الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1227 1289 - حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته ، أنها سمعت عائشة رضي الله عنها -زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -- قالت : إنما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يهودية يبكي عليها أهلها فقال : " إنهم ليبكون عليها ، وإنها لتعذب في قبرها " . [انظر : 1288 - مسلم : 932 - فتح: 3 \ 152]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              وذكر عن أسامة بن زيد ، قال : أرسلت ابنة النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه : إن ابنا لي قبض فائتنا . . الحديث بطوله .

                                                                                                                                                                                                                              وعن أنس : شهدنا بنتا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على القبر ، فرأيت عينيه تدمعان . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وعن ابن أبي مليكة : توفيت ابنة لعثمان بمكة وجئنا لنشهدها . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وعن أبي بردة عن أبيه : لما أصيب عمر جعل صهيب يقول : واأخاه . فقال عمر : أما علمت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إن الميت ليعذب ببكاء الحي " ؟

                                                                                                                                                                                                                              وعن عائشة : إنما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يهودية يبكي عليها أهلها فقال : "إنهم ليبكون عليها ، وإنها لتعذب في قبرها " .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              أما قوله : (قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه " ) فذكره بعده مسندا ، وأما قوله : (إذا كان النوح من سنته ) كذا في الدمياطي وفي بعض النسخ باب : إذا كان النوح من سنته ، وضبطه بالنون ثم [ ص: 518 ] مثناة فوق ، وقال صاحب "المطالع " : وهو عند أكثر الرواة أي : بما سنه واعتاده ، إذ كان من العرب من يأمر بذلك أهله قال شاعرهم :


                                                                                                                                                                                                                              إذا مت فابكيني بما أنا أهله . . . وشقي علي الجيب يا ابنة معبد



                                                                                                                                                                                                                              وهو الذي تأوله البخاري ، وهو أحد التأويلات في الحديث ، ولبعضهم بالباء الموحدة المكررة أي : من أجله . وذكر عن محمد بن ناصر السلامي أن الأول تصحيف والصواب الثاني ، وأي سنة للميت ؟

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث : ( "كلكم راع " ) فسيأتي مسندا من حديث ابن عمر .

                                                                                                                                                                                                                              وأما قول عائشة في : (فإذا لم يكن النوح من سنته ) فيأتي في الباب مسندا .

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث : "لا تقتل نفس ظلما " . يأتي مسندا في الديات من حديث ابن مسعود .

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث أسامة فأخرجه مسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وقول البخاري : (حدثنا عبدان ) ومحمد : هو ابن مقاتل ، ويأتي في الطب أيضا والنذور والتوحيد ، وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 519 ] وأما حديث أنس : فهو من أفراده ، وقال فليح بن سليمان : أراه يعني : الذنب ، وقال في آخر : وليقترفوا [الأنعام : 113] : ليكتسبوا ، وفي رواية للفريابي في "مسنده " : "لا يدخل القبر رجل قارف الليلة أهله " فلم يدخل عثمان القبر .

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث ابن أبي مليكة وأبي بردة عن أبيه وعائشة فأخرجهما مسلم أيضا .

                                                                                                                                                                                                                              إذا تقرر ذلك فالكلام في أمور :

                                                                                                                                                                                                                              أحدها :

                                                                                                                                                                                                                              بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - المرسلة ذكر ابن بشكوال وغيره أنها زينب ، والابنة المتوفاة أم كلثوم ، ماتت سنة تسع . وفي "تاريخ البخاري الأوسط " :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 520 ] لما ماتت رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال رسول الله : "لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة " فلم يدخل عثمان القبر . قال البخاري : لا أدري ما هذا ؟ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشهد رقية ، أي : لأنها ماتت وهو ببدر . وقال الطبري : روى أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت أم كلثوم بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبرها قال : "لا ينزل في قبرها أحد قارف الليلة " فذكر رقية فيه وهم ، وقال الخطابي : يشبه قوله : شهدنا بنتا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - . أنها كانت ابنة لبعض بناته فنسبت إليه . وابنة عثمان هي أم أبان كما قاله أبو عمر ، لكن له ابنتان كل منهما أم أبان ، فالكبرى أمها رملة بنت شيبة بن ربيعة ، والصغرى أمها نائلة بنت الفرافصة ، فالله أعلم أيهما .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 521 ] ثانيها :

                                                                                                                                                                                                                              إرسال ابنته إليه عند موت ابنها له فوائد : الأولى : بركة موعظته وشهوده . ثانيها : لما ترجو لنفسها من الصبر عند رؤيته . ثالثها : لئلا يظن حاسد أنه ليس لها عنده كبير مكان .

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها :

                                                                                                                                                                                                                              قولها : (إن ابنا لي قبض ) تريد : قارب ذلك لا جرم ، قال ابن ناصر : حضر . وفي رواية أخرى للبخاري : احتضر . وفي أخرى له : ابنتي قد حضرت . والابن لا أعلم اسمه ، ومن خط الدمياطي اسمه علي ، والبنت اسمها : أميمة . وقيل : أمامة بنت أبي العاصي بن الربيع . ذكرها ابن بشكوال .

                                                                                                                                                                                                                              رابعها :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : (فأرسل يقرئ السلام ) هو بضم الياء ، وروي بفتحها . قال ابن التين : ولا وجه له إلا أن يريد : يقرأ عليك . فيحتمل أن يكون فعل ذلك ; لشغل كان فيه ; أو لئلا يرى ما يوجعه ; لأنه كان بالمؤمنين رفيقا ، فكيف بذريته ؟! ولما يرى من وجع أمه ، فلما عزمت عليه رأى إجابتها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 522 ] خامسها :

                                                                                                                                                                                                                              "إن لله ما أخذ وله ما أعطى " أي : له الخلق كله ، وبيده الأمر كله ، وإليه يرجع الأمر كله ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ; لأنه لما خلق الدواة واللوح والقلم أمر القلم أن يكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، لا معقب لحكمه .

                                                                                                                                                                                                                              سادسها :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : (ونفسه تتقعقع كأنها شن ) الشن : السقاء البالي ، وضبطه بعضهم بكسر الشين ، وليس بشيء ، وقعقعته : صوته عند التحريك ، وذلك ما يكون من المحتضر من تصعيد النفس ، وفي رواية : كأنها شنة .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ( "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده " ) وفي لفظ : "في قلوب من شاء من عباده " وقد صح أن الله تعالى خلق مائة رحمة ، فأمسك عنده تسعا وتسعين وجعل في عباده رحمة ، فبها يتراحمون ويتعاطفون وتحن الأم على ولدها ، فإذا كان يوم القيامة جمع تلك الرحمة إلى التسعة والتسعين ، فأظل بها الخلق ، حتى إن إبليس -رأس الكفر- يطمع لما يرى من رحمة الله -عز وجل- .

                                                                                                                                                                                                                              سابعها :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : (ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على القبر ) . الظاهر -والله أعلم- أن المراد : جالس بجانبه ، واستدل به ابن التين على إباحة الجلوس على [ ص: 523 ] القبر ، وهو قول مالك ، وزيد بن ثابت وعلي ، وقال ابن مسعود وعطاء : لا تجلس عليه . وبه قال الشافعي والجمهور لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ( "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر " ) أخرجهما مسلم وظاهر إيراد المحاملي وغيره -ولفظه : قال أصحابنا : تجصيص القبر مكروه والقعود عليه حرام ، وكذلك الاستناد إليه والاتكاء عليه- أنه حرام .

                                                                                                                                                                                                                              ونقله النووي في "شرح مسلم " عن الأصحاب ، وتأوله مالك ، وخارجة بن زيد على الجلوس لقضاء الحاجة ، وهو بعيد .

                                                                                                                                                                                                                              فرع :

                                                                                                                                                                                                                              لا يوطأ أيضا إلا لضرورة ويكره أيضا الاستناد إليه احتراما .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 524 ] ثامنها :

                                                                                                                                                                                                                              (فرأيت عينيه تدمعان ) : هو بفتح الميم ، قال ابن التين : المشهور في اللغة أن ماضيه : دمع بفتح الميم ، فيجوز في مستقبله تثليث العين ، وذكر أبو عبيدة لغة أخرى أن ماضيه : مكسور العين فيتعين الفتح في المستقبل ، وفعله - صلى الله عليه وسلم - هذا دال على أن النهي عن البكاء إنما هو عن الصياح كما سيأتي .

                                                                                                                                                                                                                              تاسعها :

                                                                                                                                                                                                                              فيه استحباب إدخال القبر الرجال ولو كان الميت امرأة ; لأنه يحتاج إلى قوة ، وهم أحرى بذلك ، وأيضا لا يخشى عليهم انكشاف العورة ، وقد أمر الشارع أبا طلحة أن ينزل في القبر المذكور .

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى : "لم يقارف " بالقاف السابقة ثم بالفاء اللاحقة في آخره ، وقد أسلفنا عن فليح أنه قال في الأصل بعد هذا : أي : لم يذنب . وقيل : لم يجامع أهله ، وهو أظهر ، وإنما أراد بعد الطهارة لما يرجى في ذلك للمنزولة في قبرها ، وعلل أيضا بأنه حينئذ يقرب بالتلذذ بالنساء ، والمدفونة امرأة ، فخاف عليه أن يذكره الشيطان ما كان فيه تلك الليلة ، ويقال : إن تلك الليلة بات عثمان عند بعض جواريه فأطلع الله تعالى نبيه على ذلك ، فمنعه من النزول في قبرها ; لأنه لم ينظر في نفسه انقطاع صهارته من سيد الخلق في الصورة ، ولا تألم لفراق زوجته ، ولا استحب حكاية هذا ، وهو من حسن لطفه أنه لم يؤاخذ أحدا بما فعل ولكن يعرض ، وهكذا كان دأبه - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 525 ] فرع :

                                                                                                                                                                                                                              لو تولى النساء حل ثيابها في القبر فحسن ، نص عليه في "الأم " .

                                                                                                                                                                                                                              العاشرة :

                                                                                                                                                                                                                              فيه دلالة على أنه ليس بذي محرم منها ، وإن لم يكن ذو محرم فيختار منهم من يدليها ، قاله ابن التين ، قال : وقد يحتمل أن يكون - صلى الله عليه وسلم - نزل في قبرها واستعان بمن دلاها معه .

                                                                                                                                                                                                                              الحادية عشرة :

                                                                                                                                                                                                                              حديث عمر وابنه : "إن الميت يعذب ببكاء الحي " وإنكار عائشة بقولها : رحم الله عمر وابنه ، ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، ولكنه قال : "إن الله ليزيد الكافر ببكاء أهله عليه عذابا " . وقالت : حسبكم القرآن ولا تزر وازرة وزر أخرى [الأنعام : 164] .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ قالت : فما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط : "إن الميت يعذب ببكاء أهله " ولكنه قال : "إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا " . وفي لفظ قالت : إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبين ، ولكن السمع يخطئ . وفي لفظ : قال ابن عباس : فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة ، فقالت : يرحم الله عمر ، لا والله ما حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك . وفي لفظ قالت : وهل ابن عمر ، إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 526 ] "إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن " . وذلك مثل قوله : إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قام على القليب يوم بدر ، وفيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم : "إنهم يسمعون ما أقول " وقد وهل ، وإنما قال : "إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق " حتى نزلت إنك لا تسمع الموتى [النمل : 80] وما أنت بمسمع من في القبور [فاطر : 22] يقولون حين تبوءوا مقاعدهم من النار . وفي لفظ : يغفر الله لأبي عبد الرحمن أما إنه لم يكذب ، ولكن نسي أو أخطأ ، وكل هذه الألفاظ في الصحيح ، وأجاب بعضهم بأن حديث عمر وابنه مجمل فسرته عائشة .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه نظر من وجوه بينها ابن الجوزي :

                                                                                                                                                                                                                              أحدها : أن الذي روته عائشة حديث وهذا حديث ، ولا تناقض بينهما ، لكل واحد منهما حكمه .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها : أنها أنكرت برأيها ، وقول الشارع عند الصحة لا يلتفت معه إلى رأي أحد .

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها : أن ما ذكرته لا يحفظ عن غيرها ، وحديث عمر محفوظ عنه وعن ابنه والمغيرة ، وهم أولى بالضبط .

                                                                                                                                                                                                                              وقد اختلف العلماء في معنى تعذيبه ببكاء أهله عليه على أقوال :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 527 ] أصحها : وهو تأويل الجمهور على أنه محمول على من أوصى به ، كما كانت العرب تفعله ; لأنه بسببه وهو منسوب إليه ، وإليه ذهب البخاري في قوله : إذا كان النوح من سنته -يعني : أنه يوصي بذلك- أو من سببه بها على ما سلف ، وهو قول الظاهر ، وأنكروا قول عائشة وأخذوا بالأحاديث السالفة .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها : أنه يعذب بسماعه بكاء أهله ، ويرق لهم ويسوؤه إتيانه ما يكره ربه ، قال القاضي عياض : وهو أولى الأقوال ، وفيه حديث قيلة مطولا ، وفيه : "والذي نفس محمد بيده ، إن إحداكن لتبكي فتستعبر إليه صويحبه ، فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم " .

                                                                                                                                                                                                                              قال الطبري : الدليل على أن بكاء الحي على الميت تعذيب من الحي له لا تعذيب من الله ما رواه عوف عن خلاس بن عمرو ، عن أبي هريرة قال : إن أعمالكم تعرض على أقربائكم فإن رأوا خيرا فرحوا به ، وإن رأوا شرا كرهوه ، وإنهم ليستخبرون الميت إذا أتاهم من مات بعدهم ، حتى إن الرجل ليسأل عن امرأته أتزوجت أم لا ؟

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها : كانوا يعددون في نواحهم جرائم الموتى ويظنونه محمودا كالقتل وشن الغارات ، فهو يعذب بما ينوحون به عليه ، وقيل : يقال للميت إذا ندبوه : أكنت كذاك ؟ فذاك التوبيخ عذاب .

                                                                                                                                                                                                                              رابعها : إن قوله : ( "ببكاء " ) أي : عند بكاء أهله يعذب بذنبه ، قال القاضي حسين : يجوز أن يكون الله قدر العفو عنه ، إن لم يبكوا عليه ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 528 ] فإذا بكوا وندبوا وناحوا عذب بذنبه لفوات الشرط .

                                                                                                                                                                                                                              خامسها : أنه محمول على الكافر وغيره من أصحاب الذنوب ، صححه الشيخ أبو حامد .

                                                                                                                                                                                                                              سادسها : أنه مخصوص بشخص بعينه ، ذكره القاضي أبو بكر بن

                                                                                                                                                                                                                              الطيب احتمالا ، وذهبت عائشة إلى أن أحدا لا يعذب بفعل غيره ، وهو إجماع للآية السالفة ولا تزر وازرة وزر أخرى [الأنعام : 164] .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ( ولا تكسب كل نفس إلا عليها ) [الأنعام : 164] وكل حديث أتى فيه النهي عن البكاء فمعناه : البكاء الذي يتبعه الندب والنياحة عند العلماء ، فإنه إذا يسمى بكاء ; لأن الندب على الميت كالبكاء عليه ، فإن البكاء بالمد : الصوت . وبالقصر : الدمع ، كما نص عليه أهل اللغة : الخليل والأزهري والجوهري وغيرهم .

                                                                                                                                                                                                                              والإشكال في تعذيب الحي بذلك للنهي عنه ، وأما تعذيب الميت فقد علمت ما فيه ، وحكى الخطابي عن بعض أهل العلم أن معظم عذاب المعذب في قبره يكون عند نزوله لحده ، وما ذهبت إليه عائشة أشبه بدلائل الكتاب ، وما زيد في عذاب الكافر باستيجابه لا بذنب غيره ; لأنه إذا بكي عليه تذكر فتكاته وغاراته ، فهو مستحق للعذاب بذلك ، وأهله يعدون ذلك من فضائله ، وهو يعذب من أجلها ، فإنما يعذب بفعله لا ببكاء أهله عليه ، هذا معنى قول عائشة : إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه . وهو موافق لقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى . وقد اختلف في معنى هذه الآية ، فقيل : إنه المذنب [ ص: 529 ] لا يؤخذ غيره بذنبه . وقيل : لا يعمل المرء بالإثم اقتداء بغيره كما قال الكفار : إنا وجدنا آباءنا على أمة [الزخرف : 22] . وإذا أول الحديث السالف ، خرج عن معنى ما أنكرته ، ولكن تأويل عمر في قوله لصهيب : أتبكي علي ؟ ثم ذكر الحديث يدل على أن الحديث محمول على ظاهره لا كما فهمت عائشة ، على أن الداودي قال : قول عائشة : إن الله ليزيد الكافر . إلى آخره ردا لقولها : ولا تزر وازرة وزر أخرى وما أرى هذا محفوظا عنها ، وقول ابن عباس : الله أضحك وأبكى ، يعني : أنه لم يذكر ذلك إلا بحق ، وأنه أذن في الجميل منه ، فلا يعذب على ما أذن فيه ، ويؤيد ذلك قوله : "إنما هي رحمة يضعها الله في قلوب عباده " .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية