الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        للقصر أربع شروط : أحدها : أن لا يقتدي بمتم ، فإن فعله ولو في لحظة لزمه الإتمام . والاقتداء في لحظة يتصور من وجوه . منها أن يدرك الإمام في آخر صلاته ، أو يحدث الإمام عقب اقتدائه وينصرف . ولو صلى الظهر خلف من يقضي الصبح ، مسافرا كان أو مقيما ، لم يجز القصر على الأصح . ولو صلى الظهر خلف من يصلي الجمعة ، فالمذهب : أنه لا يجوز القصر مطلقا ، وقيل : إن قلنا : الجمعة ظهر مقصورة قصر ، وإلا فهي كالصبح .

                                                                                                                                                                        قلت : وسواء كان إمام الجمعة مسافرا أو مقيما ، فهذا حكمه . ولو نوى الظهر مقصورة خلف من يصلي العصر مقصورة جاز . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ثم المقتدي تارة يعلم حال إمامه وتارة يجهلها . فإن علم ، نظر : إن علمه مقيما أو ظنه لزمه الإتمام . فلو اقتدى به ونوى القصر انعقدت صلاته ، ولغت نية القصر . بخلاف المقيم ينوي القصر ، لا تنعقد صلاته ، لأنه ليس من أهل القصر ، والمسافر من أهله ، فلم يضره نية القصر . كما لو شرع في الصلاة بنية القصر ثم نوى الإتمام أو صار مقيما . وإن علمه أو ظنه مسافرا أو علم أو ظن أنه نوى القصر فله أن يقصر خلفه ، وكذا إن لم يدر أنه نوى القصر ، ولا يلزم الإتمام بهذا التردد ، لأن الظاهر من حال المسافر القصر . ولو عرض هذا التردد في أثناء الصلاة لم يلزم الإتمام . ولو لم يعرف نيته فعلق عليها فنوى إن قصر قصرت ، وإن أتم أتممت ، فوجهان : أصحهما : جواز التعليق ، فإن أتم الإمام أتم ، وإن قصر قصر . فلو فسدت صلاة الإمام أو أفسدها [ ص: 392 ] ثم قال : كنت نويت القصر ، فللمأموم القصر . وإن قال : كنت نويت الإتمام لزمه الإتمام . وإن انصرف ولم يظهر للمأموم ما نواه ، فالأصح : لزوم الإتمام . قاله أبو إسحاق . والثاني : جواز القصر ، قاله ابن سريج . أما إذا لم يعلم ولم يظن أنه مسافر أو مقيم ، بل شك فيلزمه الإتمام وإن بان الإمام مسافرا قاصرا . ولنا وجه : أنه إذا بان قاصرا جاز القصر وهو شاذ .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا اقتدى بمقيم أو مسافر متم ثم فسدت صلاة الإمام أو بان محدثا أو فسدت صلاة المأموم فاستأنفها لزمه الإتمام . ولو اقتدى بمن ظنه مسافرا فبان مقيما لزمه الإتمام لتقصيره ، فإن شعار المسافر ظاهر . وإن بان أنه مقيم محدث ، نظر : إن بان كونه مقيما أولا لزم الإتمام . وإن بان كونه محدثا أولا أو بانا معا ، فطريقان . أشهرهما : على وجهين . أصحهما : له القصر . والطريق الثاني : له القصر قطعا ، إذ لا قدوة . ولو شرع في الصلاة مقيما ثم بان أنه محدث ثم سافر والوقت باق فله القصر ، لعدم الشروع الصحيح . بخلاف ما لو شرع فيها مقيما ثم عرض سبب مفسد فإنه يلزمه الإتمام ، لالتزامه ذلك بالشروع الصحيح . ولو اقتدى بمقيم ثم بان حدث المأموم فله القصر . وكذا لو اقتدى بمن يعرفه محدثا ويظنه مقيما فله القصر ، لأنه لم يصح شروعه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 393 ] فرع

                                                                                                                                                                        المذهب الصحيح الجديد : أنه يجوز أن يستخلف الإمام إذا فسدت صلاته بحدث أو غيره من يتم بالمأمومين . وسيأتي بيان هذا في باب الجمعة ، إن شاء الله تعالى . فإذا أم مسافر مسافرين ومقيمين ففسدت صلاته برعاف أو سبق حدث فاستخلف مقيما لزم المسافرين المقتدين الإتمام . كذا قطع به الأصحاب . ويجيء فيه وجه ، لأنا سنذكر وجها في مسائل الاستخلاف إن شاء الله تعالى : أنه يجب عليهم نية الاقتداء بالخليفة . فعلى هذا إنما يلزم الإتمام إذا نووا الاقتداء . وإنما فرع الأصحاب على الصحيح أن نية الاقتداء بالخليفة لا تجب . وأما الإمام الذي سبقه الحدث والرعاف فظاهر نص الشافعي - رحمه الله - يقتضي وجوب إتمامه . واختلفوا في معناه ، فالصحيح ما قاله أبو إسحاق المروزي ، والأكثرون : أن مراده أن يعود بعد غسل الدم ، ويقتدي بالخليفة ، إما بناء على القول القديم ، وإما استئنافا على الجديد فيلزمه الإتمام ، لأنه اقتدى بمقيم في بعض صلاته . فإن لم يقتد به لم يلزمه الإتمام . وقيل : يجب الإتمام عاد أو لم يعد عملا بظاهر النص ، لأن فرعه متم فهو أولى ، وغلطه الأصحاب . وقيل : إن هذا تفريع على القديم ، إن سبق الحدث لا يبطلها ، فيكون الراعف في انصرافه في حكم المؤتم بخليفته المقيم . وضعفه الأصحاب أيضا ، فإن البناء إنما يجوز على القديم ، والاستخلاف لا يجوز على القديم . وقيل : مراده أن يحس الإمام بالرعاف قبل خروج الدم فيستخلف ثم يخرج فيلزمه الإتمام ، لأنه صار مقتديا بمقيم في جزء من صلاته . وضعفه المحاملي وغيره ، لأنه استخلاف قبل العذر وليس بجائز . وقال الشيخ أبو محمد : الإحساس به عذر . ومتى حضر إمام حاله أكمل جاز استخلافه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 394 ] قلت : هذا كله إذا استخلف الإمام مقيما . فلو لم يستخلف ولا استخلف المأمومون بنوا على صلاتهم فرادى . وجاز للمسافرين منهم والراعف القصر قطعا . وكذا لو استخلف الإمام مسافرا أو استخلفه القوم قصر المسافرون والراعف . فلو لم يستخلف الإمام الراعف واستخلف القوم مقيما ، فوجهان . حكاهما صاحب ( الحاوي ) أحدهما : أنه كاستخلاف الراعف على ما مضى . وأصحهما : يجوز للراعف هنا القصر بلا خلاف إذا لم يقتد به ، لأنه ليس فرعا له . ولو استخلف المقيمون مقيما والمسافرون مسافرا جاز . وللمسافرين القصر خلف إمامهم ، وكذا لو تفرقوا ثلاث فرق أو أكثر وأم كل فرقة إمام . نص عليه الشافعي . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الشرط الثاني : نية القصر . فلا بد منها عند ابتداء الصلاة . ولا يجب استدامة ذكرها ، لكن يشترط الانفكاك عما يخالف الجزم بها . فلو نوى القصر أولا ، ثم نوى الإتمام ، أو تردد بين القصر والإتمام ، أو شك هل نوى القصر ، ثم ذكر في الحال أنه نواه ، لزمه الإتمام . ولو اقتدى بمسافر علم أو ظن أنه نوى القصر فصلى ركعتين ثم قام الإمام إلى ثالثة ، نظر : إن علم أنه نوى الإتمام لزمه الإتمام ، وإن علم أنه ساه ، بأن كان حنفيا لا يرى الإتمام لم يلزمه الإتمام ، ويتخير إن شاء خرج عن متابعته وسجد للسهو وسلم ، وإن شاء انتظره حتى يعود . فلو أراد أن يتم أتم ، لكن لا يجوز أن يقتدي بالإمام في سهوه ، لأنه غير محسوب له . ولا يجوز الاقتداء بمن علمنا أنه ما هو فيه غير محسوب له ، كالمسبوق إذا أدرك من آخر الصلاة ركعة ، فقام الإمام سهوا إلى ركعة زائدة ، لم يكن للمسبوق أن يقتدي به في تدارك ما عليه . فلو شك هل قام ساهيا أم متما لزمه الإتمام . ولو نوى القصر وصلى ركعتين ثم قام إلى ثالثة نظر : إن حدث ما يوجب الإتمام كنية الإتمام أو الإقامة أو حصوله بدار الإقامة في السفينة ، فقام لذلك فقد فعل واجبه . فإن لم يحدث شيء من ذلك ، وقام [ ص: 395 ] عمدا بطلت صلاته . كما لو قام المقيم المذكور إلى ركعة خامسة ، أو قام المتنفل إلى ركعة زائدة قبل تغيير النية . وإن قام سهوا ثم ذكر لزمه أن يعود ، ويسجد للسهو ويسلم . فلو بدا له بعد التذكر أن يتم عاد إلى القعود ثم نهض متما . وفي وجه ضعيف : له أن يمضي في قيامه . فلو صلى ثالثة ورابعة سهوا وجلس للتشهد فتذكر سجد للسهو وهو قاصر ، وركعتاه الزائدتان غير محسوبتين . فلو نوى الإتمام ، لزمه أن يقوم ويصلي ركعتين أخريين ، ويسجد للسهو في آخر صلاته .

                                                                                                                                                                        الشرط الثالث : أن يكون مسافرا من أول الصلاة إلى آخرها . فلو نوى الإقامة في أثنائها ، أو انتهت به السفينة إلى دار الإقامة ، أو سارت به من دار الإقامة في أثنائها ، أو شك هل نوى الإقامة أم لا ؟ أو دخل بلدا وشك هل هو مقصوده أم لا ؟ لزمه الإتمام .

                                                                                                                                                                        الشرط الرابع : العلم بجواز القصر . فلو جهل جوازه فقصر لم يصح لتلاعبه ، نص عليه في ( الأم ) .

                                                                                                                                                                        قلت : ويلزمه إعادة هذه الصلاة أربعا ، لإلزامه الإتمام . والصورة فيمن نوى الظهر مطلقا ثم سلم من ركعتين عمدا . أما لو نوى جاهل القصر الظهر ركعتين متلاعبا ، فيعيدها مقصورة إذا علم القصر بعد شروعه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية