الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
التعريب حاجات وعوائق

عبد الله آيت الأعشير [ ص: 129 ] يقيني أن المشهد الثقافي العربي يعج بشوب من الآراء التي تعرض لقضية التعريب في الوطن العربي، كل رأي ينظر إلى الموضوع من زاويته الخاصة، تسنده في ذلك المفاهيم المرجعية التي تشربها في أثناء التربية والتكوين، هـي أظهر من أن ينبه إليها، وهي تباعا:

- فئة من الأغتام الذين يعلكون العربية الفصحى علك اللجام، ويهاجرون بألسنتهم نحو الضفاف الأخر، ويطوون كشحهم عن كل مظاهر العروبة؛ لأن الغرب ماسحهم حتى أعمى بصيرتهم، سواء كانوا ناطقين بالإنجليزية، أم الفرنسية.

- ثلة من رجال السياسة الذين يقولون ما لا يفعلون، ولا يستنكفون من الظهور بمظهرين: الأول رسمي، يرفعون فيه أوهاما ليرضوا شعوبهم، معلنين أن التعريب شأن تعقد عليه الخـناصر، ولا يدركون حجم نفاقهم إلا عندما يهوون من العرش إلى الرفش. أما المظهر الثاني فيتمظهر في تنصلهم من العربية كما تنسل الحية من خرشائها، متقادعين في الفرنسية والإنجليزية تقادع الفراش في النار.

- كوكبة من المتنطسـين الخناذيذ الغيورين على أوطانـهم العربية، الذين رضعـوا العربية في لبان أمهاتهم، والذين أتوا العلم والمعرفة من [ ص: 131 ] الأبواب الصحيحة، حتى اهتدوا إلى أن التعريب يعد واجب الوجود بالنسبة إلى الأمة العربية. فإلى متى يضع المخططون لسياسة التعريب على أعينهم عصابا تمنعهم من الاهتداء إلى الأدوار التدليسية التي أسندت إلى العربية من لدن نخبة الأغتام الذين أحكموا تزوير اقتصار العربية الفصحى على المناحي التراثية، بينما تعربد الإنجليزية والفرنسية في دنيا المال والاقتصاد والعلوم الدقيقة؟ هـل هـناك قرارات في المستوى المأمول، لتمكين اللغة العربية وتوطينها في محيطها، وماهي درجات إلزامية تلك القرارات من لدن الأفراد والجماعات؟ أي تعريب يلائم المجتمعات العربية في هـذا العالم الفاغر فاه لابتلاع الشعوب الضعيفة بتقنياته المتطورة، وآلياته المدمرة، وأسواقه الكاسحة، وإعلامه الجارف؟ أهو التعريب المطلق الذي يغلق الأبواب والنوافذ أمام رياح اللغات الأجنبية، التي لا ترضى بديلا عن نفث سمومها وتفصيل قوالبها على لغات الأمم الأخرى، حتى تحيلها جسدا خوارا إن استطاعت إلى ذلك سبيلا، أم التعريب المأمول يجب أن يكون تعريبا مدعوما باللغات الأجنبية المنتجة للعلم والمعرفة؟ ما هـي شرائط صناعة المعجمات الاصطلاحية، وكيف يتم تداولها في سوق المعرفة، وماهي التدابير والإجراءات الناجعة لتجاوز معضلة التباين الواضح في تعدد الأسماء للمفهوم الواحد؟ أسئلة كثيرة تتطلب الإجابة عنها جهود أولي العزم المخلصين من هـذه الأمة، أولا: لكسر الحاجز النفسي بيننا، وبين النظر إلى لغتنا العربية، أملا في [ ص: 132 ] استرجاع بريقها وسلطانها على القلوب، وثانيا: لإنعاش وتجديد أثوابها الخلقة في بعض الجوانب، حتى تتمكن من جمع أطايب التمدن العربي والأجنبي، وفي تعبير أوفى: أؤكد أن اللغة العربية تحتاج اليوم إلى ماهر يجلو عن دررها الأصداف التي تمنع الكسالى الخاملين من الانتفاع بها.

التالي السابق


الخدمات العلمية