الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه قال ابن شهاب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول آمين

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          195 193 - ( مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن ) بن عوف التابعي ابن الصحابي وكذا سعيد ( أنهما أخبراه ) ظاهره أن لفظهما واحد لكن في رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة مغايرة قليلة للفظ الزهري ( عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا أمن الإمام ) ظاهر في أن الإمام يؤمن ، وبه قال مالك في رواية المدنيين والشافعي والجمهور ، وتعقب لأنها قضية شرطية ، وأجيب بأن التعبير بإذا يشعر بتحقيق الوقوع .

                                                                                                          وقال مالك في رواية ابن القاسم وهي المشهورة : لا يؤمن الإمام في الجهرية ، وعنه لا يؤمن مطلقا ، وأجاب عن حديث ابن شهاب بأنه لم يره في حديث غيره ، وهي علة لا تقدح ، فابن شهاب إمام التفرد مع أن ذلك جاء في حديث غيره أيضا ، ورجح بعض المالكية كون الإمام لا يؤمن من جهة المعنى ، بأنه داع فناسب أن يختص المأموم بالتأمين وهذا يجيء على قولهم لا قراءة على المأموم ، أما على قول من أوجبها فله أن يقول : كما اشتركا في القراءة ينبغي أن يشتركا في التأمين ، ومنهم من أول قوله إذا أمن بأن معناه دعا ، وتسمية الداعي مؤمنا سائغة كما في قوله : ( أجيبت دعوتكما ) ( سورة يونس : الآية 89 ) وكان موسى داعيا وهارون مؤمنا رواه ابن مردويه من حديث أنس ورد بعدم الملازمة فلا يلزم من تسمية المؤمن داعيا عكسه ، قاله ابن عبد البر والحديث لا يصح ولو صح فكون هارون داعيا تغليب ، وقيل معنى أمن بلغ موضع التأمين كما يقال أنجد بلغ نجدا ، وإن لم يدخلها ، وقال ابن العربي : هذا بعيد لغة وشرعا ، وقال ابن دقيق العيد : هذا مجاز فإن وجد دليل يرجحه عمل به اهـ .

                                                                                                          ودليله الحديث التالي : " إذا قال الإمام ولا [ ص: 329 ] الضالين فقولوا : آمين " فالجمع بين الروايتين يقتضي حمل أمن على المجاز ( فأمنوا ) أي قولوا آمين ( فإنه من وافق ) ولابن عيينة في البخاري ، ويونس في مسلم كلاهما عن ابن شهاب : فإن الملائكة تؤمن فمن وافق ( تأمينه تأمين الملائكة ) في القول والزمان كما دلت عليه رواية الصحيحين المذكورة خلافا لمن قال : المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع كابن حبان فإنه لما ذكر الحديث قال : يريد موافقة الملائكة في الإخلاص بغير إعجاب ، وكذا جنح إليه غيره فقال : ونحو ذلك من الصفات المحمودة ، أو في إجابة الدعاء أو في الدعاء بالطاعة خاصة ، أو المراد بتأمين الملائكة استغفارهم للمؤمنين .

                                                                                                          وقال ابن المنير : الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون المؤمن على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها ، لأن الملائكة لا غفلة عندهم فمن وافقهم كان مستيقظا ، ثم ظاهره أن المراد بالملائكة جميعهم واختاره ابن بزيزة وقيل الحفظة منهم ، وقيل الذين يتعاقبون منهم إذا قلنا إنهم غير الحفظة ، والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض أو في السماء للحديث الآتي ، وقالت الملائكة في السماء ، وفي رواية لمسلم : فوافق ذلك قول أهل السماء ، وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال : صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء ، فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد ، ومثله لا يقال بالرأي فالمصير إليه أولى ، ذكره الحافظ .

                                                                                                          ( غفر له ما تقدم من ذنبه ) قال الباجي : ظاهره غفران جميع ذنوبه المتقدمة ، قال الحافظ : وهو محمول عند العلماء على الصغائر ، قال : ووقع في أمالي الجرجاني ، عن أبي العباس الأصم ، عن بحر بن نصر عن ابن وهب ، عن يونس وما تأخر وهي زيادة شاذة ، فقد رواه ابن الجارود في المنتقى عن بحر بن نصر بدونها ، وكذا مسلم عن حرملة ويونس بن عبد الأعلى كلاهما عن ابن وهب بدونها ، وكذا في جميع الطرق عن أبي هريرة إلا أني وجدته في بعض نسخ ابن ماجه عن هشام بن عمار ، وأبي بكر بن أبي شيبة كلاهما عن ابن عيينة بإثباتها ، ولا يصح ؛ لأن أبا بكر رواه في مسنده ومصنفه بدونها ، وكذا حفاظ أصحاب ابن عيينة وابن المديني وغيرهما اهـ .

                                                                                                          ( قال ابن شهاب : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول آمين ) هذا مرسل ، وصله حفص بن عمر المدني ، عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة به أخرجه الدارقطني في الغرائب والعلل وقال : تفرد به حفص وهو ضعيف ، وقال ابن عبد البر : لم يتابع حفص على هذا اللفظ بهذا الإسناد .

                                                                                                          ورواه روح بن عبادة عن مالك بلفظ : قال ابن شهاب : " وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قال ولا الضالين جهر بآمين " أخرجه ابن السراج .

                                                                                                          ولابن حبان من رواية الزبيدي عن ابن شهاب : " فإذا فرغ - صلى الله عليه وسلم - من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال آمين " وللحميدي من طريق [ ص: 330 ] سعيد المقبري وأبي داود من رواية أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة ، كلاهما عن أبي هريرة نحوه بلفظ : " إذا قال ولا الضالين رفع صوته وقال آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول " ، فقد اعتضد هذا المرسل بالمسند لكن قال بعضهم : إنما كان - صلى الله عليه وسلم - يجهر بالتأمين في ابتداء الإسلام ليعلمهم فأومأ إلى نسخه ، ورد بأن أبا داود وابن حبان رويا عن وائل بن حجر : " صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فجهر بآمين " ووائل متأخر الإسلام ، والجواب أنه جهر لبيان الجواز ، وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى كلاهما عن مالك به .



                                                                                                          الخدمات العلمية