الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكر في ترك تدريس القرآن بسبب ذنوبي ..فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة، معلمة قرآن، وحافظة، ومتقنة للقرآن، والآن بدأت في حفظ الحديث، وسمعتي طيبة جدًا، وألبس الحجاب الشرعي، وطالباتي يعتبرونني قدوةً لهم، والكثير ممن حولي، لكن لدي ذنوب الخلوات، وهي سماعي للأغاني، ومشاهدة الأفلام، وكل مرة أتوب منها، ولكني أعود إليها من جديد، رغم أني عندما أتوب أندم كثيرًا، وأبكي، وأعزم ألا أعود إليها، ولكنني أعود، وعندما أجلس مع نفسي أحيانًا أشعر بأن هذا من النفاق، وقد تعبت من هذا الشعور.

والله إني أحب الله، ولا أريد إلا أن أكون على نهج الصحابيات، رغم أن الأمر صعب، وخصوصًا ممن حولي، حتى في أمر الحجاب، أواجه صعوبةً؛ لأني ألبس عباءة الرأس، وأكثر من حولي ليسوا كذلك، ويصفونني بالتشدد.

في الفترة الأخيرة بعدما بدأت بحفظ الحديث، أصبحت أفكر دائمًا أن أتركه، وأن أعود إليه عندما أترك كل هذه الذنوب، فهل هذا يعد من النفاق؟ وهل الأفضل أن أترك حفظ الحديث وتدريس القرآن، إذا كانت لدي ذنوب كثيرة؟

أرجو أن توجهوا لي نصيحةً تعينني على مواجهة الفتن، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ خديجة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإيّاك للخير، ويثبتنا عليه.

ونحن سعداء جدًّا -ابنتنا الكريمة- بما أخبرتنا به في هذه الاستشارة من توفيق الله تعالى لك، وتسديده، وتثبيته لك على هذه الخصال من الخير، والأعمال الصالحة، فنسأل الله تعالى أن يثبتك على ما أنت فيه من الهداية والتوفيق، ويزيدك هدًى وصلاحًا، ونحب أن نطمئنك: إلى أن ما تجدينه من ثناء الناس عليك بسبب فعل الخير والعمل الصالح -ما دام عملك تعملينه خالصًا لله تعالى-، فإن ثناء الناس عليك ومدحهم لك علامة على الخير، وقد سمَّاها النبي -صلى الله عليه وسلم- بُشرى المؤمن، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذرٍّ -رضي الله تعالى عنه- قال: "قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمدُه الناس عليه؛ فقال -صلى الله عليه وسلم: تلك عاجل بُشرى المؤمن".

قال العلماء معناه: هذه بشرى معجّلة له بالخير، وهي دليل على البشرى المؤخّرة في الآخرة، كقوله سبحانه وتعالى: {بشراكم اليوم جنات} فإذًا أبشري بفضل الله تعالى عليك ورحمته لك، وكما وفقك للعمل الصالح في هذه الدنيا، فإنه سبحانه وتعالى جوادٌ كريم، سيتقبّل منك بإذنه هذا العمل، ويجزيك عليه خير الجزاء.

وأمَّا ذنوبك التي تفعلينها في الخلوات، فجاهدي نفسك للتوبة منها، والإقلاع عنها، وهذه المجاهدة عملٌ صالح يحبه الله تعالى، وهي سبب للمزيد من الهداية، كما قال الله في كتابه: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبلنا وإن الله لمع المحسنين}.

فالله معك، يُؤيّدك، وينصرك على نفسك، ويثبتك على الخير، ما دمت مشتغلةً بهذه المجاهدة، ومن الطبيعي أن يقع الإنسان في الخطأ والزلل؛ فابن آدم عُرضة للخطأ، وكما قال الشاعر: "وهل سُمّي الإنسان إلَّا لنسْيه، ولا القلب إلَّا لأنه يتقلَّبُ"، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كل بني آدم خطّاء، وخير الخطائين التوابون"، فالمطلوب مِنَّا أن نتوب، وأن نُسارع بالتوبة بعد الذنب، وإلَّا فكلُّنا سيقع في الخطأ، وقد أخبرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الله تعالى قدّر علينا الوقوع في الخطأ ليقع مِنَّا الاستغفار، وتحصل مِنَّا التوبة، فالله يُحبُّ التوبة، ويُحبُّ التوابين، ويُحبُّ المتطهرين.

فأبشري برحمة الله تعالى وفضله، بأنه سيقبل توبتك منك، وأخلصي هذه التوبة لله، واستكملي أركانها، وأركانها ثلاثة: الندم على فعل الذنب، والعزم على عدم الرجوع إليه في المستقبل، مع الإقلاع عنه في الحال.

فإذا تبت هذه التوبة قبلها الله، وإذا قبل الله التوبة محا بها الذنب، فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"، والله تعالى أخبرنا في كتابه في سورة الفرقان بأنه يُبدِّل سيئات التائب حسنات، فأبشري برحمة الله تعالى.

جاهدي نفسك لتحقيق هذه الأركان، وليس من شرط صحة التوبة ألَّا يقع الإنسان بعدها في ذنبٍ، لا، إنما من شرط صحتها أن يعزم في قلبه وقت التوبة على أنه لن يرجع في المستقبل إلى الذنب، فإذا عزم هذا وقت التوبة، ثم استزلَّه الشيطان ووقع في الضعف مرةً ثانيةً فأذنب، فالواجب عليه أن يُجدد توبةً جديدةً، وهكذا، وقد مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- صاحب هذا السلوك الذي يتوب كلَّما أذنب.

فقد جاء في صحيح مسلم وكذا في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فيما يحكيه عن ربه عز وجل -يعني حديث قدسي- الله تعالى يقول فيه: "«أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تبارك وتعالى: ‌أَذْنَبَ ‌عَبْدِي ‌ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تبارك وتعالى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تبارك وتعالى: ‌أَذْنَبَ ‌عَبْدِي ‌ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ».

فهذه بشرى عظيمة من الله تعالى للإنسان المداوم على التوبة، بأن الله سبحانه وتعالى يتوب عليه ويغفر له، فلا تسمحي للشيطان أن يزرع اليأس في قلبكِ، ويقنطكِ من رحمة الله، هذا أولًا، ولا تسمحي له بأن يصدك عن ذكر الله وعن الطاعة، فإنه حريص على أن يصرفك عن هذا الطريق بشتى أنواع الوسائل والحيل الشيطانية.

فاستبشري خيرًا، وأحسني ظنّك بربّك، وداومي على التوبة، واتخذي رفقة صالحة تُعينك على ذكر الله تعالى وطاعته.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقكِ لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً