الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثامنة : قوله تعالى : { إلا ما ذكيتم } فيه ثلاثة أقوال :

                                                                                                                                                                                                              الأول : أنه استثناء مقطوع عما قبله غير عائد إلى شيء من المذكورات ، وذلك مشهور في لسان العرب ، يجعلون إلا بمعنى لكن ، من ذلك قوله : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } . معناه : لكن إن قتله خطأ ، وقد تقدم كلامنا عليه ، وأنشد بعضهم لأبي خراش الهذلي :

                                                                                                                                                                                                              أمسى سقام خلاء لا أنيس به إلا السباع ومر الريح بالغرف

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 24 ] أراد إلا أن يكون به السباع ، أو لكن به السباع . وسقام : واد لهذيل . ومنه قول الشاعر :

                                                                                                                                                                                                              وبلدة ليس بها أنيس     إلا اليعافير وإلا العيس

                                                                                                                                                                                                              وقال النابغة :

                                                                                                                                                                                                              وقفت بها أصيلانا أسائلها     عيت جوابا وما بالربع من أحد
                                                                                                                                                                                                              إلا الأواري لأيا ما أبينها     والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد

                                                                                                                                                                                                              ومن أبدعه قول جرير :

                                                                                                                                                                                                              من البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ     من الأرض إلا ذيل برد مرحل

                                                                                                                                                                                                              كأنه قال : لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيل برد مرحل . أخبرنا بذلك كله أبو الحسن الطيوري عن البرمكي ، والقزويني عن أبي عمر بن حيوة عن أبي عمر محمد بن عبد الواحد ، ومن أصله نقلته .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنه استثناء متصل ، وهو ظاهر الاستثناء ، ولكنه يرجع إلى ما بعد قوله تعالى : { وما أهل لغير الله به } من المنخنقة إلى ما أكله السبع .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : أنه يرجع الاستثناء إلى التحريم لا إلى المحرم ، ويبقى على ظاهره . المسألة التاسعة : في المختار : وذلك أنا نقول : إن الاستثناء المنقطع لا ينكر في اللغة ولا [ في الشريعة ] في [ ص: 25 ] القرآن ولا في الحديث حسبما أشرنا إليه في سورة النساء ، كما أنه لا يخفى أن الاستثناء المتصل هو أصل اللغة ، وجمهور الكلام ، ولا يرجع إلى المنقطع إلا إذا تعذر المتصل . وتعذر المتصل يكون من وجهين : إما عقليا وإما شرعيا ; فتعذر الاتصال العقلي هو ما قدمناه من الأمثلة قبل هذا في الأول .

                                                                                                                                                                                                              وأما التعذر الشرعي فكقوله تعالى : { فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس } .

                                                                                                                                                                                                              فإن قوله : { إلا قوم يونس } ليس رفعا لمتقدم ، وإنما هو بمعنى لكن . وقوله : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى } .

                                                                                                                                                                                                              وقوله : { إني لا يخاف لدي المرسلون } { إلا من ظلم } . عدنا إلى قوله : { إلا ما ذكيتم } ، قلنا : فأما الذي يمنع أن يعود إلى ما يمكن إعادته إليه ، وهو قوله : { المنخنقة } إلى آخرها ،

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية