الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      المسألة السابعة : اعلم أن هذا القتل ظلما ، الذي جعل الله بسببه هذا السلطان والنصر المذكورين في هذه الآية الكريمة ، التي هي قوله تعالى : ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا الآية [ 17 \ 33 ] ، يثبت بواحد من ثلاثة أشياء : اثنان منها متفق عليهما ، وواحد مختلف فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      أما الاثنان المتفق على ثبوته بهما : فهما الإقرار بالقتل ، والبينة الشاهدة عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الثالث المختلف فيه : فهو أيمان القسامة مع وجود اللوث ، وهذه أدلة ذلك كله .

                                                                                                                                                                                                                                      أما الإقرار بالقتل : فقد دلت أدلة على لزوم السلطان المذكور في الآية الكريمة به . قال البخاري في صحيحه : " باب إذا أقر بالقتل مرة قتل به " حدثني إسحاق ، أخبرنا حبان ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة ، حدثنا أنس بن مالك : أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين ، فقيل لها : من فعل بك هذا ؟ أفلان ؟ أفلان ؟ حتى سمي اليهودي . فأومأت برأسها ، فجيء باليهودي فاعترف ، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بالحجارة ، وقد قال همام : بحجرين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قال البخاري أيضا : ( باب سؤال القاتل حتى يقر ) ، ثم ساق حديث أنس هذا ، وقال فيه : فلم يزل به حتى أقر فرض رأسه بالحجارة ، وهو دليل صحيح واضح على لزوم السلطان المذكور في الآية الكريمة بإقرار القاتل ، وحديث أنس هذا أخرجه أيضا مسلم ، وأصحاب السنن ، والإمام أحمد .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن الأدلة الدالة على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه : حدثنا عبيد الله بن معاذ [ ص: 128 ] العنبري ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو يونس عن سماك بن حرب : أن علقمة بن وائل حدثه أن أباه حدثه ، قال : إني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة ، فقال : يا رسول الله ، هذا قتل أخي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقتلته " ؟ فقال : إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة . قال : نعم قتلته . قال : " كيف قتلته ؟ " قال : كنت أنا وهو نختبط من شجرة ، فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " هل لك من شيء تؤديه عن نفسك " ؟ قال : ما لي مال إلا كسائي وفأسي . قال : " فترى قومك يشترونك " قال : أنا أهون على قومي من ذاك . فرمى إليه بنسعته ، وقال : " دونك صاحبك . . " الحديث . وفيه الدلالة الواضحة على ثبوت السلطان المذكور في الآية الكريمة بالإقرار .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن الأدلة على ذلك إجماع المسلمين عليه ، وسيأتي إن شاء الله إيضاح إلزام الإنسان ما أقر به على نفسه في سورة " القيامة " .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية