الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  7272 - حدثنا عمرو بن أبي الطاهر بن السرح المصري ، ثنا محمد بن عزيز ، ثنا سلامة بن روح ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، أن عبد الله بن عباس ، أخبره قال : حدثني أبو سفيان بن حرب أنه كان بالشام في رجال من قريش ، قدموا تجارا وذلك في المدة التي كانت بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين كفار قريش . قال أبو سفيان : فأتى رسول قيصر ، فانطلق بي وبأصحابي حتى قدمنا إيليا ، فدخلنا عليه ، فإذا هو جالس في مجلس ملكه عليه التاج ، وإذا حوله عظماء الروم ، فقال لترجمانه : سلهم : أيهم أقرب نسبا إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ قال أبو سفيان : قلت : أنا أقربهم إليه نسبا . قال : ما قرابة ما بينك وبينه قلت : هو ابن عمي ، قال أبو سفيان : وليس في الركب يومئذ من بني عبد مناف غيري . قال قيصر : أدنوه مني ، ثم أمر بأصحابي ، فجعلوا خلف ظهري عند كتفي ، ثم قال قيصر لترجمانه : قل لأصحابه إني سائل هذا عن [ ص: 21 ] الرجل الذي يزعم أنه نبي ، فإن كذب فكذبوه ، قال أبو سفيان : فلولا الاستحياء يومئذ أن يأثر أصحابي عني الكذب لكذبته عنه حين سألني ، ولكني استحييت أن يأثروا عني الكذب فصدقته . ثم قال قيصر لترجمانه : قل له : كيف نسب هذا الرجل فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب . قال : فهل قال هذا القول منكم أحد قط ؟ قلت : لا . قال : فهل كنتم تتهمونه في الكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت : لا . قال : فهل كان أحد من آبائه ملكا ؟ قلت : لا . قال فأشراف الناس اتبعوه ، أم ضعفاؤهم ؟ قلت : بل ضعفاؤهم . قال : يزيدون أم ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون . قال : فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قلت : لا . قال : فهل يغدر ؟ قلت : نحن منه في مدة الآن ، ونحن نخاف ذلك . قال أبو سفيان : ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا أنتقصه به لا أخاف أن يؤثر عني غيرها ، قال : فهل قاتلتموه وقاتلكم ؟ قال : نعم . قال : فكيف حربه وحربكم ؟ قلت : كانت دولا وسجالا ، يدال علينا المرة ، وندال عليه الأخرى . قال : فماذا يأمركم به ؟ قلت : يأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ، وينهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ، وأمرنا بالصلاة ، والصدقة ، والعفاف والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة . قال : فقال لترجمانه حين قلت ذلك له : قل له : إني سألتك عن نسبه فيكم فزعمت أنه فيكم ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في شرف قومها ، وسألتك هل قال هذا القول أحد من آبائه ؟ قلت : لا . فقلت : لو كان أحد منكم قال هذا القول قلت : رجل ائتم بقول قائل قبله ، وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت أن لا ، فقد علمت أنه لم يكن يدع الكذب على الناس ، ويكذب على الله ، وسألتك هل كان من آبائه قبل ملك ؟ فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان من آبائه ملك قلت : رجل يطلب ملك آبائه ، وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فزعمت أن ضعفاءهم أتباعه وكذلك [ ص: 22 ] أتباع الرسل ، وسألتك هل يزيدون أم ينقصون ؟ فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان ، وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فزعمت أن لا ، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلوب لا يسخطه أحد ، وسألتك هل يغدر ؟ فزعمت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر ، وسألتك هل قاتلتموه وقاتلكم ؟ فزعمت أنه قد فعل ذلك وأن حربكم وحربه يكون دولا ، يدال عليكم المرة ، وتدالون عليه الأخرى ، وكذلك الرسل ، ثم تكون لهم العاقبة ، وسألتك بم يأمركم ؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله وحده ، ولا تشركوا به ، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم ، ويأمركم بالصلاة ، والصدقة والعفاف ، وأداء الأمانة ، وهو نبي ، وقد كنت أعلم أنه خارج ولكن لم أكن أظنه منكم ، وإن يك ما قلت حقا يوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ، والله لو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقيه ولغسلت قدميه . قال أبو سفيان : فدعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر به ، فقرئ فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله ، إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاء الإسلام أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون قال أبو سفيان : فلما قضى مقالته ، علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم ، وكثر لغطهم ، فلا أدري ماذا يقولون قال : فأمر بنا فأخرجنا ، فلما خرجت ومعي أصحابي وخلصت ، قلت : لقد ارتفع أمر ابن أبي كبشة هذا ملك بني الأصفر يخافه ، قال أبو سفيان : فوالله ما زلت ذليلا مستيقنا أن أمره سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام وأنا كاره [ ص: 23 ] 7273 - حدثنا أبو زرعة ، ثنا أبو اليمان ، ثنا شعيب ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، عن أبي سفيان ، نحوه .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية