الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        6173 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أنا همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب أن رجلين اشتركا في طهر امرأة ، فولدت لهما ولدا ، فارتفعا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فدعا لهما ثلاثة من القافة ، فدعا بتراب فوطئ فيه الرجلان والغلام .

                                                        ثم قال لأحدهم : انظر ، فنظر ، فاستقبل واستعرض ، واستدبر ، ثم قال : أسر أو أعلن ؟ فقال عمر : بل أسر .

                                                        فقال : لقد أخذ الشبه منهما جميعا ، فما أدري لأيهما هو ؟ فأجلسه .

                                                        ثم قال للآخر أيضا : انظر ، فنظر ، واستقبل ، واستعرض ، واستدبر ، ثم قال : أسر أو أعلن ؟ قال : بل أسر .

                                                        قال : لقد أخذ الشبه منهما جميعا ، فلا أدري لأيهما هو ؟ وأجلسه .

                                                        ثم أمر الثالث فنظر ، فاستقبل ، واستعرض واستدبر ، ثم قال : أسر أم أعلن ؟

                                                        قال : لقد أخذ الشبه منهما جميعا ، فما أدري لأيهما هو ؟

                                                        فقال عمر : إنا نعرف الآثار بقولها ثلاثا ، وكان عمر قائفا ، فجعله لهما ، يرثانه ويرثهما .

                                                        فقال لي سعيد : أتدري عن عصبته ؟ قلت : لا ، قال : الباقي منهما
                                                        .

                                                        قال أبو جعفر : فليس يخلو حكمه في هذه الآثار التي ذكرنا من أحد وجهين : إما أن يكون بالدعوى لأن الرجلين ادعيا الصبي وهو في أيديهما ، فألحقه بهما بدعواهما ، أو يكون فعل ذلك .

                                                        فكان الذين يحكمون بقول القافة لا يحكمون بقولهم إذا قالوا : هو ابن هذين .

                                                        فلما كان قولهم كذلك ، ثبت على قولهما أن يكون قضاء عمر بالولد للرجلين كان بغير قول القافة .

                                                        [ ص: 164 ] وفي حديث سعيد بن المسيب ، ما يدل على ذلك ، وذلك أنه قال : فقال القافة : لا ندري لأيهما هو ؟ فجعله عمر بينهما .

                                                        والقافة لم يقولوا : هو ابنهما ، فدل ذلك أن عمر أثبت نسبه من الرجلين بدعواهما ، ولما لهما عليه من اليد ، لا بقول القافة .

                                                        فإن قال قائل : فإذا كان ذلك كما ذكرته ، فما كان احتياج عمر إلى القافة حتى دعاهم ؟

                                                        قيل له : يحتمل ذلك عندنا ، والله أعلم ، أن يكون عمر رضي الله عنه وقع بقلبه أن حملا لا يكون من رجلين ، فيستحيل إلحاق الولد بمن يعلم أنه لم يلده ، فدعا القافة ليعلم منهم هل يكون ولد يحمل به من نطفتي رجلين أم لا ؟ وقد بين ذلك ما ذكرنا في حديث أبي المهلب .

                                                        فلما أخبره القافة بأن ذلك قد يكون ، وأنه غير مستحيل ، رجع إلى الدعوى التي كانت من الرجلين ، فحكم بها ، فجعل الولد ابنهما جميعا ، يرثهما ويرثانه ، فذلك حكم بالدعوى ، لا بقول القافة .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية