الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
9 - قوله: (ع): وفيه بقية أربعة عشر موضعا رواه متصلا ثم عقبه بقوله: ورواه فلان. وقد جمعها الرشيد العطار في الغرر المجموعة وقد بينت ذلك كله في جزء مفرد انتهى.

وفيه أمور:

الأول: فيه بقية أربعة عشر. ليس فيه عند الرشيد إلا ثلاثة [ ص: 345 ] عشرة. والذي أوقع الشيخ في ذلك أن أبا علي الجياني – وتبعه المازري - ذكر أنها أربعة عشر لكنه لما سردها أورد منها حديثا مكررا وهو حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - "أرأيتكم ليلتكم هذه" هذا الذي كرر، فصارت العدة ثلاثة عشر كما سأذكرها مفصلة.

وقد نبه على هذا الموضع ابن الصلاح في مقدمة شرح مسلم ، وتبعه النووي .

والثاني: قوله: إنه يرويه متصلا ثم عقبه بقوله ورواه فلان. ليس ذلك في جميع الأحاديث المذكورة، وإنما وقع ذلك منه في ستة أحاديث منها.

[ ص: 346 ] أحدها: في حديث أبي جهيم كما ذكره الشيخ.

الثاني والثالث في حديثي الليث كما ذكرهما الشيخ وأن مسلما وصلهما من طريق أخرى.

[ ص: 347 ] والرابع: في حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - في قصة ماعز قال: ورواه الليث عن عبد الرحمن بن خالد بعد أن أورده من طريق غيره.

والخامس: في حديث البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - في الصلاة الوسطى قال: ورواه الأشجعي عن سفيان عن الأسود بن قيس بعد أن أورده من طريق أخرى عن البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنه - [ ص: 348 ]

والسادس: في حديث عوف بن مالك حديث: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم" .

قال: ورواه معاوية بن صالح .

وأما السبعة الثانية:

فأحدها: في الجنائز في حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - في خروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى البقيع .

قال - فيه - حدثني من سمع حجاجا الأعور ثنا ابن جريج . أورده عقب حديث ابن وهب عن ابن جريج .

[ ص: 349 ] وثانيها: في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - حدثت عن أبي أسامة ، وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري وهذا وصله الجلودي صاحب ابن سفيان قال: ثنا محمد بن المسيب ثنا إبراهيم بن سعيد .

وثالثها: في باب السكوت بين التكبير والقراءة حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - .

[ ص: 350 ] قال: حدثت عن يحيى بن حسان ويونس بن محمد وغيرهما، قالوا: ثنا عبد الواحد .

أورده عقب حديث أبي كامل الجحدري عن عبد الواحد .

رابعها: في باب وضع الجوائح من حديث عمرة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - صوت خصوم بالباب... " الحديث. قال فيه: حدثني غير واحد من أصحابنا قالوا: ثنا إسماعيل بن أبي أويس وهذا لم يورده إلا من طريق عمرة .

[ ص: 351 ] خامسها: في باب احتكار الطعام في حديث معمر العدوي قال: حدثني بعض أصحابنا عن عمرو بن عون وقد وصله من طريق أخرى عن سعيد بن المسيب .

سادسها: في آخر كتاب القدر في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - : "لتركبن سنن من كان قبلكم" .

قال: "حدثني عدة من أصحابنا عن سعيد بن أبي مريم عن أبي غسان عن زيد بن أسلم .

وقد وصله من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم .

[ ص: 352 ] سابعها: في كتاب الصلاة في حديث كعب بن عجرة قال فيه: ثنا صاحب لنا: ثنا إسماعيل بن زكريا كذا ذكر الجياني أنه وقع في روايتهم.

وأما الذي في رواية الجلودي عند المشارقة فقال مسلم فيه: ثنا محمد بن بكار ثنا إسماعيل بن زكريا .

والحديث المذكور عنده من طرق أخرى من غير هذا الوجه. فعلى هذا فهي اثنا عشر حديثا فقط.

[ ص: 353 ] ستة منها بصيغة التعليق وستة منها بصيغة الاتصال، لكن أبهم في كل منها اسم من حدثه، فإن كان الشيخ يرى أنها منقطعة كما يقول الجياني ومن تبعه ، فكان حق العبارة أن يقول: وفيه بقية ثلاثة عشر موضعا منقطعة. لا كما قال: إنه يقول: ورواه فلان.

وإن كان يرى أنها متصلة كما هو المعروف عند جمهور أهل الحديث وكما صرح هو به في موضع آخر، فكان حق العبارة أن يقول: وفيه بقية ستة مواضع رواه متصلا ثم عقبه بقوله: ورواه فلان. وفيه مواضع أخرى قيل: إنها منقطعة وليست بمنقطعة.

الثالث: قوله: "إنه ليس في مسلم بعد المقدمة حديث معلق لم يوصله من طريق أخرى إلا حديث أبي الجهيم ". هذا صحيح بقيد التعليق، لكن قد بينا أن الذي بصيغة التعليق إنما هو ستة لا أكثر.

أما على رأي الجياني ومن تبعه في تسميتهم المبهم منقطعا فإن فيها حديثين آخرين لم يوصلهما في مكان آخر.

أحدهما: حديث عمرة عن عائشة - رضي الله عنها - في الجوائح كما بيناه فإنه ما أورده إلا من تلك الطريق.

وثانيهما: حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - الذي قال فيه: حدثت عن أبي أسامة - رضي الله عنه - وقد تقدم أن الجلودي وصله، وعندي أنه ملتحق بما صورته التعليق وهو موصول على رأي ابن الصلاح ؛ فإن مسلما قال: حدثت عن أبي أسامة .

فلو اقتصر على هذا لكان متصلا في إسناده مبهم على ما قررناه، منقطع على رأي الجياني . لكن زاد بعد ذلك فقال: وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن [ ص: 354 ] سعيد الجوهري ، وإبراهيم هذا من شيوخ مسلم ، قد سمع منه غير هذا، وأخرج عنه مما سمعه في صحيحه غير هذا مصرحا به.

وقد قرر ابن الصلاح أن المعلق إذا سمى بعض شيوخه وكان غير مدلس حمل على أنه سمعه منه كما ذكر ذلك في حديث هشام بن عمار الذي أخرجه البخاري في تحريم المعازف، ولا فرق بين أن يقول المعلق: قال: أو روى أو ذكر أو ما أشبه ذلك من الصيغ التي ليست بصريحة. فهذا منها - والله الموفق - .

وقد عثرت في صحيح مسلم على شيء غير هذا مما يلحق بهذا وبينته فيما كتبته من النكت على شرح مسلم للنووي والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية