزوج بالحلال.

حاولتُ كثيرًا التوبة والتوقف عن هذا الذنب، بينما هو عندما شعر بتعلقي به بدأ بأذيتي، وبدأ يُكلِم الفتيات أمامي ليؤذيني، فتركت كل شيء، وتوقفت عن الكلام معه، وتبت إلى الله، وانعزلت وحدي، فقام بنشر كلام في الإنترنت، وجعلني أضحوكة في الكلية، وتعامل معي بأسلوب مُخزٍ أمام الطلاب، ونقض كل عهوده معي.

لقد كُسر قلبي، وتأذيت، وبكيت كثيرًا، فقد ظننت أنه التعويض، ولكنه كسر قلبي، ولم أقنط من رحمة الله، وازداد تعلقي بالله، والتزامي، فتبتُ لله، واستغفرت عن خطئي، ودعوتُ في رمضان، وفي كل الأوقات، وأقوم الليل، وأدعوه بأن يجبر كسري، ويزيل الحزن من قلبي.

حتى أنني كنت سأذهب لمكة، ولكن الدولة لم تسمح لي؛ لدواعٍ ظالمة، ولا أستطيع السفر أبداً، فلماذا يحصل لي كل هذا؟ وهل هناك شيء أقوى من الدعاء؟ وهل توبتي لم تُقبل؟ وهل الفرائض والسنن لا تبعد عنا هذه المشاكل؟

أعلم أنه يجب أن أحسن الظن بالله، والفرج قريب، ولكنني أخرج من مصيبة لأدخل بمصيبة أخرى، ولم أفعل شيئاً يُنزل سخط الله بي، والله تعالى أرحم من ذلك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نسأل الله تعالى أن ييسر لك كل خير، وأن يبلغك من الآمال ما فيه صلاح دينك ودنياك، كما نسأله سبحانه وتعالى أن ييسر لك الزوج الصالح الذي تقر به عينك، وتسكن إليه نفسك.

لقد قرأت استشارتك كلمةً كلمةً، وتفهمت ما فيها من مشاعر الضيق والحزن بسبب ما تعانينه من تأخر فرج الله تعالى عليك، وتأخر تيسير أمورك، ولكننا في الوقت نفسه رأينا أنك تعيشين نعمةً كبيرةً، وفضلًا عظيمًا من الله تعالى منّ به عليكً وتفضل به عليك، وقد حُرِمَه من البشر أناس كثيرون لا يحصيهم ولا يعرف عددهم إلا الله.

هذه النعمة العظيمة، وهذا الفضل العظيم هو ما أنت تعيشينه من الارتباط بالله تعالى، والذكر الدائم لله، والتوجه إليه سبحانه وتعالى، والاشتغال بدعائه، والمحافظة على الصلوات، وملء كثير من الأوقات بأنواع الابتهالات والدعاء، وهذه النعمة العظيمة ما هي إلا ثمرة واحدة من ثمار هذه الأقدار المكروهة التي تعيشينها، والله تعالى لطيف رحيم، كما قال سبحانه وتعالى: (الله لطيفٌ بعباده).

فهو سبحانه وتعالى يسوق الخير إلى الإنسان بطرق خفية، وهذا معنى اللطف، يسوق إليه ما ينفعه في صورة أقدار مكروهة، فأي شيء من الدنيا يساوي هذه الحالة التي تعيشينها أنت، من الابتهال والفقر إلى الله تعالى، والإكثار من دعائه، والاشتغال بطاعته، وتفقد أحوالك، والاشتغال بالتوبة، فهذه النعمة ما كانت لتحصل لو أن الله تعالى فتح لك أبواب الدنيا، وساق إليك خيراتها، ربما لم تحصل بالكلية، وربما حصلت على قدر كبير من الضعف.

فكوني على ثقة إذًا من أنّ الله تعالى لا يقدر شيئًا إلا لحكمة، وتأملي جيدًا قوله سبحانه وتعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).

ننصحك -ابنتنا الكريمة- بالمقارنة بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة، فهذه الأعمال التي أنت فيها تبلغك -إن شاء الله- درجات عالية في الجنة، إذا قبلها الله تعالى منك بإخلاصك لله، ورضاك عن تقديره، فإنها ستبلغك مراتب عالية، ومنازل عالية، ولا مقارنة أبدًا بين نعيم الجنة الدائم وبين نعيم الدنيا الزائل؛ فأنت الآن تؤهلين نفسك لنعيم مقيم، وعيش هنيء لا ينقطع، فاحتسبي أجرك، وحافظي على عملك الصالح، واحذري من أن يتسلل الشيطان إلى قلبك ليفسده بالتسخط على أقدار الله تعالى، أو بالضجر مما قدّره الله تعالى لك، احذري من هذا تمامًا، وفوضي أمورك إلى الله.

وخذي بالأسباب الشرعية المشروعة الجائزة للوصول إلى ما تتمنينه من الأقدار المحبوبة؛ فإن الله تعالى قدر الأقدار بأسبابها، فخذي بالأسباب، وهذا دورك في هذه الحياة، وإذا أخذت بالسبب فقد انتهى دورك، وبقي بعد ذلك أن تستسلمي لقضاء الله وقدره، وأن تعلمي أنه أرحم بك من نفسك، وأنه لا يقدر لك إلا ما فيه الخير، وإن كان يؤلمك، فأنت تقرئين في القرآن قصص الأنبياء، وهم خيرة الناس، وأفضل الخلق، وسادات البشر، وأحب الناس إلى الله تعالى، تقرئين في القرآن كيف قدر الله عليهم أنواعا من المصائب، تقرئين سورة يوسف، وكيف بكى يعقوب -عليه السلام- عشرات السنين في فقد ولده، وما تعرض له يوسف من السجن والأذى، حتى جاءه الفرج في عمره بعد سنين.

وتقرئين ما وقع ليونس، وما وقع لغيره من أنبياء الله تعالى من أنواع المقادير، وأيوب، وغير ذلك، والرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- محمد تعرض لأنواع من الأذى؛ كل هذا ليرفعهم الله تعالى درجات عالية، فطيبي نفسًا، واعلمي أن لله تعالى حكمةً، وأن الفرج سيأتي -بإذن الله تعالى- وإن طال الأمد، فأكثري من الدعاء، ولا تنقطعي، والله يستجيب للعبد ما لم ينقطع عن الدعاء، كما جاء بذلك الحديث النبوي، واتقي الله تعالى بقدر استطاعتك، وحافظي على الفرائض، واجتنبي المحرمات، وأكثري من الاستغفار والتوبة، ونحن على ثقة من أن الله تعالى سيغرس في قلبك الرضا، والاطمئنان، والفرح بما أنت فيه.

نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً