الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

العولمة والتربية (آفاق مستقبلية)

الأستاذ الدكتور / أحمد علي الحاج محمد

المشهد الأول: استمرار الأوضاع الحالية (المشهد المتشائم):

يقوم هذا المشهد على فرض بقاء الأوضاع الحالية لنظم التربية العربية على ما هي عليه مع استمرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية والثقافية في البلاد العربية.

فعلى الصعيد الداخلي سوف تظل نظم التربية في البلاد العربية واقعة تحت تأثير مظاهر عولمة الحضارة الغربية -عموما- وأمركة العالم -خصوصا- إذ في الوقت الذي سوف يتزايد فيه اعتماد نظم التعليم العربية على ما تتيحه نظم التعليم الغربية من معلومات ومعارف ونظم وتنظيمات حديثة، لتجديد البنى التعليمية؛ مما يكرس تبعيتها لنظم التعليم الغربية ويرسخ أسس عولمتها، فإنه سوف تزداد سطوة تقنيات الاتصالات والإعلام والمعلوماتية في إيجاد بيئات تعليم وتعلم حديثة، أو بمعنى أدق بيئات تربوية تلبي حاجات النشء والشباب، تمتد من المؤسسات التعليمية إلى المنـزل، ومواقع العمل والإنتاج، وأماكن الراحة والتسلية، وتلبي احتياجاتهم المتنوعة والمتبـاينة بصورة أسـرع وأكثر ثراء وجـودة ووظيفية مما تقدمه المؤسسات التعليمية.

ومع استمرار هيمنة الدول الرأسمالية الكبرى وفي مقدمتها أمريكا على المنطقة العربية، وتدخلها في تغيير المناهج التعليمية، وفي وضع السياسات التعليمية، وفي استراتيجيات تطور نظم التعليم، ومع استمرار [ ص: 175 ] شروط وإملاءات المنظمات الدولية ومنها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فمن المتوقع أن تفقد نظم التعليم العربية دفاعاتها الداخلية، وسوف تتلاشى حصاناتها المجتمعية، وبالتالي سوف تعولم نظم التربية العربية، وستصبح هي نفسها آلية فاعلة لعولمة النواحي المجتمعية الأخرى.

ومما يدعم عولمة التربية العربية هو تزايد تبعية البلاد العربية للغرب اقتصاديا وسياسيا وثقافيا؛ نتيجة اعتماد تنمية المجتمعات العربية على الخارج، واتجاهها نحوه، وتدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية.

وعلى الصعيد العالمي، سوف تقوى سطوة الدول الرأسمالية الكبرى على البلاد العربية، وتدخلها المهيمن في أخص خصوصياتها، وتحول قادتها إلى حماة للشركات العملاقة، وأداة للفتك بشعوبها. وسوف تشتد الحرب على الإسلام والمسلمين بحجج وذرائع شتى. ويتوقع أن يتزايد توظيف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى لزعزعة الأمن والاستقرار في البلاد العربية والإسلامية هي وغيرها، وسوف يؤدي هذا التدخل إلى إجهاض أي مشروع تنموي أو تقارب سياسي عربي وإسلامي؛ الأمر الذي سيقوي عولمة نظم التربية العربية.

ويبدو أن هذا المشهد سيكون الأكثر احتمالا وترجيحا، وذلك بالنظر إلى حالة الانقسام والتشظي بين البلاد العربية، واتساع حدة الخلافات بينها، مقابل هيمنة الدول الكبرى على البلاد العربية. [ ص: 176 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية