الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 303 ] ( 1 ) أسباب بقاء النصرانية في أوربة :

                          إن للدين المطلق سلطانا على أرواح البشر ; لأنه غريزة فيها ، فهو عبارة عن علاتهم بعالم الغيب مبدأ وغاية ، وهي من عالم الغيب ; ولذلك ينكر وجودها المحجوبون بعالم الشهادة ( المادي ) وهو مع هذا حاجة من الحاجات الطبيعية لهذا التنوع الاجتماعي الذي خلق لحياة لا نهاية لها ، فأعطى استعدادا لعلم لا حد له ، يهدي إلى أعمال اجتماعية لا حد لها ولا نهاية ، فلا بد لجماعته في التعاون عليها من وازع نفسي وجداني يزع كلا منهم ، ويردعه عن البغي والعدوان على غيره ممن لا يتم علمه وبروز استعداده إلا بهم أينما كان وكانوا ، وحيث لا وازع من قوة السلطان ، والعدل بالأولى . ولم يعرف السواد الأعظم من هذه الشعوب دينا تعليميا يتوجه إليه الدين الفطري المطلق ويتقيد به إلا هذا الدين الذي لا يزال فيه أثارة من هداية طائفة من أنبياء الله ورسله لم تقو أحداث الزمان القديمة على محوها ، على كل ما أشرنا إليه من عبثها بها ، فهو بها مظهر لما كان من تعرف الخالق العظيم إليهم بالآيات وخوارق العادات والإنباء بالغيبيات ، وقد أتقن رؤساؤه نظام تربيتهم الوجدانية عليه ، وتلقينه لهم بالأساليب المؤثرة ، ودفع الشبهات عما يرد عليه من الاعتراضات الكثيرة ، وارتبطت سياستهم ومصالحهم العامة والخاصة به ، وصار وسيلة من أقوى وسائل الاستعمار والاستيلاء على الشعوب لدولهم ، فاتفقت مع الجمعيات الدينية على نشره في جميع الأمم بدعاية التبشير ، فاجتمع لهم من وسائل هذه الدعاية القوة والمال الكثير ، والعلم والنظام الدقيق - فبمجموع هذه القوى والأسباب بقي هذا الدين حيا في هذه الشعوب على تفاوت عظيم بين أهلها في فهمه .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية