الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع أنه قال كنت أكتب مصحفا لحفصة أم المؤمنين فقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فلما بلغتها آذنتها فأملت علي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          316 313 [ ص: 491 ] ( مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو ) بفتح العين ( ابن رافع ) العدوي مولاهم المدني مقبول ( أنه قال : كنت أكتب مصحفا لحفصة أم المؤمنين ، فقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني ) أعلمني ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين فلما بلغتها آذنتها فأملت ) بفتح الهمزة وسكون الميم وفتح اللام الخفيفة من أملى وبفتح الميم واللام مشددة من أملل يملل أي ألقت ( علي ) يقال : أمللت الكتاب على الكاتب إملالا ألقيته عليه وأمليته عليه إملاء ، فالأولى لغة الحجاز وبني أسد والثانية لغة بني تميم وقيس ، وما جاء الكتاب العزيز بهما : وليملل الذي عليه الحق ( سورة البقرة : الآية 282 ) فهي تملى عليه ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ) بالواو ( وقوموا لله قانتين ) ، وروي بحذف الواو وزعم بعضهم أن إثبات الواو وسقوطها سواء كقوله :

                                                                                                          أنا الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم



                                                                                                          أراد القرم ابن الهمام ، وقوله : من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ( سورة البقرة : الآية 98 ) يريد وملائكته جبريل وميكائيل ، و فيهما فاكهة ونخل ورمان ( سورة الرحمن : الآية 68 ) أي فاكهة نخل ورمان ، وخولف هذا القائل في ذلك ، ومالك روى حديث حفصة موقوفا ، ورواه هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عمر فذكره وزاد عن حفصة : هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه ابن عبد البر .

                                                                                                          وروى إسماعيل بن إسحاق وابن المنذر من طريق عبيد الله عن نافع أن حفصة أمرت مولى لها أن يكتب لها مصحفا فذكر مثله وزاد أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها ، قال نافع : فقرأت ذلك المصحف فوجدت فيه الواو ، قال أبو عمر : إسناده صحيح ، قال الحافظ : وحديث عائشة وحفصة من حجج من قال إنها غير العصر لأن العطف يقتضي المغايرة ، فتكون العصر غير الوسطى ، وأجيب باحتمال زيادة الواو ويؤيده ما رواه أبو عبيد بإسناد صحيح عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر " بغير واو ، وباحتمال أنها عاطفة لكن عطف صفة لا عطف ذات بدليل رواية ابن جرير عن عروة كان في [ ص: 492 ] مصحف عائشة : والصلاة الوسطى وهي صلاة العصر .

                                                                                                          وقال الحافظ صلاح الدين العلائي : حاصل أدلة من قال إن الوسطى غير العصر يرجع إلى ثلاثة أنواع : أحدها تنصيص بعض الصحابة وهو معارض بمثله ممن قال منهم إنها العصر وترجح بالنص المرفوع ، وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم حجة على غيره فتبقى حجة المرفوع قائمة .

                                                                                                          ثانيها : معارضة المرفوع بالتأكيد على فعل غيرها كالحث على المواظبة على الصبح والعشاء كما تقدم وهو معارض بما هو أقوى منه وهو الوعيد الشديد الوارد في ترك العصر وتقدم أيضا .

                                                                                                          ثالثها : ما جاء عن حفصة وعائشة من قراءة " وصلاة العصر " فإن العطف يقتضي المغايرة ، وهذا يرد عليه إثبات القرآن بخبر الآحاد وهو ممتنع ، وكونه يتنزل منزلة خبر الواحد مختلف فيه سلمنا لكن لا يصلح معارضا للنص الصريح فليس العطف صريحا في اقتضاء المغايرة لوروده في نفس الصفات كقوله تعالى : هو الأول والآخر والظاهر والباطن ( سورة الحديد : الآية 3 ) كذا قال : ويرد الأول بأن ما قال إنه النص محتمل كما يأتي عن الباجي ، والثاني بأنه وإن صح الذي تفوته العصر كأنما وتر أهله وماله ، لكن لم يرد وصف تارك الجماعة فيها بالنفاق كما في الصبح والعشاء .

                                                                                                          والثالث : بأنه لم يثبت القرآن بخبر الآحاد إنما هو بمنزلة الحديث فيحتج به إذا صرح القارئ به برفعه كما هنا على الأصح وحمله على زيادة الواو أو جعله من عطف الصفات خلاف الأصل والظاهر ، وقد علم أن ما قال إنه نص صريح لم يسلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية